ألهاكم التكاثر بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 28/11/2021

ألهاكم التكاثر

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

إن مما ابتلي به الناس اليوم هو قطاع العلاقات الاجتماعية الى حد يعبر عنه بقطيعة الرحم فلا تزاور بين الأهل والأقارب ولا مشاركة افراح وأحزان الا القليل القليل  وسبب ذلك انشغال الناس في ملذات وشهوات الدنيا وطلبها بكل وسيلة كانت , مشروعة أو غير مشروعة مما جعل البعض يستهين بدم وعرض الآخرين ولكن هذا التنافس وهذه الاستهانة لن تدوم إنما يحصل المرء منه على متاع  قليل وما تبقى منه سيفارقه صاحبه اما بهلاكه هو او بهلاك أمواله ولن يبقى الا ما قدم لما بعد الحياة لذلك قال ربنا ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) أي ما قدمت ليوم الآخرة لذا وصف ربنا هذه الدنيا التي من اجلها قد يقتل الأخ أخاه أو يقتل زوجته وابنته أو يقتل أعز أصدقائه فقال ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ) فالدنيا بكل ما فيها الى زوال وما يبقى الا وجه الله ( كل من عليها فان  ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) لذا لا ينبغي أن تهلكنا وهي هالكة وتمحق طمأنينة أنفسنا وسرورها وهي الى زوال وقد وصف ربنا شغفنا وحبنا بالتكاثر الزائل فقال ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن مآب ) فالدنيا تخدع أهلها فيتنافسوها وتشغلهم عن مهمتهم الأصلية  ويبقوا منهمكين فيها حتى يأتي اليوم الذي يرجعون فيه الى خالقهم

تورع من الدنيا فإنك لا تدري       إذا جن ليل هل تبيت الى الفجر

فكم من فتى أمسى وأصبح لاهيا   وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري  

ولما يفارق المرء الدنيا لا ينفعه الا العمل الصالح الذي لا ضرر فيه للعباد لذا قال رسول الله ( يتبع الميت ثلاثة : أهله وماله وعمله : فيرجع اثنان , ويبقى واحد , يرجع أهله وماله ويبقى عمله ) وقد قال الصحابي عبد الله بن الشخير : أتيت النبي وهو يقرأ ( ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر  ) (أي تفاخرتم  بجمع المال وكثرة الأولاد وانشغلتم عن عبادة الله حتى متم وصرتم في المقابر ) ثم قال رسول الله ( يقول ابن آدم مالي , مالي . وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت , أو لبست فأبليت , أو تصدقت فأبقيت ؟ ) قال تعالى ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور ) ولهذا كان رسول الله يحذر أصحابه من التكاثر الذي يفسد الحياة والعلاقات الاجتماعية بين العباد ويأتي تحذيره هذا حين رأى أن من أصحابه يرغب بشيء من الدنيا فعن عمرو بن عوف الأنصاري قال أن رسول الله بعث أبا عبيدة بن الجراح الى البحرين يأتي بأموال فقدم بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله فلما صلى رسول الله انصرف , فتعرضوا له , فتبسم رسول الله حين رآهم ثم قال ( أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ؟ ) فقالوا : أجل يا رسول الله , فقال ( أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم , ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ) لذا قال الامام الشافعي وما هي إلا جيفة مستحيلة    عليها كلاب همهن اجتذابها

فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها   وإن تجتذبها نازعتك كلابها 

ومن هذا المنطلق انشغل رسول الله عن دنيا الناس بآخرته وكان همه لقيمات يقمن صلبه وكساء يستر عورته وبيت يحميه من الكر والزمهرير وهو القائل ( ازهد في الدنيا يحبك الله , وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ) لذا تعددت الروايات التي تخبرنا بخبر رسول الله وهذه الدنيا التي لم ينافس احد عليها فعن عمر بن الخطاب قال ( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه ) وعن عائشة ( توفي رسول الله وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي ) وعن عمرو بنت الحارث قال ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارا , ولا درهما , ولا عبدا , ولا أمة , ولا شيئا إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه وأرضا جعلها لإبن السبيل صدقة ) وقد يفهم البعض بأنني أقول تخلوا عن دنياكم نهائيا واتركوا أمور حياتكم فمن فهم ذلك فهو جاهل بمهمته خلافة الأرض ولكن المراد بذلك أرض بما قسمه الله لك تكن اغنى الناس ولا تتفاخر بمال ولا بمنصب ولا بالأولاد ولكن اجعل الدنيا مزرعة للأخرة وبمعنى أوضح اجعل من أمور الدنيا وسيلة توصلك الى مرضاة الله قال تعالى ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *