برينر ودوستويفسكي بقلم رشدي الماضي

مراسل حيفا نت | 02/01/2022

 برينر ودوستويفسكي

بقلم رشدي الماضي

   يوسف حاييم برينر، تَمتَّع بنفوذ بارز وملموس في حركة التَّنور اليهوديّة، من خلال طريقتهِ الخاصّة، والفريدة، في هندسة وتشخيص الحالة اليهوديّة، وبلورة الهويّة ومفهوم العبري الجديد…

   والمعروف، أنَّ برينر كان معجبا بالأدب الرُّوسي ، لدرجة جعلت لغتَهُ العبريّة تتأثّر بالتّراكيب  والمصطلحات اللغويّة الروسيّة، وهو ما أكّدتْهُ الكاتبة رينا لابيدوس في دراستها لتأثير الأدب الرّوسي على الأدب العبري…

   برز في هذا الصَّدد، اعجاب بيرنر بصورة خاصَّة بدوستويفسكي، فترجم كتابَهُ “الجريمة والعقاب” إلى العبريّة، كما وضع تصوّراته الفلسفية لما ينبغي أن يكون عليه اليهودي الجديد، أَيّ العبري، في قالب سرديّ يحاكي الحبكات النّفسيّة المألوفة لدى مبدعنا الرّوسي…

   وهنا، لا بُدَّ أَنْ نُضيف، أنّ أعمال دوستويفسكي تنتمي ألى ما يُعرف  في التَّاريخ الأدبي “برواية الأفكار”، والّتي تعالج موضوعات تمتاز بالعموميّة والثَّبات، مثل الخير والشَّر، العدل والظّلم …الخ، وقد برز في أعمالِهِ الرّوائيّة هذه دور عالم النّفس البارع في تحليل الحالات المرضيّة، التي كانت تؤدّي بأَبْطالِهِ إلى الجنون، القتل، والإنتحار، أَيّ العيش في عالم من المتناقضات، اضافة ألى الاغتراب وفقدان الهوية .

   هذا، وقد ذهبَ الدّارسون أَنَّ دوستويفسكي في “الجريمة والعقاب” وكذلك “الأخوة كارامازوف” إلى ايضاح ماهيّة العالم الغريب الكامن في أعماق النَّفس الإنسانيّة، قيما يخصُّ الموقف الأخلاقيّ من الجريمة، وفي الثّانية استكشاف أصل الشَّر ومعنى الحريّة، والحاجة للإيمان…

   وعليه، عند وصولنا إلى هذا الحَدّ، نعود إلى شخصيّة برينر، من خلال أعمالهِ الأدبيَّة، مواقفه، وسيرة حياتِهِ، لنكتشف قدراً من التّشابه بينهُ وبين راسكولينكوف بطل ” الجريمة والعقاب”، الذي تميّز كشخصيّة تُقامر بالأفكار، ويرى أنَّ الجريمة وسيلتهُ لحلّ مشاكلَهُ كلَّها دفعة واحدة، إلى حدّ أنَّهُ جرّدها من كلّ دلالة سلبيّة، حيث تبنّى موقف نيتشة في موضوع تحقيق التّقدّم، الذي لن يتأنّى إلّا بتجاوز الشّخص الموهوب، والاستثنائي، للقيم والأعراف، وبذلك نَفَى ، بهذا المفهوم “أيّ وجود للجريمة”!!!

وهو ما رأى به دوستويفسكي المضمون الحقيقي ” لإيمان الانتلجنسيا بحِكْمتها الذَّاتيّة المتفوّقة”!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *