“هذه قصتنا” عرض قصة الأحياء في مدينة حيفا،

مراسل حيفا نت | 31/10/2021

حي “بات غاليم” في حيفا – الحي على شاطئ البحر

أتابع معكم سلسلة التقارير ضمن “هذه قصتنا” وأواصل عرض قصة الأحياء في مدينة حيفا، حيث أعرض لكم في هذا المقال لمحة عن حي “بات غاليم” الذي يعتبر جزءً من حيفا القديمة، واستمرارًا لحي “العتيقة” أو المحطة، وقدنشرت عنه تقريرًا في العدد السابق.

تأسس الحي الحالي في منطقة بات غاليم عام 1920، إلا أن المكتشفات الأثرية التي عثر عليها تعود الى الفترة الفارسية، قرابة القرن الخامس قبل الميلاد. ويمتاز الحي بكونه مبنيًا على شاطئ البحر وبالقرب من الطريق الرئيسي الواصل شمال البلاد بجنوبها، لذا نجد جزءًمن منازله قريبة جدا من مياه البحر وعلى الشاطئ مباشرة.

بداية الأبحاث الأثرية:

تلقينا معلومات أولية عن آثار الحي من التقارير التي وثّقت في سنوات الخمسينات من القرن العشرين، آثار مبانٍ وأرضيات فسيفساء في المنطقة القريبة من المركز الطبّي رمبام. لاحقا قامت الجمعية للمسح الأثري بين الأعوام 1965 – 1966، بمسح المنطقة دوّنت فيه ما أمكن مشاهدته وتوثيقه على سطح الأرض. أما التنقيبات الأثرية فبدأت عام 1998 كانت غالبيتها حفريات إنقاذ،قامت بها سلطة الآثار قبيل البدء بأعمال التطوير والبناءهناك.

 وصلتنا معلومات عن الفترات التاريخية من الرحالة والباحثين الذين وثّقوا ما شاهدوه خلال زيارتهم لحيفا التاريخية، نذكر منهم الرحالة فيكتور جيرين، والمسح الذي أجرته الجمعية لمسح فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني. يجدر بالذكر ان بعض الدراسات المعمارية أجريت خلال السنوات الأخيرة، والتي تهدف إلى صيانة المباني التاريخية.

المكتشفات الأثرية ونتائج الأبحاث

تمّ توثيق بعض المواقع في أنحاء الحي، خلال المسح الأثري عام 1965 – 1966، وشمل مكتشفات تشير إلى وجود استيطان في عهود قديمة، من بينها: أدوات فخّار أشارت إلى الاستيطان خلال الفترة الرومانية (في المنطقة المعروفة بأيامنا خلف محطة الوقود باز)، كما تمّ توثيق بعض المكتشفات في مستشفى رمبام، وأقدمها تعود للفترة الفارسية (القرن 5 ق.م.) ثم الفترة البيزنطية (القرن السابع ميلادي). أما في منطقة الشاطئ (ما وراء مستشفى رمبام) جرى توثيق مسطّحات منحوتة في الصخر. من المحتمل أنها استعملت خلال الفترة الرومانية لصناعة الملح. كما شمل التوثيق خلال هذا المسح عددًا من المباني التاريخية التي بنيت في العام 1920 ولا زالت آثارها بارزة حتى أيامنا.

إن الحفريات الأثرية التي جرت في الحي، تمحورت في منطقة مستشفى رمبام، ذلك بسبب أعمال التطوير والبناء المكثّفة عام 1998. وقد جرت الحفريات في المنطقة المعروفة اليوم بالمركز التجاري بالقرب من غرفة الطوارئ، وكشفت عن آثار مبانٍ وأحواض لدباغة الجلد يعود تاريخها إلى الفترة البيزنطية، كما ظهرت قنوات مياه تاريخها الفترة الإسلامية المبكّرة (القرن 8 ميلادي).

أجريت عام 2006 حفريات إضافية (حيث يتواجد في أيامنا مشفى الأولاد وموقف السيارات تحت الأرض)، وعثر فيها على بقايا منازل تاريخها الفترة البيزنطية (القرن 5 – 7 ميلادي). كما عثر على حجر من الصوان تاريخه العصر الحجري الأخير قرابة 9000 عام قبل أيامنا. أهمية تلك الحفريات أنها أبرزت الحدّ الجنوبي لمنطقة حيفا الأثرية في العهود القديمة. ولم نعثر بعد على دلائل تشير إلى احتمال وجود استيطان من العصور الحجرية.

اما الحفريات من العام 2008، (التي تركّزت في منطقة غرفة الطوارئ تهيئة لترميمها) فكشفت عن أرضيات فسيفساء مزخرفة بالأشكال الهندسية الملوّنة، من المحتمل أنها جزء من أرضيات دير أو كنيسة. وعثر على أرضيات فسيفساء مشابهة، في الكنائس في مواقع أثرية مثل قصر العاشق وسحماتا. عثر على جرن المعمودية المنحوت من الحجر الكلسي، وهو دلالة على أن الأرضيات تابعة لكنيسة كانت قائمة في الموقع. وأفادتنا أدوات الفخار من تحت أرضية الكنيسة لتحديد تاريخها إلى الفترة الفارسية (القرن الخامس ق.م).

يبدو أن الموقع حظي بأهمية دينية، إذ بُني في العصر الحديث ديران في الموقع، لا زالا بارزين في مدخلمستشفى رمبام. وفقًا لنتائج البحث الأثري فقد هدم الموقع نهائيا خلال الاحتلال الفارسي الساساني عام 614 ميلادي.

بعض المراكز والمباني في الحي:

إن تسليط الضوء على المواقع الأثرية ونتائج الأبحاث في هذا التقرير، جاء رغم وجود العديد من المباني التاريخية في الحي. ونشر عن مواد متنوعة لتلك المباني، وسوف أعرض لمحة موجزة على أبرزها:

1. منازل الحي: عام 1920 بدأ بناء الحي من جديد،وقد بنيت المنازل الأولى من الحجر الرملي (المعروف بحجر الكركار)، وتم توثيق بعض تلك المنازل أو ما بقي منها أثناء المسح الأثري عام 1965. وبنيت المنازل خلال سنوات الثلاثين من القرن العشرين من الحجر الكلسي واستعمل الإسمنت للأسطح فقط.
2. بيت او منزل “ إسكندنافيا”: منزل سكني بني عام 1923، لعائلة “كارسنتي“، إلا أنه تحوّل في فترة معينة إلى نزل سكنه القادمون من دول إسكندنافيا ومن هنا اسمه المعاصر.
3. دير الزورة: وهو دير لراهبات الكرمليت يتقع في مدخل مستشفى رمبام، بني عام 1894 بيد راهبات قادمات من فرنسا. استعمل المستشفى أثناء الفترة العثمانية، بعد أن طرد العثمانيون الراهبات من الدير. لكن الراهبات عدن إلى المبنى وبقين فيه حتى العام 1936 حينها انتقلن الى الدير في حي الكرمل الفرنسي.
4. دير مار يوسف: يقع هذا الدير في مدخل المستشفى، وقد بني بين السنوات 1912 – 1914. حاليا يستعمله مستشفى رمبام جزء من مكاتبه الإدارية.
5. الطاحونة: بنى التمبلاريون مبنى الطاحونة الهوائية عام 1874 وتعتبر أقدم مبنى للتمبلاريين في حي بات غاليم. وقد عملت الطاحونة بقوة البخار.
6. مبنى الكازينو: استعمل هذا المبنى خلال سنوات الثلاثينات للترفيه عن السكان المحليين، إلا ان المبنى الأصلي هدم وأقيم مكانه المبنى الحالي، هو من الأسمنت، بعد فترة لاحقة وشمل حوضا للسباحة وقاعة للحفلات.

تنطوي المكتشفات الأثرية التي عرضت في هذا التقرير على أهمية كبرى، إذ تسهم في تحديد الحدّ الجنوبي لمدينة حيفا، خلال الفترات الرومانية والبيزنطية. وفي الحي مواقع ومبان تاريخية لم أسلّط الضوء عليها لأن هذا التقرير يُعنى بالمواقع الأثرية، كما أن غالبية المباني التاريخية قد نشرت من قبل في وسائل الإعلام المختلفة، عن طريق عدة مقالات. من هنا رأيت أن أبرز ما هو تحت الأرض وغير ظاهر للعين، وأشرت فقط الى بعض المباني التاريخية الهامة.  


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *