هناك وسط مدينة "حيفا" شمال فلسطين، يوجد ذلك الحي السكني العريق المكتظ بالسكان العرب، يضم عدة شوارع وأزقّة ودرج تحيط بواد يحمل اسم "وادي النسناس".
تعرض الحي إلى قصف مدفعي مكثف أثناء حوادث عام النكبة، وقامت السلطات الإسرائيلية في عام 1948 بتجميع معظم السكان العرب المتبقين في حيفا في هذا الحي، ( بقي في حيفا من سكانها العرب حوالي 3000 نسمة من أصل 70000
وشهد الحي منذ ذاك العام تحولات في مبناه الاجتماعي والوظيفي، إلى أن أصبح من أبرز معالم المدينة ومن الأحياء التي شكلت المجتمع العربي الفلسطيني في حيفا ومنحته مميزات خاصةا
اسم ومعنى
وحول اسم هذا الحي وطبيعة ذلك، يقول المؤرخ الفلسطيني "جوني منصور": "اسم الحي نسبة لحيوان النسناس، وهذا الحيوان غير معروف، إلاّ أن قاموس المنجد يشير إلى أن النسناس دابة وهمية يزعمون أنّها على شكل إنسان، وشعبيا يعتبرها الناس نوع من القردة التي تتمتع بدرجة عالية من الخبث والدهاء".
ويمتد شارع الوادي (وادي النسناس) من ملتقى شارعي اللنبي والجبل، قرب مطعم اسكندر، وينتهي عند الدرج المؤدي إلى شارع شبتاي ليفي.
أمّا الشوارع المتفرعة منه والمحيطة به فهي الخوري، مار يوحنا، قيسارية، صهيون، حداد، الحريري، الفارابي، الطغرائي، الأصفهاني، الجبل (الصهيونية حاليا)، عسقلان(اشكلون حاليا)، رشبون، السلط، والراهبات(شارع 93 حاليا)، اللنبي(حتى رقم 32).
واقتطع جزء من الشارع بين رقمي 1 و 13 وجُعل اسمه شارع "شحادة شلح"، أما الآن فيسكنه العرب بنسبة تصل الى 100%، وعدد سكانه 10آلاف، وظروف السكن قاسية جدا، فمعظم البيوت أو 95% منها تم بنائها قبل عام 48، ويوجد في الحي مئات البيوت التي تتفرع إلى فئات.
إبداع برغم الفقر
وهناك بيوت تعود إلى القرن التاسع عشر، تسكنها عائلات فقيرة ظروفها الاجتماعية صعبة من حيث عدد الأولاد الكبير في العائلة، وضيق مساحة السكن وأوضاع المباني من الناحية العمرانية، وفي حارات معينة هناك مبان غير صالحة للسكن بسبب التصدعات في المباني أو الرطوبة العالية، ولعدم قدرة العائلة على شراء الشقق فإنها ما زالت تقيم فيها.
ويوضح المؤرخ جوني منصور أن أسباب فقر هذه العائلات التي تسكن الحي متعددة، منها أن يكون رب العائة يعمل في مهنة دخلها متدن لا يكف لسد حاجات العائلة الأساسية، أو لعدم توفر دعم بلدي وحكومي لتحسين ظروف سكن وعيش هذه العائلة، وكذلك كثرة الإنجاب في عائلات هذا الحي، فمعظم أولاد الحي دون سن 18 ولا يعملون فيقع العبء على رب العائلة.
وقد خرج من هذا الحي شعراء وكتاب ومفكرين، منهم الشاعر الشعبي نوح إبراهيم الذي كان يؤلف قصائده ويسجلها مغناة على اسطوانات ويبيعها، ويدخر الدخل الذي يعود منها للثورة الفلسطينية حيث أنه كان من القساميين، استشهد نوح في عام 1938، ومن قصائده المسجلة "عز الدين يا خسارتك رحت فدا لامتك"، وله أيضا قصيدة "دبرها يا مستر دل بلكي على أيدك تنحل"، وهي موجهة لنائب المندوب السامي.
وهناك أيضا الكاتب الفلسطيني أحمد دحبور الذي ولد عام 46 في واد النسناس، والكاتب حسن البحيري صاحب كتاب (حيفا في سواد العيون).
ومن الذين سكنوا الحي أيضا، لكن لم يولدوا فيه الشاعر محمود درويش، وكذلك سميح القاسم وصبري جريس، وكان في الحي مقر الحزب الشيوعي وجريدة الاتحاد، واميل حبيبي واميل توما وعلي عاشور وصليبا خميس وهم ينتمون للحزب الشيوعي.
وادي النسناس..يعتبر بحق هو تلك الذاكرة الحية لمن ولدوا في هذا الحي أو سكنوا فيه أو حتى زاروه.