دروس مستفادة من الهجرة بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 28/07/2021

دروس مستفادة من الهجرة

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

بعد ايام قلائل يهل علينا هلال عام هجري جديد  لنبدأ عام 1443 هجري وهذا يذكرنا بهجرة الرسول من مكة الى المدينة المنورة ولكن اختياري المبكر للكتابة بهذا الموضوع كان سببه ما نراه من مصائب ابتلي بها مجتمعنا وما زال وسيبقى يبتلى بها اذا لم  يكن هناك تغيير جذري في أسلوب التفكير والتعامل مع الواقع  من بعض أبناء هذا المجتمع الذي نحبه ونتمنى له الخير . وكما هو معلوم للجميع أنه لا يمر علينا يوم إلا ونفجع بحادث سير يحصد أرواح من فلذات أكبادنا أو يخلف جروحا وإعاقات ستبقى تلاحق أصحابها ما داموا على قيد الحياة وكذلك حالات غرق في البحر لا مبرر لها ولا معنى لها ولا تكون إلا لجهل من يرتادون البحر دون الأخذ بأسباب الوقاية من تعلم السباحة , والسباحة في الأماكن المسموح فيها والمجهزة لهذا الغرض مع وجود منقذ في المكان وناهيك عن حالات الدهس في ساحات البيوت لأطفال مثل الورد ولدوا لآباء وولدت معهم أحلام آبائهم ولكن في لحظة غفلة تتبددت تلك الأحلام وتولد مكانها الألم ولحسرة لمن دهس ابنه او حفيده في ساحة البيت ولن أخوض في طرق الوقاية من مثل هذه الأحداث المؤلمة ولكنني سأركز على ضرورة الأخذ بالأسباب للوقاية مستشهدا بحدث عظيم في تاريخ الأمة ألا وهو هجرة الرسول والتي تكررت فكانت هجرته الأولى إلى الطائف وهجرة أصحابه الى الحبشة  ثم هجرته من مكة إلى المدينة المنورة   ويكفي العاقل إدراكه بأن الهجرة المتكررة تعني العمل على الحماية للأفراد والمجتمع وحفظ الدين وفي ذلك يكون قد حافظ على مقاصد مهمة من الدين فمن يأخذ بالأسباب لحفظ نفسه أو غيره من الهلاك  ومن يعمل لحفظ ماله ودينه وعقله ونسبه من الضياع يكون قد أخذ بحماية مقاصد من مقاصد الدين لفمن أجل ذلك هاجر الرسول الى الطائف ليحمي رسالته ويحمي نفسه وطمعا في تبليغها لأناس قد يستقبلوها  ولكن أهل الطائف رجموه وأسالوا الدم من قدمه الشريفة ففوض أمره إلى الله وعاد الى مكة من جديد ولكن أصحابه جزء منهم  في الحبشة أيضا حفظا لأنفسهم ودينهم وحتى لا يقع الظلم عليهم وكل ذلك وهو صابر محتسب الأجر عند الله وهو يردد ( إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ) فالهجرة لا تعني الهروب ولكنها عنت الأخذ بالأسباب لحقيق غاية عظيمة ومقاصد مهمة بدونها ما كانت لتحفظ , ونقول لكل أب ومرب وصاحب مسئولية عليك بدراسة السيرة لتعلم كيف يجب الأخذ بالأسباب وكيف كمسئول عليك العمل على حفظ نفسك وأبنائك ومن يحيط بك من كل ضرر,  فمن السيرة نعلم أن بعد عودة رسول الله من الطائف قررت قريش التخلص منه بالقتل وكان الرسول مدرك لذلك لأن قريش كانت تخاف رسالته ودعوته من الانتشار ولا بد أن يعملوا للتخلص منه فكيف يعمل ؟ بداية يشير على من تبقى من أصحابه للهجرة الى يثرب  والتي سميت فيما بعد بالمدينة المنورة ويختار الرفيق للطريق فقد كان أبو بكر يرغب بالهجرة الى المدينة مع من هاجر إليها ولكن الرسول كان يمنعه من ذلك بحجة لعل الله يجعل لك رفيقا  ويبقى على استعداد حتى يأذن الله له بالهجرة فجاءه الخبر من السماء فيتجهز  التجهيز الكامل للهجرة بالأخذ بكل الأسباب المادية المتاحة والتي يهتدي إليها العقل البشري  بدأ باختيار الصديق المناسب  والذي  برز دوره في رحلة الهجرة بشكل لا مثيل له حيث جهز الراحلتين وجهز الطعام وجهز الدليل وجهز ابنه لنقل الإخبار في الليل وجهز ابنته أسماء لنقل الطعام ووفر الحماية لرسول الله  فكان يسير إمام رسول له ويتحول إلى خلفه فلما سأله الرسول عن سبب ذلك قال ( أخاف الرصد فأسير أمامك وأخاف الطلب فأسير خلفك ) ومن الأسباب التي اخذ بها تركه لعلي بن أبي طالب ليبيت في فراشه ويتغطى في برده حتى يعمي على اهل مكة فيظنون أن الرسول ما زال نائما وأيضا حتى يرد الأمانات التي كانت عنده لأهلها وإن كانوا من أعدائه  , كما وأنه استعان بأحد المشركين ليدله على الطريق المحايد لطريق المدينة المعتاد ويلجأ الى غار ثور وهو بالجهة المعاكسة لوجهة المدينة  وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على أن الإيمان بالله عز وجل لا ينافي استعمال الأسباب المادية التي قدرها رب العزة لتكون أسبابا لحفظ دينه ورسوله  وهذا لا يتنافى مع اليقين بالله انه صاحب الأمر وأنه على كل شيء قدير ودل على ذلك  قول رسول الله لأبي بكر حين تبعته قريش ووقفوا على باب الغار فخاف أبو بكر على رسول الله فقال الرسول لأبي بكر ( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) واختم وأقول عليكم بالأخذ بالأسباب التي أتاحها الله لكم فمن لا يعلم السباحة فلا يخاطر بنفسه وأبنائه , ومن يسوق السيارة فليتمهل ويأخذ بقواعد السلامة  ومن اعتاد أبنائه اللعب بساحة البيت فلا يدخلها بسيارته إلا إذا ضمن خلوها من الأطفال , ولنحتاط لسلامة الأبناء من الخطر الذي يمكن أن يتعرضون له في البيت من ماء ساخن أو بلع شيء يؤدي الى اختناقهم به  أو أن يسقط أحدهم من علو كما ينبغي استعمال التقنيات الحديثة حتى لا تنسوا أبنائكم في السيارة    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *