المجتمع المثالي بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

مراسل حيفا نت | 13/01/2022

المجتمع المثالي

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

إن المجتمع المثالي هو المجتمع الذي يحافظ اهله على القيم والأخلاق الرفيعة التي تحفظ كرامة الانسان مهما كان نوعه ولونه أو جنسه ( كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ) ( لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي  ولا لأحمر على اسود ولا لأسود على أحمر  الا بالتقوى ) وكلما حافظ المجتمع على القيم الفاضلة عرف برقيه وعلو مكانته بما يحمله افراده من عقل سليم وقلب ينبض بالحق يجعل أبناء هذا المجتمع متماسكون متراحمون كالجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالحمى والسهر , وهذا الحال اذا تميز به المجتمع لا يمكن له ان ينهار أو أن ينهزم بل سيكتب له التمكين والديمومة ما دام على الحق قال الشاعر 

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت   فإن هم ذهبي أخلاقهم ذهبوا 

 

ولهذا رأينا أن رسول الله كان سباقا الى هذه القيم وقد اتصف بها حتى قبل بعثته لذا لقب بالصادق الأمين الأمر الذي أهله الى أن يحمل رسالة عظيمة قال عنها ربنا (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) وعبء هذا القول لا يقوى عليه الا العظماء بأخلاقهم وقد لخص لنا الرسول رسالته بقوله (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وكأن القول الثقيل هو الذي يربي مجتمعا فاضلا مثاليا ولا يمكن ان يكون كذلك الا اذا تكاتف أبنائه فكفلوا ضعيفهم وأعانوا مسكينهم وعادوا مريضهم ودعوا لميتهم ورحموا أرملتهم على أساس قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان )  وبقدر عطاء المرء لأبناء مجتمعه يكون عطاء الله له قال رسول الله ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله , أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل )   ولقد لفت انتباهنا أن معونة الله تأتي عندما نساند الضعفاء قال رسول الله ( هل تنصرون وترزقون الا بضعفائكم ) وخاصة إذا كانوا من اهل الاحتياجات الخاصة أصحاب الهمم الرفيعة أمثال الصحابي الجليل عبد الله بن مكتوم الذي عاتب ربنا به رسوله فقال ( عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يتزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى* أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى فأنت عنه تلهى * كلا انها تذكرة  ) بعدها كان رسول الله يرحب به كلما التقى به ويقول له ( مرحبا بالذي عاتبني به ربي ) واصبح يستخلفه في المدينة ليصلي بالناس , ومشهد التعاون والتناصر بالحق كان يفرح الرسول فكان يعتبر هؤلاء منه لذا وصف قوم فقال عنهم ( إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو , أو قل طعام عيالهم بالمدينة , جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد , ثم اقسموه بينهم في إناء واحد , بالسوية , فهم مني وأنا منهم ) فاعتبرهم منه لأنهم مثلوا الجسد الواحد الذي يحقق فيهم الحب والرحمة والمودة وقد نزعوا من قلوبهم الغل والحسد والحقد الذي يفرق ويمزق المجتمع , وحتى يبقى المجتمع قويا حذر الرسول وأنذر بقوله ( ولا تحاسدوا , ولا تناجشوا , ولا تباغضوا , ولا تدابروا ولا يبيع بعضكم على بيع بعض ) بل يشحذ أبناء هذا المجتمع الهمم ويبذل الجهد الى حد الايثار على الأنفس تماما كما وصف ربنا الأنصار فقال عنهم ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ومن هذا المنطلق  قال الرسول ( من كان في حاجة أخية كان الله في حاجته ) وقال ( والله في عون العبد ما دام العبد بعون أخيه ) وحتى يكون عندنا مجتمع مثالي لا بد من مطالعة سورة الحجرات التي تحدد علاقة المرء مع ربه وعلاقته مع الخلق على أساس قواعد مهمة يحتاج اليها المجتمع المثالي مثال قوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ  فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) فالمجتمع المثالي الذي لا يتسرع افراده ولا يتهورون في الحكم على العباد لمجرد إشاعة اطلقها حقود أو حاسد او صاحب مصلحة مما يجر الناس الى معصية الله والدخول في الخطيئة قال رسول الله ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) وقال ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير أو ليصمت ) يصمت حتى ينجو فيكون صمته صدقة يتصدق بها على نفسه , نحن بحاجة الى مجتمع  ابناءه يسمعون كلام الله وهو يخاطبهم بقوله ( يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )  نريد مجتمعا بتعاليمه وثقافته يجمع بين الدين والدنيا فأبناءه لا ينشغلون عن عبادة ربهم  وذكره ثم انهم يتعاونون فيما بينهم رحماء فيما بينهم يعفون ويتسامحون بينهم يشعر الفرد منهم ان كل الناس افضل منه واحسن فيستجيب للحق والعدل الذي أمر به الرب ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) ومن العدل المطلوب أن يحرص كل انسان  على النجاة بنفسه وبأبنائه  من أن يحول الحياة الدنيا الى تعب ونصب وضنك قال تعالى ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشتا ضنكا )وقال ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) ولا يكون ذلك الا بالنهج القائل ( أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *