عاشَتْ في حَوْضِ أَسْماكٍ صَغيرٍ أَرْبَعُ أَسْماكٍ ;
ثَلاثٌ مِنْها ذَهَبِيَّةُ اللَّوْنِ، وَوَاحِدَةٌ رَمَادِيَّةٌ مُنَقَّطَةٌ.
كانَتْ الأَسْماكُ الأَرْبَعُ تَنامُ في بَيْتٍ حَجَرِيٍّ في إِحْدى زَوايا الْحَوْضِ. وَفي كُلِّ صَباحٍ، كَانَتْ تَخْرُجُ لِتَسْبَحَ في مِياهِ الْحَوْضِ الزّاهِيَةِ، تَلْهو مَسْرورَةً، وَتَدورُ حَوْلَ فُقاعاتِ الْهَواءِ الْمُتَصاعِدَةِ مِنْ دولابٍ مُلَوَّنٍ يَدورُ وَيَدورُ لَيْلَ نَهارَ.
كانَتِ الأَسْماكُ الذَّهَبِيَّةُ تَقْضي نَهارَها وَهِيَ تَتَباهى بِأَلْوانِها الْجَميلَةِ أَمامَ عُيونِ الأَطفالِ الّذينَ يَمُرّونَ قُرْبَ الْحَوْضِ الْمَوْضوعِ في أَحَدِ الْمَحال التِّجارِيَّةِ، وَفي الْمَساءِ كانَتْ تَعودُ لِلنَّوْمِ.
أَمّا السَّمَكَةُ الرَّمادِيَّةُ الْمُنَقَّطَةُ، فَكانَتْ تَهْتَمُّ قَبْلَ النَّوْمِ بِتَنْظيفِ الْحَوْضِ مِنَ الأَوْساخِ وَبِتَلْميعِ الْواجِهاتِ الزُّجاجِيَّةِ.
وَفي الْصَباحِ كانَتْ تُكَرِّرُ تَنْظيفَ الْحَوضِ، ثُمَّ تَنْضَمُّ لِلسِّباحَةِ مَعَ الأَسْماكِ الذَّهَبِيَّةِ الّتي كانَتْ تَسْخَرُ مِنْها وَلا تَكْتَرِثُ إِلاّ بِالسِّباحَةِ وَالرَّقْصِ في مِياهِ الْحَوْضِ الْعَذْبَةِ النَّظيفَةِ.
ذاتَ يَوْمٍ قَرَّرَتِ الأَسْماكُ الذَّهَبِيَّةُ الْمَغْرورَةُ أًلاّ تُشْرِكَ السَّمَكَةَ الرَّمادِيَّةَ بِالسِّباحَةِ مَعَها. تَوجَّهَتِ الأَسْماكُ الثَّلاثُ إِلى السَّمَكَةِ الرَّمادِيَّةِ وَهِيَ مَنْهَمِكَةٌ في تَنْظيفِ زُجاجِ الحَوْضِ، قائِلَةً: إِبْتِداءً مِنَ اليَوْمَِ، لا نُريدُكِ أَنْ تَسْبَحي مَعَنا، لأَنَّكِ لَسْتِ جَميلَةً وَأَلْوانُكِ غَيْرُ زاهِيَةٍ، وَأَنْتِ مَليئَةٌ بِالأَوْساخِ الّتي تَعْلَقُ بِكِ دائِمًا، نَحْنُ لا نُريدُكِ مَعَنا.
حَزِنَتِ السَّمَكَةُ الرَمادِيَّةُ كَثيراً، وَسَبَحَتْ نَحْوَ الْبَيْتِ، وَمَكَثَتْ فيهِ.
وَهكَذا بَقِيَتِ السَّمَكَةُ الرَّمادِيَّةُ في البَيْتِ، لا تَخْرُجُ لِلسِّباحَةِ وَلا لِتَنْظيفِ الْحَوْضِ، بَيْنَما كَانَتِ الأَسْماكُ الذَّهَبِيَّةُ تَمْرَحُ وَتَسْبَحُ طَوالَ النَّهارِ.
وَمَعَ مُرورِ الأَيامِ لاحَظَتِ الأَسْماكُ الذَّهَبِيَّةُ أَنَّ الأَطْفالَ لا يَنْظُرونَ إِلَيْها بِاهْتِمامٍ، لكِنَّها اسْتَمَرَّتْ في السَّباحَةِ وَالرَّقْصِ، لَعَلَّ أَحَدًا يَهْتَمُّ بِها…
أَدْرَكَتِ الأَسْماكُ الثَّلاثُ أَنَّ ظُهورِها في الْحَوْضِ لَمْ يَعُدْ يَلْفِتُ الانْتِباهَ، وَوَجَدَتْ أَنَّ المِياهَ لَمْ تَعُدْ عَذْبَةً، وَأَنَّ الأَوْساخَ قَدْ تَراكَمَتْ فَوْقَ الحِجارَةِ الْمُلَوَّنَةِ وَعَلَى زُجاجِ الْحَوْضِ. حَزِنَتِ الأَسْماكُ الثَّلاثُ كَثيراً، وَصارَتْ تَدورُ وَتَدورُ أَمامَ الأَطْفالِ كَيْ تَلْفِتَ انْتِباهَهُمْ، وَلكِنْ دونَ فائِدَةٍ.
حاوَلَتِ الأَسْماكُ الذَّهَبِيَّةُ تَنْظيفَ الْحَوْضِ مِنَ الأَوْساخِ، لكِنَّها لَمْ تَنْجَحْ. تَوَجَّهَتِ الأَسْماكُ الثَّلاثُ إِلى السَّمَكَةِ الرَّمادِيَّةِ المُنَقَّطَةِ في الْبَيْتِ، وَطَلَبَتْ مُساعَدَتَها.
اِعْتَذَرَتِ الأَسْماكُ الذَّهَبِيَّةُ الثَّلاثُ مِنَ السَّمكَةِ الرَّمادِيَّةِ الْمُنَقَّطَةِ بَعْدَ أَنْ فَهِمَتْ دَوْرَها.
سامَحَتِ السَّمَكَةُ الرَّمادِيَّةُ صَديقاتِها الثَّلاثَ، وِتَعاوَنَتْ مَعَها في تَنْظيفِ الْحَوْضِ، وَأَخَذَتْ تَسبَحُ مَعَها في المِياهِ الْعَذْبةِ كُلَّ يومٍ.
سلسلة((براعم الزيتون))/ أدب أطفال
تأليف: جودت عيد
رسم: لؤي دوخي
الناشر: ((مكتبة كل شيء))