شَخصيّة الإنسان الهامشي
رشدي الماضي
سول بيللو (2005-1915) كاتب أمريكي، حاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1976, ويذهب عدد من الدَّارسين أَنَهُ منذ اصداره روايتَهُ “مغامرات اوغي مارتش” 1953, أصْبح النَّاطق الأبرز باسم الواقعيّة الامريكيَّة بعد وليام فوكنر، حيث نجح الإثنان في رسم صورة حيَّة نابضة للحياة الامريكيّة المتأزّمة.
استقرت عائلة مبدعنا، بعد أن قطعت الحدود بين كندا وأمريكا في مدينة شيكاغو وهو لم يزل رضيعاً، وقد أصبحت لاحقاً مسرحا لرواياتهِ…
يرى بيللو، وهو يهوديّ الأصل، أنّ على الكاتب الحقيقي في هذا الزّمان أن ينفذ إلى أعماق الإنسان المعاصر حين يرسم شخصيّاتهِ، ويصوّر الخفايا النَّفسيّة القابعة فيها…
لذلك تمحورت رواياتهُ ومسرحيّاته ومقالاته حول معالجة تمزّقات الحياة الغربيّة المعاصرة، والاضطراب والضيّاع والشُّعور بعدم الرّاحة التي يُحِسُّ بها الإنسان الحديث:
وقد شدَّد بيللو في هذا الصَّدد على شروط الكرامة الإنسانيّة ضِدّ الماديّة الرَّاهنة التي تحطُّ من شعور الفرد بإنسانيّتهِ…
قاد هذا الموقف كاتبنا بيللو أن يجعل الشَّخصيّة الرّئيسة في أَعمالِهِ هي شخصيّة الإنسان الهامشي الذي يُحِسُّ باغترابهِ عن العالم، وبكَوْنِهِ عالقاً بين أَلَمَيْنِ؛ النَّقص الفعلي في شخصيّتهِ والنّقص الذي يسبغهُ عليه المجتمع…
فاضطرَّ أنْ يجعل شخصيّاتهِ تتمتَّع بالذّكاء الميتافيزيقيّ، والقُدْرة الخارقة على الّلعب بالكلمات… لكنّها في ذات الوقت تشعر بالنَّعاسة المُرْعبة التي تشدّها من كلّ جانب، ونلمس هذا مُتجَسِّداً في أبطالهِ… مارتش، وهندرسون وهيرتزوغ، حيث جاء كلُّ بطل منهم خَشِنَ الطَّبْع، ويتصرَّفُ في العادة بفظاظة صادمة…
وهنا، يذهب نُقَّادُهُ أَنّ شخصيّات مبدعنا التي يحتشد بها عَمَلُهُ هي مرايا ينعكسُ فيها شخْصُهُ وشخصيّتُهُ، وكذلك تربيتهُ اليهوديّة في شيكاغو، حيث كانت هناك تتقاطع حياتُهُ مع فَنِّهِ بصورة واضحة لا تُخْطِئُها العَيْنُ الرّائيّة…
انعكس هذا واضحاً في قول النَّاقد الأمريكي إِرفنغ هاو حين سجّل: “اسلوب بيللو هو مزيج من التَّبجّح الثَّقافي ولغة الشّارع اليوميّة التي تبرز أُصول الكاتب وتربيتهِ اليهوديّة”.
وأضاف آخرون من دارسيهِ، أَنَّ بيللو ماهر في تصوير السَّخصيّات، وقد كان يستمد من حياتِهِ قِطعاً من واقع الفوضى، قِطعاً لازمَتْهُ طوال عمرهِ بعد خمس زيجات جعلت حتّى علاقَتَهُ بابنائهِ غير سعيدة وموفّقة…