حاورته: إيمان محاميد
تصوير: وائل عوض
الحوار مع الباحث رفيق إبراهيم يحتاج إلى أكثر من وقفة، ويستحقّ أكثر من إشارة، خصوصًا عندما تدرك أنّك أمام شخصيّة لديها معلومات علميّة كثيرة، معلومات يغترفها جرّاء ترحاله العلميّ والغور في بطون الأبحاث الّتي قلّ نظيرها؛ وعلى الرّغم من انشغالاته العديدة استطعنا في صحيفة «حيفا» أن «نسرق» من وقته ساعات قليلة، ليكون لنا معه هذا الحديث الخاصّ، حول أبحاثه العلميّة الأخيرة، وأهميّتها ضمن سلسلة الأبحاث العلميّة والعالميّة، المتعلّقة في الطالب العربيّ ولغته.
بطاقة شخصيّة
يعرّفنا بدايةً د. إبراهيم بنفسه قائلًا: «أنا من سكان قرية كفر سميع، متزوّج من ڤيوليت؛ وأب لأنيس، روزلين، دانيال، وجيهان. أنهيت الدراسة الثانوية في المدرسة الثانوية نهاريا (علمي). أحمل لقب دكتوراة في علم النفس العصبيّ من الجامعة العبريّة، واختصاصيّ في العلاج النفسانيّ والعصبيّ. أعمل منذ عام 1998 كإختصاصيّ في تشخيص وعلاج الاضطرابات الذهنيّة والعصبيّة في المركز الطبيّ «رمبام». أعمل منذ سنوات عدّة، كذلك، مديرًا لمركز الخدمات النفسانيّة، وأعمل اليوم محاضرًا وباحثًا في مركز أبحاث الدماغ في مركز أبحاث «أدموند ي. سفرا» في قسم العسر التعلّمي في جامعة حيفا، كما أشغل منصب رئيس لجنة الماجستير لهذا القسم، ورئيس برنامج العسر التعلّمي لمتحدّثي اللّغة العربيّة».
أبحاث عديدة في مجال الدماغ
ويضيف د. إبراهيم: «لي أبحاث كثيرة في مجال الدماغ ومجالات مهارات اللغة والتمثيل الدماغيّ للغة بشكل عام، وتحليل الوظائف الذهنيّة لدى الأشخاص العاديّين والمصابين بإصابات دماغيّة. لديّ دور مركزيّ وهام في إنشاء مركز في جامعة حيفا – فريد من نوعه في البلاد – هدفه تشخيص صعوبات ومشاكل التعلّم في اللّغة العربيّة وإمكانيّة معالجتها، وفي تطوير الاختبارات الشخصيّة في قياس نسبة الذكاء (Wisc IV-Arb)، وكذلك تطوير اختبارات شخصيّة لتحديد صعوبات التعلّم عند متحدّثي اللّغة العربيّة».
دراسات تتصدّر الصحف والمحطّات العالميّة
لقد وصلت أبحاث د. إبراهيم ودراساته إلى العالمية، وقدّ تصدّرت – وما زالت – في السنوات الأخيرة أهم المواقع والمجلّات العلميّة الرائدة في العالم، مثل: مجلة Neuropsychology وJournal of Experimental Psychology، كما تصدّرت دراساته الأخيرة عناوين أكثر الصحف والمحطّات العالميّة انتشارًا وتأثيرًا، مثل الـ CNN والـ BBC، وغيرها من الصحف والمحطّات العالميّة!
أعمال تطوعيّة في مجالات الأمراض العصبيّة
يقوم د. رفيق إبراهيم بأعمال تطوعيّة في عدّة لجان مهنيّة في وزارة التربية والتعليم، من ضمنها لجان للمناهج التعليميّة، ولجان أخرى في مجالات الأمراض العصبيّة الخاصّة بالوسط العربيّ، كلجنة أمراض الصرَع والرعاش، وأيضًا في لجان محليّة وقطريّة في مجالات متعدّدة، كمجالات مكافحة العنف، وحالات الطوارئ، وغيرها..
شخصيّة العام 2010 في مجال البحث العلمي
هذا وقد حاز د. إبراهيم على لقب شخصيّة العام 2010 في مجال البحث العلميّ، وتمّ اختياره من قبل جميع الباحثين المشاركين في الوسط العربي، برئاسة الدكتور كمال الحسيني والقاضي المتقاعد فارس فلاح؛ وقد تمّ نقل مراسم الحفل ببث مباشر على قناة الجزيرة والعديد من المواقع الـ«إلكترونيّة».
إزدواجيّة اللّغة العربيّة وتأثيرها على أداء الطلّاب
ويحدّثنا د. إبراهيم حول ازدواجيّة اللّغة العربيّة (العاميّة والفحصى)، قائلًا: «موضوع ازدواجيّة اللّغة العاميّة والفصحى موضوع معروف، ولكن هناك عدم إدراك كافٍ ووعي تام في مجتمعنا لمدى تأثير إزدواجيّة اللّغة على الأداء التعلّميّ للطلّاب؛ فلذلك قمت بإجراء أكثر من دراسة لبحث ظاهرة إزدواجيّة اللّغة وعلاقتها بصعوبات التعلّم، وجميع هذه الدراسات أكّدت – بشكل علميّ مُحوسب، دقيق وواضح – أنّ اللّغة العربيّة الفصحى هي بمثابة لغّة ثانية، وليست لغة أم لمتحدّثي اللّغة العربيّة. وأؤكّد أنّ هذا الأمر يمكن قوله دون أدنى شكّ لكلّ عربي في أيّ مكان من عالمنا العربيّ، حيث إنّ الفرق الذهنيّ بين اللّغتين (العاميّة والفصحى) عند متحدّث اللّغة العربيّة يشابه الفرق بين لغة الأمّ واللغة الثانية. إنّ مثل هذا الأمر من شأنه، بالطبع، أن يفسّر بعض الصعوبات الموضوعيّة والمشاكل التعليميّة الّتي تواجه الطالب متحدّث اللّغة العربيّة عند تعلّمه القراءة مثلًا في لغة لا يتحدّثها بشكل يوميّ».
ويضيف: «في هذه الدراسة قمنا بفحص الرباط الذهنيّ بين قاموس الكلمات بالعاميّة وقاموس الكلمات باللّغة الفصحى أو أيّة لغة أخرى، وقد تمّ ذلك عن طريق قياس سرعة ردّة الفعل في إدراك الكلمات الّتي عُرضت على المفحوص ونسبة الدقّة فيها».
النظام الذهنيّ يتعامل مع اللّغة الفصحى المكتوبة كلغة ثانية
ويشرح لنا د. إبراهيم عن أسباب الصعوبات التي تواجه الطالب العربي، مفسّرًا ذلك بالقول: «لقد درست – وعلى مدار عشر سنوات – الأسباب الكامنة من وراء صعوبة سيطرة القارئ العربيّ على لغته وعلاقة ذلك بعمل الدماغ؛ فاتّضح لي أوّلًا أنّ اللّغة المحكيّة تُكتسب بطريقة طبيعيّة وفطريّة، بينما اللّغة المكتوبة تُكتسب بمراحل تعليميّة طويلة، والّتي قد لا تتكلّل دائمًا بالنجاح، وثانيًا أنّ في تفعيل اللّغة المكتوبة تشترك كافّة مناطق الدماغ، بينما هناك مناطق معيّنة ومحدّدة للّغة المحكيّة. إنّ الواقع في اللّغة العربيّة يشير إلى أنّ النظام الذهنيّ والمعرفيّ يتعامل مع اللّغة الفصحى المكتوبة كلغة ثانية – كما أُثبت في تجارب مع تقنيّة متقدّمة؛ وأنّ نظام الكتابة في اللّغة العربيّة، من ناحية تشكيل الأحرف وقوانين الصرف، تكون مركّبة وكثيرة التعقيد، الأمر الّذي يشكّل عبئًا على الدماغ، مما يسبّب حدوث «إثقال» و«تباطؤ» في عمل الدماغ، ويجعل نصفي الدماغ يعملان بشكل مختلف عمّا هو الحال في التعامل مع لغات أخرى».
تقنيّة علميّة مُحوسبة
ويتابع د. أبراهيم قائلًا: «هذا البحث أُجري على طلّاب ثانوية، الّذين يجيدون أيضًا اللّغة العبريّة، وتمّت مقارنة تأثير الرابط الكلاميّ عن طريق عرض كلمات مترجمة على أداء الطالب من ناحية سرعته في إدراك الكلمات. إذ تمّ عرض كلمات مع روابط، مثل: "מרפסת" بالعبريّة، و«شرفة» بالعربيّة الفصحى، و«ڤرندا» بالعاميّة، وقد تمّ فحص تأثيرها على الأداء بالكلمة المترجمة باللغة الأخرى، بالاتّصال مع اللغة العبريّة. وقد أشارت النتائج إلى أنّ تأثير ترابط الكلمات بين الفصحى والعاميّة مشابه لترابطها بين العبريّة والعاميّة، ويختلف عن ترابط الكلمات داخل اللغة العامية. هناك نموذج مشابه بين الفصحى والعاميّة وبين العبرية والعاميّة، وهذا يؤكّد أنّ تأثير اللّغة الفصحى في الجهاز الذهنيّ لدى الطالب العربي يتلاءَم مع كونها لغة ثانية – إضافة إلى العامية وليست كلغّة أم – وأنّه لأوّل مرّة يُثبت، وبتقنيّة علميّة مُحوسبة، ازدواجيّة اللّغة. وما كان حتّى الآن هو مجرّد نظريّات وفرضيّات فقط ومحاولات للتفسير! وبالنسبة لهذه الدراسة بالذات حول اللّغة العربيّة، المحكيّة والفصحى، فمن المؤكّد أنّه بالإمكان تعميمها على جميع متحدّثي اللّغة العربيّة أينما وجدوا، لأنّ اللّغة الفصحى هي ذاتها، واللّهجة الفِلسطينيّة يمكنك أن تستبدلها بأيّة لهجة عربيّة أخرى».
تعامل الدماغ يختلف مع اللغة العربيّة!
في السابق أشارت دراسات عديدة إلى أن مبنى الجهاز اللّغويّ لمتحدّثي لغتين يختلف عن الجهاز اللّغوي لمتحدّثي اللّغة الواحدة. وفي إحدى الأبحاث الأخيرة التي أجراها د. إبراهيم أشار إلى أنّ اللغة الثانية تتمركز في مناطق دماغيّة تختلف عن المناطق التي تتمركز فيها اللّغة الأم. نتائج مجموعة هذه الأبحاث العلميّة الأخيرة، والّتي نُشرت في مجلّة Neuropsychology المعروفة والرائدة في المجال العلميّ، تُظهر أنّ الصعوبة في قراءة العربيّة تكمن في المراحل الأولى من تحليل الخطّ المكتوب، وذلك بسبب تركيبته الشكليّة، كما تُظهر هذه الأبحاث، والّتي أُجريت في قسم علم النفس ومركز «أدموند ي. سفرا» المختصّ في أبحاث الدماغ والصعوبات التعليميّة في جامعة حيفا، أنّ تعلّم القراءة باللّغة العربيّة أصعب، مقارنة بتعلّم القراءة بلّغات أخرى، مثل: العبريّة والأنچليزيّة، وذلك بسبب عدم اشتراك القسم الأيمن من الدماغ، في المراحل الأولى من اكتساب وتعلّم اللغة العربيّة والموجود في اللغات الأخرى، نتيجةً لنوعيّة تركيبة الخط العربيّ شكليًا.
لشكل الحرف العربي تأثير كبير!
وتشير المعطيات الإحصائيّة في السنوات الأخيرة إلى أنّ اكتساب القراءة في اللغة العربيّة يحصل بمدّة زمنيّة أطول، مقارنةً مع لغّات أخرى. في سلسلة الأبحاث الّتي قام بها د. إبراهيم في هذا المجال، بمرافقة پروفِسور زوهار أڤيطار، تمّ فحص فرضيّة أنّ صعوبة اكتساب القراءة هي نتيجة للتركيبة الشكليّة للخط. ويقول د. إبراهيم بهذا الخصوص: «هنالك أشكال أو صور مختلفة ومتشابهة لحروف مختلفة والفروق بين هذه الحروف بسيطة ودقيقة جدًا كالخطوط والنقاط، إضافةً إلى وجود حروف تظهر بـ«أشكال مختلفة».. ولفحص فرضيّة أنّ تركيبة الخط تؤدّي إلى ضغوطات في التقاط وإدراك الخطّ المكتوب، أجرينا سلسلة من الدراسات الذهنيّة والدماغيّة، قارنّا سرعة ودقّة إلتقاط وإدراك الكتابة بلغّة الأم عند الناطقين بالعربيّة، والعبريّة – لغّة شبيهة بالعربيّة، وفي الوقت ذاته بعيدة و«غربية» – من جهة، ومن جهة أخرى التقاط وإدراك الكتابة باللّغة العربيّة والعبريّة والإنچليزيّة عند الناطقين بالعربيّة. وقد أظهرت الدراسات، بشكل واضح، أنّ النصف الأيمن من الدماغ يشارك في اكتساب القراءة في اللّغة الإنچليزيّة والعبريّة، ولكنّه لا يشارك باللّغة العربيّة، لأنّ النصف الأيمن من الدماغ يستخدم أساسًا للتحليل الشكليّ الكامل للأحرف. وكشفت هذه الدراسات، أيضًا، أنّ العلاقات الـ«معقّدة» بين الرموز الشكليّة للأحرف والأصوات في العربيّة، تشكّل عامل ضاغط من ناحية «الحمولة» الإدراكيّة، وتصعّب بذلك عمليّة الربط بين الصوت والإشارة أثناء استرجاع وتذكّر الأحرف».
ويضيف د. إبراهيم: «مثل هذه النتائج تعني أنّ الطلّاب الذين
يكتسبون مهارات القراءة في اللغات الأخرى، يعتمدون على قدرات نصفَي الدماغ في المراحل الأولى من تعلّم القراءة، على خلاف الطلّاب الّذين يكتسبون مهارات القراءة في اللّغة العربيّة».
بعد سلسلة الدراسات هذه، بات من الواضح أنّ الطالب العربيّ يواجه تحدّيات صعبة في تحليل الخط المكتوب، ويتطلّب تدريبًا خاصًا وأطول من المعدّل، ومثل هذه النتيجة تولي إلى أنّ هناك حاجة خاصّة إلى التدخّل المهنّي والمنهجيّ في تعليم مهارات القراءة والكتابة، ولا سيما عند أولئك الذين يعانون من العسر التعلّمي والقرائيّ.
ازدواجيّة اللّغة قد تُخلق مشكلة اجتماعيّة لدى الطالب
تساهم ظاهرة ازدواجيّة اللّغة في إضعاف ثقة الطالب بالتعبير عن نفسه، والقدرة على التحدّث بطلاقة وبشكل فصيح، وبالتّالي يؤدي ذلك إلى تأثير سلبيّ على التقدير الذاتيّ لدى الطالب، وفي بعض الأحيان إلى خلق مشاكل اجتماعيّة.
فكما نعلم فإنّ الأطفال أو الطلّاب الذين يأتون من بيئة تفتقر لجوّ أُسريّ دافئ، وإلى إلفة وحبّ وتفاهم في البيت، وجوّ لا يسود فيه شعور بالأمان والطمأنينة، سيؤدّي ذلك إلى عدم استقرار ذهنيّ أيضًا، ممّا يعيق عمليّة التعلّم.
الطالب العربي يختلف عن الطالب اليهودي أو الأجنبيّ
بالنسبة إلى اكتساب مهارات اللّغة، كالقراءة وفهم المقروء على سبيل المثال، يقول د. إبراهيم: «كون اللّغة العربيّة الفصحى غير متداولة في الحديث اليوميّ، فذلك يؤثّر بشكل سلبيّ على التحصيل العلميّ لدى الطالب، على عكس الطالب اليهودي أو الأجنبيّ (الإنچليزيّ مثلًا) الذي يكتب ويقرأ باللّغة التي يتكلّمها. إنّ الطالب العربي «يلتقي» باللغة الفصحى فقط عند اكتساب مهارة القراءة في المرحلة المدرسيّة الابتدائيّة، وبعدها تبقى «محصورة»، فقط، خلال الدروس والحالات الخاصّة، وهذا يضعف من القدرة على التمكّن من اللّغة. نحن نقوم من خلال المركز في خدمات العلاج السلوكيّ لذوي صعوبات التعلّم الخاصّة، والّتي تهدف إلى تحسين استخدام المهارات اللّغوية المكتسبة، وتعديل المهارات اللّغوية المغلوطة، وإكساب مهارات لغويّة جديدة سليمة».
ويضيف: «إنّ الطلّاب الّذين يعانون صعوبات تعلّم، لديهم احتياجات نفسانيّة واجتماعيّة تتطلّب تدخّل اختصاصييّن لإحداث تغيير إيجابيّ في سلوكيّاتهم، لا سيما سلوك عدم التوافق».
وفي ردّه على سؤال حول إن كانت المؤسسات التعليميّة في البلاد، ووزارة التربية والتعليم يدركون هذه الصعوبات الّتي تواجه الطالب العربي، وماذا يفعلون بهذا الشأن، أجاب د. إبراهيم: «من المفروض أن يكون لدى المؤسّسات التعليميّة ووزارة التربية والتعليم وعي كافٍ للبعد اللّغويّ بين اللّغة المحكيّة والفصحى، وأن يكون هناك تعليمًا مباشرًا لهذا البعد. فهذا البُعد ليس واضحًا دائمًا بالنسبة للطالب، وهناك حاجة لوساطة مباشرة بأن «يتدخّل» المعلم و«يقرّب» هذا البُعد بين اللّغتين كي يُسرّع من عمليّة اكتساب القراءة باللّغة الفصحى». ويضيف: «إنّ سلسلة الأبحاث الّتي قدمها پروفِسور سليم أبو ربيعة، وپروفِسور إليانور صايغ – حداد منذ العام 2000، حول تأثير الازدواجيّة على اكتساب القراءة في اللّغة العربيّة، تُظهر أنّ البُعد اللغويّ بين اللّغة المحكيّة واللّغة الفصحى، يؤثّر على قدرات القراءة لدى الأطفال، ولذا يتطلّب ذلك برنامجًا تداخليًا لتطوير القراءة وإكسابها طابعًا آخر، وهذا يقع ضمن مسؤوليّة المؤسسة التعليميّة».
العسر التعلّمي في الوسط العربي وعلاجه
علاج العسر التعلّمي يتمّ عن طريق اختيار استراتيجيّات تدريس؛ ويقول د. إبراهيم بهذا الخصوص: «إذا أخذنا، على سبيل المثال، صعوبات التعلّم في القراءة، فهناك طرق ووسائل وموادّ عديدة لتدريس القراءة، تبدأ في مرحلة التعرّف على الكلمة والوعي الصوتي لها وهدفها تحسين السلاسة أو الطلاقة اللفظيّة، خاصّة لأصحاب القراءة البطيئة، وتحسين فهم القارئ عن طريق بناء مفردات المعاني والمفاهيم والتركيز على المعاني المتعدّدة للكلمة واستكشاف مصادر الكلمات؛ وإحدى الاستراتيجيّات المفيدة هي: إعادة صياغة ما يقرأه الطالب بلغته الخاصّة، وبذلك يتمكّن الطالب من فهم القطعة التي قرأها، وإعادة كتابتها بكلماته الخاصّة».
قياس نسبة الذكاء قد لا يلائم الطالب العربي!
ويؤكد د. إبراهيم بأنّ عدم إتقان اللّغة الفصحى يؤثّر سلبًا، وبشكل مباشر، على اكتساب الكثير من المواضيع التعليميّة الأخرى، وخاصّةً تلك الّتي تحتاج إلى سرعة بديهة واستعاب خاصّ كالمسائل الكلاميّة، منها: المسائل الرياضيّة ومسائل المنطق. ويشير إلى أنّه في أبحاث أجريت على أطفال في عمر خمس سنوات وحتّى بالغين، تمّ خلالها رواية قصّة معيّنة، باللّغة الفصحى أو العاميّة، فتبيّن أنّه هناك تأثير إيجابيّ كبير للّغة الفصحى على قدرات الطالب باستخدامها في عدّة مستويات ذهنيّة.
ظلم واقع على الطلّاب العرب!
وفيما يتعلّق بموضوع امتحان الـ«بسيخومتري»، فقد أظهر تقرير صادر عن المركز القطري للامتحانات وجود «فجوة» بما يقارب الـ 100 علامة بين معدّل الطلّاب اليهود في امتحانات الـ«بسيخومتري»، ومعدّل الطلّاب العرب لصالح الطلّاب اليهود طبعًا، ويؤكّد د. إبراهيم ذلك قائلًا: «كإختصاصيّ أعتقد أنّ هناك ظلم واقع على الطلاّب العرب مقارنةً بالطلّاب اليهود فيما يتعلّق بمبنى الامتحان، وذلك على خلفيّة الأبحاث الّتي تشير إلى ميزات اللّغة التعليميّة، والخصوصيّة الاجتماعيّة والثقافيّة للطلّاب العرب. إنّ تفاصيل أبحاثنا توضّح أمورًا كثيرة ذات أهميّة في المعرفة اللّغويّة، وعلاقتها بعمل الدّماغ، أهمّها الفارق اللّغوي والذهنيّ بين اللّغة المحكيّة والفُصحى».
البرامج المستقبليّة وعمليّات تطوير الاختبارات الشخصيّة
«بما أنّ جهاز التعليم العربيّ يفتقر إلى اختصاصيّين في مجال تشخيص ومعالجة صعوبات التعلّم، وبما أنّ عمليّة تشخيص الأفراد ذوي صعوبات التعلّم عمليّة دقيقة وحساسّة، فلم يكن أمامنا حلّ سوى إنشاء مركز لتأهيل وإعداد اختصاصيّين عرب (يحملون لقب جامعي ثاني)، لتشخيص حالات الطلّاب ذوي صعوبات التعلّم ومعالجتهم، عن طريق لغتهم الأم. نقوم بمجموعة من الاختبارات الخاصّة في مجال صعوبات التعلّم لدى المُعالَجين لتحديدها، وللتمكّن من التدخل العلاجي والتغلّب عليها، وهذا ما قمنا به في جامعة حيفا» – يقول د. إبراهيم.
ويضيف: «في إطار برنامج إعداد اختصاصيّين عرب، تمّ تجنيد أعضاء في سلك التدريس والبحث، مثل پروفِسور أسيد خطيب (اختصاصيّ في أبحاث الدماغ، القراءة والعسر التعلّمي)، د. هيثم طه، د. بهاء مخّول، حنان أسعد، هنادي أبو أحمد، ياسمين عواد، ورهام مطلق، ولقد طوّرنا إختبارات تشخيصيّة جماعيّة (ELOOL test)، ونحن الآن في صدد تطوير اختبارات تشخيصيّة فرديّة (مع إبراهيم أسدي، ميخال شني، وعنات بن سيمون) في الموادّ الدراسيّة الرئيسة، مثل: اللّغة العربيّة والرياضيّات. إنّ عمليّة تطوير الاختبارات ليست سهلة، فهي تهدف إلى تأليف وبناء وتقنين الاختبارات النفسانيّة والتربويّة الّتي يستخدمها المشخّص، بناؤها وتقنينها لتعرف حالات صعوبات التعلّم الخاصة».
ويكمل قائلًا: «في المرحلة الأولى من عمليّة التطوير، يقوم الفريق العلميّ بالرجوع إلى العديد من المصادر لتجميع الاختبارات الفرعيّة، عن طريق الاطّلاع على الاختبارات الأجنبيّة والعربيّة الّتي تناولت نفس الموضوع أو مواضيع مشابهة، بعدها يتمّ تطبيق الاختبارات في صورتها الأوليّة على عيّنة من الطلّاب (في الصفوف من الثاني إلى التاسع)، ثمّ يتمّ المعالجات الإحصائيّة من معاملات صعوبة وتمييز لجميع الاختبارات. أمّا المرحلة الثانية، فيتمّ فيها تطبيق جميع الاختبارات بعد حذف وتعديل بعض من أقسامها على نفس العيّنة السابقة وبنفس التوزيع السابق، مع مراعاة أنّه يتمّ اختيار العينة بشكل عشوائيّ ولكن بطريقة علميّة، على أن تكون جميع المدارس الّتي يُطبّق فيها الاختبارات مدارس عامّة وليست خاصّة. وفي مجال تطوير الاختبارات الشخصيّة في قياس نسبة الذكاء (Wisc IV-Arb) أعمل مع مجموعة اختصاصيّين نفسانيّين معروفين (يوحاي أشيل، ليلي روتشيلد، وطالب الدكتوراة سيزار حكيم). كما نعمل مع جهات مختلفة لتحقيق أهداف في مجال زيادة الوعي، وإعداد إختصاصيّين، وتبادل الخبرات حول أفضل الطرق للتشخيص والتعليم، وتقديم الدعم للأفراد ليتمكّنوا من المساهمة الكاملة والإيجابيّة في المجتمع».
علينا تحويل اللغة الفصحى إلى لغة رئيسة
ويختتم د. رفيق إبراهيم حديثه، برسالة عبر صحيفة «حيفا»، قائلًا: «علينا كمفكّرين وباحثين ولغويّين عرب اقتراح طرق وأساليب لتحويل اللّغة الفصحى إلى لغة رئيسة داخل جدران المدرسة. نحن ندرك أنّ هذا الامر ليس سهلًا بتاتًا، ويجب أن يكون هناك نظام ضبط كامل ومبنى إداريّ في المدرسة يطبّق القوانين بشكلها الصحيح، ولكن إن لم ننجح بذلك ستبقى اللّغة العاميّة لغّة الشارع، واللّغة الفصحى لغة الطبقات العالية!