شاهين نصّار
استضاف معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية يوم الأربعاء الماضي ندوة مميزة بعنوان "حيفا وتطور التراث الحضاري والمعماري الفلسطيني – من أواخر الفترة العثمانية وحتى نهاية الانتداب البريطاني"، وذلك ضمن مشروع تراث حيفا الذي تحييه الجمعية.
شارك في الندوة كل من د. رون فوكس – قسم تاريخ الفنون في جامعة حيفا، والمهندس المعماري وليد كركبي – رئيس طاقم الحفاظ المعماري في بلدية حيفا.
وتحدث بداية مدير المعهد وعضو الكنيست الأسبق عصام مخوّل عن مشروع تراث حيفا وعن أهمية إحياء التراث المعماري الفلسطيني منذ العهد العثماني والحفاظ عليه، مشيرا الى كون الباحثين المشاركين في الندوة من أبرز الباحثين في المجال والعاملين فيه فيما يخص المدينة.
وتحدث د. رون فوكس عن كون التراث المعماري الفلسطيني في عهد ظاهر عمر الزيداني والذي قام بتأسيس حيفا الجديدة قبل حوالي 250 عاما، يختلف عن العهد الذي تلاه من حيث العمران الحديث، مشيرا الى أن التراث المعماري الفلسطيني في الحقبة الأولى تميّز بكونه اعتمد على الحجر الكلسي وبساطته، بينما في الحقبة الثانية، تميّز بتألقه، مستعرضا ما تبقى منه قائما في أحياء حيفا أجمع، مؤكدا أن حيفا داخل الأسوار التي بناها الظاهر عمر لم يبق منها الا القليل، ومشيرا الى أن الإعمار العربي الفلسطيني في تلك الفترة تميّز على سبيل المثال ببناء شرفات فيها أعمدة رخامية، وعادة ما كان عددها ثلاث فقط، وأنه كل منزل كان يحوي في داخله أعمدة مماثلة، مشيرا الى أن بيت آل جرار (أصلهم من جنين) في حي وادي الصليب الحيفاوي تميّز بكون الطابق العلوي منه غطته الأعمدة الرخامية من ثلاث جوانب، وعلى طول المبنى، وهو أمر لم يكن تقليديا في تلك الفترة.. كما تحدث عن حمام الباشا والبنيان المميز له ولدار عبدالله الخليل باشا المجاورة (رئيس بلدية حيفا في تلك الفترة والذي حظي الحمام باسمه)، وعن البناء في العهد البريطاني، مشيرا الى أن الانجليز كانوا أول من بنى الميناء في حيفا ولذلك قاموا بتجفيف الشاطئ، وبسبب الموقع الذي بنوه في، علميا منعوا شاطئ البحر عن سكان حيفا! واستعرض بعض الأمثلة للعمارات البريطانية التي اختلفت كليا عما كان معهودا في تلك الفترة في فلسطين وحيفا خاصة!
بينما أشار وليد كركبي الى أن المبنى الوحيد الباقي من عهد ظاهر العمر هو مسجد النصر الصغير، وأنه بفضل عضو البلدية زاهي كركبي في ثمانينيات القرن الماضي نجح عرب حيفا بالحفاظ على المبنى كما هو وعدم هدمه، بعكس العديد من المباني التاريخية في حيفا الحديثة داخل الأسوار التي لم تسلم من أيدي الهدم، وبالأخص تلك التي نفذتها العصابات اليهودية بعد نكبة 1948 بأوامر مباشرة من بن غوريون، والتي هدفت لمحو الطابع العربي لمدينة حيفا، مشيرا الى أن حيفا خارج الأسوار سلمت بعض الشيء من أيدي الهدم بفضل السكان الذين بقيوا في منازلهم…
كما تحدث كركبي عن الموديرنيزم في العمران الفلسطيني، مشيرا الى أنه في بادئ الأمر كل العمارات كانت تبنى من قبل بناؤون ورثوا المهنة أبا عن جد، وأنهم لم يمشوا بحسب تخطيط معيّن، وانما كان البناء يتم بحسب ما تعلموه أبا عن جد، مما حافظ على الطابع العربي الفلسطيني المميز للبناء. كما أكد أنه فيما بعد ومع وصول مواد بناء جديدة استخدمها العرب الفلسطينيون في عماراتهم، مستعرضا أمثلة لذلك، وبالأخص استخدام القرميد الذي وصل من فرنسا. كما استعرض أمثلة لمباني تاريخية بناها عرب فلسطينيون وحوفظ على مبناها التاريخي، مشيرا الى أن بلدية حيفا تعمل على الحفاظ على المباني التاريخية التي نجت من أيدي الهدم بعد النكبة!
واستعرض أيضا بعض أمثلة لمباني لأغنياء حيفا الذين نفّذوا مشاريع إعمارية كبيرة في المدينة، وأجرّوا الشقق فيها للعمال وسكان حيفا، كما أكد أنهم استعانوا بمهندسين معماريين عربا ويهودا على حد سواء، إضافة للأجانب وبينهم الألمان الذين كانوا قد قدموا لحيفا… مشيرا الى الاختلاف في الهندسة والعمران، من حيث الطابع العربي والطابع الأجنبي، فعلى سبيل المثال، حافظ العرب على الأعمدة الثلاث كطابع للبنيان العربي، دامجين مع ذلك "مطلع درج" كما هو معهود في العمران الأوروبي – المودرني. كما أكد أنه في العديد من أنحاء أوروبا لم ينجح هذا الأسلوب، بينما في مدن فلسطينية كثيرة بقيت هذه المباني وهذا الطابع المودرني كما هو! وحوفظ عليه…
وأكد كركبي أن المبنى العثماني الوحيد الذي سلم وبقي على حاله قائما، هو مبنى محطة القطارات شرق حيفا، والتي تحوّل جزء من المبنى الصامد منها الى متحف للقطارات اليوم. مشيرا الى أن التخطيط الانجليزي والبريطاني سلب حيفا شاطئها، وهو أمر ما زال يعاني منه سكان حيفا الى يومنا هذا، بغض النظر عن التطوّر العمراني والصناعي السريع الذي ساهم به بناء الميناء في سنوات العشرين!