تحتجز إسرائيل آلاف الفلسطينيين الأحياء والأموات، حيث تواصل حتى الآن اعتقال ما يقارب سبعة آلاف فلسطيني في السجون فيما تواصل كذلك احتجاز مئات جثث القتلى الفلسطينيين والعرب في مقابر جماعية أطلقت عليها اسم "مقابر الأرقام".
وقال سالم خلة، منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثث القتلى التي تحتجزها إسرائيل في تصريح خاص: "إن الحملة وصلت على أعتاب مرحلة جديدة شكلت دفعة قوية للقائمين عليها ولذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم حيث يتم العمل الآن على تدويل هذه القضية نظرا لأهميتها".
وأضاف: "نسعى لتوليد جبهة دولية ضاغطة على إسرائيل من خلال فضح سياساتها وإجراءاتها المتمثلة في اضطهاد الإنسان الفلسطيني حيا وميتا خاصة المتمثلة في احتجاز جثامين الشهداء في أقسى وأسوأ الظروف مخالفة بذلك القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف وذلك لاسترداد هذه الجثامين".
وأكد خلة، أن إسرائيل تمارس كذلك عقابا جماعيا بحق ذوويهم حيث تحول دون حصولهم على أبسط حقوقهم بعد استشهاد أبنائهم والمتمثلة بتشييعهم ودفنهم وفق معتقداتهم الدينية.
وأشار إلى أن الحملة ومن خلال جامعة الدول العربية حققت نجاحا ملموسا على هذا الصعيد حيث تبنت الأمانة العامة للجامعة العام الماضي الحملة الوطنية لاسترداد جثامين القتلى وأهدافها وشرعت من خلال مؤسساتها المختلفة بعرض هذه القضية على المستوي الدولي.
وقال منسق الحملة الوطنية: "تمثل نجاح الحملة عربيا من خلال تبني مجلس وزراء العدل العرب هذه القضية حيث قام بعقد ندوة دولية بمشاركة خبراء قانونيين وعرب تقرر خلالها عرض هذه القضية على مجلس حقوق الإنسان وفي الأمم المتحدة ومنظماتها الإقليمية والدولية لمساءلة إسرائيل عن هذه الجريمة ومطالبتها بوقفها ومحاسبة مرتكبيها".
ولفت إلى أن هذا الحراك تم بالتنسيق والتعاون مع وزارتي العدل والخارجية الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني ووزارة شؤون الأسرى ومؤسسات عربية ودولية كما شاركت الحملة بسلسلة من الندوات والمؤتمرات الدولية المتعلقة بهذا الخصوص سعيا للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والجثامين المحتجزة.
وبين أنه ونتيجة هذا الحراك تقرر أن يكون السابع والعشرين من شهر آب يوما عربيا ودوليا لمناصرة ذوي الضحايا من أسر القتلى المحتجزة جثامينهم دعما لحقهم في استرداد جثامين أبنائهم لتشييعهم ودفنهم وفق التقاليد الدينية بما يضمن كرامتهم الإنسانية.
وذكر خلة، أن هناك متابعات قانونية مستمرة يجريها مركز القدس للمساعدة القانونية لحقوق الإنسان وتتمثل بمتابعة القضايا عبر محكمة العدل العليا الإسرائيلية حيث تم تحقيق نجاحات من بينها استرداد جثمان أحد القتلى وهو مشهور العاروري من منطقة رام الله، لافتا في الوقت ذاته أن الحملة كانت على موعد في هذه الفترة في استرداد جثمان الشهيد حافظ أبو زنط من مدينة نابلس إلا أن فحص الحمض النووي "الدي أن إي" لم تكن متطابقة مع ذويه.
وقال منسق الحملة: "إن عدم تطابق فحص الحامض النووي ناتجة عن اقتراب عظام الشهداء من بعضها لأن إسرائيل تقوم بدفن الجثامين في مقابر متلاصقة وغير عميقة بما يكفي الأمر الذي يجعلها عرضة للعوامل الجوية وعوامل الطبيعة فتختلط هذه العظام، معربا عن أمله في استرداد جثامين أخرى قريبا".
يذكر أنه وحسب منسق الحملة فإن "مقابر الأرقام" تنكشف بفعل العوامل الطبيعية من أمطار ورياح وتختلط عظام الموتى مع بعضها البعض.
وأوضح أنه وعندما تم إجراء فحص الحمض النووي للشهيد "العاروري" فإن النتيجة في المرة الأولى جاءت سلبية، لاختلاط عظامه بعظام آخرين، منوها إلى أن هذا المشهد تكرر مع الشهيد "حافظ أبو زنط" من نابلس الذي احتجزت السلطات الإسرائيلية جثمانه 35 عاماً، وتبين أن عظامه مختلطة بعظام شهيد آخر.
وكانت قد تكررت هذه القضية خلال صفقة حزب الله اللبناني، حيث أظهرت نتائج فحص الحمض النووي لحوالي 200 شهيد، أن العظام ليست لأصحابها الأصليين".
وحول التعاون الإسرائيلي مع الحملة: قال خلة: "إن إسرائيل لا تظهر تعاونا وتحاول إخفاء المعلومات ومن بين الحالات جثمان الشهيد أنيس دولة الذي استشهد عام 1980 بعد أطول إضراب عن الطعام في سجون الاحتلال حيث كان معتقلا منذ العام 1968 حيث أنكرت إسرائيل آنذاك معرفتها عن مصير جثمانه".
وأضاف: "أن الحملة أصرت على متابعة هذه القضية وتبين لها لاحقا وجود ملف للشهيد في معهد أبو كبير للتشريح في القدس، الأمر الذي عزز من متابعتها لملف جثمان الشهيد حاليا".
"لنا أسماء لنا وطن"
وفيما يتعلق بالأرقام والإحصاءات قال خلة: "لقد قطعنا أكثر من نصف الطريق على هذا الدرب في توثيق الحالات حيث بلغ عدد الحالات التي جرى توثيقها حتى الآن 334 حالة من بينهم سبع شهيدات، معظمهم تقيم عائلاتهم في الأراضي الفلسطينية وتم توثيقها وفق استمارات خاصة ونشرت في كتاب "لنا أسماء لنا وطن" ونشرت على موقع الحملة على الإنترنت".
وبين رفض الحملة لاعتبار القتلى الفلسطينيين مجرد أرقام وإنما شدد على كونهم أناس مناضلون من أجل الحرية ينبغي رد الاعتبار لكرامتهم الإنسانية.
وحول النصف الآخر من المشوار أكد منسق الحملة أن الحالات التي لم توثق بعد هي لقتلى فلسطينيين وعرب ممن تقيم عائلاتهم خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، منوها إلى أن العمل متواصل مع الأشقاء العرب لمتابعة هذا الملف.
وفيما يتعلق بأوجه الانتهاكات الإسرائيلية بهذا الخصوص، قال خلة: "إن هذا العمل غير مسبوق في العصر الراهن حيث لا توجد دولة تحاكم الإنسان حتى بعد موته وتصر على قضاء محكوميته التي أطلقتها عليه أثناء حياته ليقضيها في مماته في أسوأ الظروف وأغربها حيث تحتجز إسرائيل الجثامين في ما يسمى "مقابر الأرقام" لا يزيد عمق القبر الواحد عن 50 سنتيمتر وهي متلاصقة وفيها إساءة للموتى".
وأضاف: "بذلك يوجد مخالفات واضحة لنصوص القانون الدولي الإنساني ولاتفاقيات جنيف خاصة ما جاء في المادة 15 و17 من اتفاقية جنيف الأولى وما جاء في المادة 120 من اتفاقية جنيف الثالثة وما جاء في المادة 130 من اتفاقية جنيف الرابعة وما جاء في البروتوكولين الملحقين وما نص عليه القانون الدولي الإنساني والقانون العرفي الدولي الذي يلزم دولة الاحتلال باحترام جثامين الشهداء والموتى وإعادة الجثامين لذويها فور انتهاء الأعمال الحربية".
وأوضح أن ما تقوم به إسرائيل يمثل عقابا جماعيا لذوي الضحايا، لافتا إلى ضرورة الانتباه إلى عذابات الأهالي لما يزيد عن أربعين عاما حيث بات الآن أحفاد ينتظرون استرداد هذه الجثامين، مؤكدا أن المتابعات مستمرة ومتواصلة على الصعيد الدولي بالتعاون مع المؤسسات الوطنية والدولية لاسترداد الجثامين.
مشروع مقابر الأرقام
ومنذ انطلاق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين القتلى لاقى هذا الموضوع ترحيبا واسعا وكان محط اهتمام الكثيرين خاصة وسائل الإعلام وحظي باهتمام متزايد وقامت مجموعة من الطالبات بمدرسة سمير سعد الدين في مدينة نابلس وهن سمر جمعة، وآلاء داوود، وجنا سعدات، ورغد الوادي من طالبات الصف الأول ثانوي بإجراء بحث في هذا السياق.
وقدم هذا المشروع ضمن نشاط مدرسي ليحكم لاحقا ضمن مسابقة على مستوى فلسطين وكان المشروع الأول وتبنته وزارة التربية والتعليم.
وبحسب الطالبات ولجنة التحكيم فقد تميز المشروع بطرح قضية كانت على أبواب النسيان وهي قضية مقابر الأرقام حيث تم طرح الانتهاكات الإسرائيلية المتمثلة باحتجاز جثامين القتلى في مقابر وثلاجات ومعاقبتهم وحرمان ذويهم من دفنهم في أرضهم حسب الأعراف الدينية من جانب، وقصور دور القانون الدولي في الحد من هذا النوع من الانتهاك.
كما كان هذا المشروع انوذجا رائعا لتسليط الضوء على عدم اهتمام إسرائيل بالقوانين والمواثيق الدولية والاتفاقيات التي تم إبرامها في اتفاقية جنيف الأولى والثانية والثالثة والرابعة.
وتضمن هذا المشروع القيام بجولات ميدانية والالتقاء بعدد من ذوي القتلى المحتجزة جثامينهم وتضمن تنفيذهن لمسرحية تحدثت عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في المحاكم الإسرائيلية بإشراف الكاتب والإعلامي عمر عفانة، وحظي هذا المشروع باهتمام مؤسساتي على الصعيد المحلي وتلقين على إثره العديد من الجوائز القيمة.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الجثامين تعود لقتلى ومناضلين دفعوا حياتهم ثمناً لحرية فلسطين، إما خلال معارك مع الجيش الإسرائيلي، أو لأولئك المناضلين الذين كانوا يعبرون الحدود من دول مختلفة واستشهدوا في الطريق.
ووفقا لقانونيين فإن إسرائيل كانت تتعامل مع الجثامين وفق قانون الطوارئ البريطاني لعام 1945 الذي كان يعطي الحرية للضابط الذي يخوض معركة ترك أو احتجاز الجثمان.
رئيس مركز القدس للمساعدة القانونية، المحامي "عصام العاروري"، قال في تصريح صحافي لوكالة قدس نت، مؤخرا: "إن إسرائيل تتعامل باستهتار شديد مع هذا الموضوع، موضحا أن القانون الذي يجب أن يطبق في هذه الحالة هو القانون الدولي الذي ينص على معاملة جثة الطرف الاخر باحترام".
وأضاف: "بناء على ذلك قضت المحاكم الإسرائيلية بوجوب إرجاع الجثامين، إلا أن القرار السياسي في اسرائيل يحول دون ذلك".
وأكد العاروري أن مركز القدس للمساعدة القانونية يعمل الآن في ثلاثة اتجاهات الأول يتمثل بتوثيق القضايا، والثاني يتمحور حول بالتوعية والتعبئة المحلية والدولية بهذا الملف، فيما يتعلق الاتجاه الثالث بالجانب القانوني حيث تمكن المركز من تحقيق بعض النجاحات على هذا الصعيد.
الأسرى الأحياء
أفادت معطيات وزارة شؤون الأسرى والمحررين التي حصلت "إيلاف" على نسخة منها فإن إسرائيل اعتقلت منذ عام 1967 وحتى الآن ما مجموعه ثمانمائة ألف فلسطيني من بينهم عشرة آلاف إمرأة وخمسة عشر ألف طفل.
وقال سامر سمارو، مدير وزارة شؤون الأسرى في نابلس في لقاء خاص مع "إيلاف": "إن إسرائيل اعتقلت خلال الانتفاضة الثانية ثمانية وسبعين ألف فلسطيني من بينهم تسعمائة وخمسين إمرأة وثمانية آلاف طفل".
وأضاف سمارو: "أن عدد الأسرى الذين تواصل إسرائيل احتجازهم يبلغ نحو ستة آلاف أسير وأسيرة يتوزعون على اثنين وعشرين سجنا حيث يوجد في السجون الإسرائيلية حالية 198 أسير إداري و240 طفل و970 أسير محكوم بمؤبد وأكثر".
وأشار إلى أن عدد الأسيرات القابعات في السجون الإسرائيلية حاليا يبلغ ستة وثلاثين أسيرة منهن خمس أسيرات محكومات أكثر من مؤبد هن آمنة منى، ودعاء الجيوسي، وسناء شحادة، وقاهرة السعدي، وأحلام التميمي.
ووفقا للمعطيات يوجد في الأسر أربعة أسرى وزوجاتهم وهم أحلام التميمي وزوجها نزار التميمي، ونيللي الصفدي وزوجها عبادة بلال، وإيمان غزاوي وزوجها شاهر عشة، وإيرينا سراحنة وزوجها إبراهيم سراحنة.
وبحسب مدير وزارة الأسرى، فإن عميد الأسرى الحاليين نائل البرغوثي دخل عامه الرابع والثالثين في الأسر، كما يوجد أربعة أسرى أمضوا في السجون أكثر من ثلاثين عاما، و18 أسير أمضوا أكثر من 25 عاما، ونحو 152 أسير أمضوا أكثر من عشرين عاما، لافتا إلى أن شيخ الأسرى وأكبرهم سنا سامي يونس يبلغ عمره حاليا 82 عاما.
وتبعا لوزارة شؤون الأسرى فإن مجموع الأسرى القابعين في السجون الإسرائيلية قبل اتفاقية أسلو بلغ 300 أسير، فيما بلغ عدد قتلى الحركة الأسيرة نحو 203 أقدمهم أنيس دولة.
وأكد سمارو، أن أكثر من أربعين أسيرا يعانون أمراضا خطيرة ومستعصية، لافتا إلى سياسة الإهمال الطبي في السجون الإسرائيلية الأمر الذي يضاعف باستمرار معاناة الأسرى إضافة إلى سياسة العزل والتفتيش العاري والرش بالغاز أثناء المداهمات وعمليات التفتيش والغرامات.
وذكر أن الأسرى يعانون جراء الممارسات الإسرائيلية بشكل مستمر ومتواصل خاصة جراء منع الزيارات لذويهم بحجج أمنية واهية حيث يمنع أهالي غزة منذ اكثر من خمس سنوات من زيارة أبنائهم داخل السجون، إضافة إلى التنقلات التعسفية للإسرى بين السجون.
وشدد سمارو على ضرورة بقاء هذه القضية على سلم الأولويات، لافتا إلى أن جهودا محلية ووطنية وعربية تستمر وتتواصل لتدويل القضية وفضح الانتهاكات الإسرائيلية وسعيا لتبييض السجون والمقابر التي تحتجز فيها جثامين القتلى.