اخلاقنا في زمن الفتن بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 08/10/2021

اخلاقنا في زمن الفتن

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

لست من المتشائمين ولكنني من الحائرين الذين شغلتهم أحوال أبناء مجتمعهم ومع ذلك  لم أقنت من رحمة الله لذا أوجه خطابي الى أبناء مجتمعنا وأنا أحمل لهم كل مشاعر المودة والرحمة وأذكرهم  لأن (الذكرى تنفع المؤمنين) وأبدأ بجزء من حديث رسول الله الذي رواه أبو موسى الأشعري قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن بين يدي الساعة لهرجا ) قلت يا رسول الله : ما الهرج ؟ قال ( القتل ). فاستغرب الصحابة من ذلك وتساءلوا فقال الرسول ( ليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضا . حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته )  فقال بعض القوم يا رسول الله : ومعنا عقولنا ذلك اليوم ؟ فقال رسول الله (لا ) تنزع عقول أكثر ذلك الزمان , ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم ) ومعنى ذلك أن من يشارك في هذا الصراع ستتحكم فيه أهواء نفسه  حتى تسكت نداء العقل ليحل مكانه البطش والظلم والقتل , وها نحن نعيش جو الفوضى العارمة التي تجتاح مجتمعنا العربي لذا علينا أن نذكر بعضنا البعض بضرورة حفظ القيم والأخلاق الحسنة التي تجعلنا كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالحمى والسهر , ولكن اذا جهلنا الدور المنوط بنا وتنازلنا عن اخوتنا الإنسانية فإن ذلك سيكون نذير الخطر الذي سيحرق الأخضر واليابس كما يقولون . لذا قال الشاعر :

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت       فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وغاية بعث الرسل جميعا الأولى هي إيصال البشرية الى اعلى مراتب الرفعة والعزة والتي لا تكون الا بالخلق الحسن الذي يحفظ أموال الناس وأعراضهم ودمائهم لذا قال رسول الله  ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده , والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ) وهذا الحديث يؤكد ضرورة حفظ اللسان واليد بداية لأن اللسان كالسيف اما أن ينفع بقول الكلمة الطيبة وإما أن يقطع بالكلمة الخبيثة التي تؤثر في القلب الذي تستجيب له باقي الأعضاء  فإن استعمل اللسان بالخير استجابت له باقي الأعضاء بالخير وان استعمل بالشر استجابت له باقي الأعضاء بالشر لذا نجد أن جل حالات القتل  والعنف سبقها تعد باللسان ثم باليد , وحتى نرتقي الى المستوى الذي يليق بإنسانيتنا علينا أن نوفر لمن حولنا الأمان الذي يحفظ لهم أموالهم وأعراضهم وأنفسهم لسان حالنا ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما تصفون ) وبمعنى أوضح المؤمن الحق لا يخوض مع الخائضين بل حاله اذا اعتدي عليه لا يرد السيئة بمثلها  لأنه يرى بنفسه أنه انسان عزيز على الله فلا يريد من أحدهم أن ينزله من منزلته التي أنزله الله إياها . واذا أردنا أن نحدد أسباب الفتن في هذا الزمان نقول هذا ما جنته أيدينا والسنتنا وجوارحنا , فما من إشاعة تصدر الا ونتناقلها فنطبل لها ونزمر , والعاقل لا يفعل ذلك أبدا حتى ولو كانت حقيقة بل يستر عورات الناس والاشاعات الباطلة ويدعو الى الخير والمحبة والرحمة بين العباد وما ندركه من هذا الحال أن الله سينزل علينا عذابا يناسب الظلم الذي ينزله الناس ببعضهم البعض وكل منهم يقول : أنا الأعز الأكرم , تماما كما فعل بالأمم السابقة مثال ذلك  قوم عاد تكبروا وتجبروا فأهلكهم الله قال تعالى ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض  بغير حق  وقالوا من أشد منا قوة , أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون )  فكانت نتيجة تكبرهم ( فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ) لا ينصرون لأن أخلاقهم ساءت  فكان مصيرهم العذاب وهذا العذاب لا ينزل على كل طاغية فحسب بل ينزل على نصيره ومسانده في طغيانه بحجة أن هذا ابن عائلتي أو ابن بلدي أو أنا تابع له ومن أنصاره فهل سينفعه ذلك شيئا ؟ والجواب عليه يأتي من القرآن الكريم الذي يصف لنا حال المستضعفين والطغاة قال تعالى ( وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا انا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا  من النار * قال الذين استكبروا انا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ) فلا الطاغية ينجو ولا التابع ينجو لذا ندعوا الجميع للاستقلال في اتخاذ القرار الصواب الذي ينقذ فيه المرء نفسه من الخزي في الحياة الدنيا والآخرة  فهؤلاء أصحاب الظلم يفرضون على اتباعهم وهم كثر سلوكيات وعادات لا تمت الى مجتمعنا بصلة لا من الناحية التاريخية ولا من موروثنا الثقافي الذي تعاهده الآباء والأجداد حيث كان الأجداد  اذا اشتكى احدهم تدعى له الباقي بالحمى والسهر على مختلف انتماءاتهم فلا لون يفرقهم ولا دين يشتت شملهم ولا مركز اجتماعي يحول دون الوصول الى ادناهم , فأخلاق بعض شبابنا اليوم مزقت هذا النسيج فسال الدم من عروق شبابنا وبناتنا بغير مبرر ولا يمكن لهذا الشلال أن يجف الا بتوبة صادقة ومراجعة اخلاقنا وحملها على الطريق المستقيم لنتحول جميعا الى سببا في نشر الأمن والأمان بين العباد وفي ذلك نظهر بالمظهر الراقي الذي يحفظ لنا انسانيتنا والله يدعونا ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) فما نراه في مجتمعنا لم يقبل به اجدادنا حتى في ساحات الحرب لذا اختم بما جاء عن الخليفة أبو بكر الصديق انه لما بعث جيش اسامة بن زيد الى بلاد الشام اوصاه بما يلي ( لا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا وتحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعير إلا لمأكله وسوف تمرون بأقوام فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ) هذه اخلاقهم في الحرب وقد يعز علينا أن لا نرى مثلها في حال السلم بسبب تصرف بعض شبابنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *