العدد العاشر من مجلة جدل الالكترونية "في هذا الوقت، فإن الحاجة ماسّة إلى فكر جديد للخروج ببدائل للتقسيم الذي لا يمكنه توفير حل عادل وكريم لجميع الفلسطينيّين ولجميع اليهود الإسرائيليّين. الإسرائيليّون والفلسطينيّون بحاجة إلى التفكير الشامل حول الرؤى التي تتجاوز التقسيم"
رغم مرور أكثر من ستة عقود على قرار تقسيم فلسطين التاريخية الذي أنتج النكبة وتسبب بتقطيع أوصال الوطن وتشريد وتشتيت الشعب الفلسطيني، ما زالت أطراف الصراع تطرح الحلول المبنية على التقسيم. في هذا السياق أصدر مدى الكرمل، المركز العربي للدارسات الاجتماعية التطبيقية، العدد الحالي (العاشر) من مجلة "جدل" الالكترونية تحت عنوان "إعادة التفكير في تقسيم فلسطين".
جاء في كلمة العدد أنه "في هذا الوقت، فإن الحاجة ماسّة إلى فكر جديد للخروج ببدائل للتقسيم الذي لا يمكنه توفير حل عادل وكريم لجميع الفلسطينيّين ولجميع اليهود الإسرائيليّين. الإسرائيليّون والفلسطينيّون بحاجة إلى التفكير الشامل حول الرؤى التي تتجاوز التقسيم". كما وتؤكد كلمة العدد أن هذه الرؤى لا تنبع من حقيقة أن التقسيم يبدو عصيا عن المنال، بل لأنه غير ملائم ولا يوفر حلولا لكافة المجموعات الفلسطينية.
يتضمن العدد الحالي، إضافة إلى كلمة العدد، مقالا تحليلياً بقلم بروفسور نديم روحانا، المدير المؤسس لمدى الكرمل ومحرر العدد، أربع وجهات نظر بمشاركة كل من د. عادل مناع، د. ثابت أبو راس، بروفسور أمنون راز كراكوتسكين وبروفسور يهودا شنهاف. وكذلك تلخيصاً لأهم نشاطات مدى منذ بداية العام.
في مقاله التحليلي تحت عنوان "الحالة الكولونيالية: هل حلّ التقسيم ممكن في فلسطين؟ "يقول بروفسور روحانا بأن فهمنا لجوهر الصراع بين الصهيونية والفلسطينيين يؤثر بشكل مباشر على تصورنا للحلول الممكنة للصراع. من هنا يذّكر روحانا بالاتفاق الفلسطيني بأن الصهيونية هي حركة كولونيالية وبأن إسرائيل نفسها أقيمت كمشروع استيطاني. ويذكر بأن تجارب الصراع بين الأنظمة الكولونيالية والسكان الأصلانيين تركزت حول مطالب تراوحت بين رحيل المستوطنين وبين بناء وطن مشترك معهم، لكنه يؤكد على أن التقسيم لم يكن يومًا "أحدَ مطالب السكان الأصليّين … كما أنه لم ينته أي مشروع من المشاريع الكولونيالية باقتسام البلاد التي جرى استعمارها بين المستوطنين والسكان الأصليّين".
بعد توصيف خصائص الحالة الفلسطينية، يتوصل روحانا إلى استبعاد فكرة نجاح التقسيم، ويطرح سؤالاً حول إمكانية تطبيق خيار التقسيم في الصراعات ذات الجوهر الاستيطاني الاستعماري، ليتوصل إلى النتيجة بأن التقسيم المطروح سيؤدي إلى إسرائيل ثنائية القومية. ثم يقول، إذا كان هذا هو الاتجاه فلماذا لا يبدأ الإسرائيليون والفلسطينيون في التفكير ببدائل التقسيم، ومن ثم إعادة تعريف مبدأ حق تقرير المصير في وطن مشترك على كامل فلسطين؟.
وفي باب وجهات النظر يستعرض المؤرخ والمختصب تاريخ فلسطين والفلسطينيين، د. عادل مناع، حيثيات قرار التقسيم وتبعياته ويقول بأن الفلسطينيين قد عرفوا بأن إقامة دولة يهودية لن يكون إلاً على حساب خراب بيوتهم وضياع وطنهم، لذلك عارضوا الصهيونية ومشروعها، وهو الأمر الذي استغلته إسرائيل وحلفاؤها لتبرير كل الجرائم التي ارتكبتها من عام 1948 وحتى يومنا هذا. وبعد استعراض الحقائق التاريخية ينهي د. مناع مقاله بالقول أن "قرارالتقسيم كان فاتحة النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطينيّ الذي فقد وطنه،وأضحى معظم أفراده لاجئين. فهل بعد 44 عامًا من احتلال إسرائي للبقيّة أجزاء فلسطين، سوف تعوِّض الأمم المتّحدة الشعب َالفلسطيني ّبالاعتراف بدولته المستقلّة؟
أما بروفسور أمنون راز كراكوتسكين المحاضر في قسم تاريخ الشعب الإسرائيليّ في جامعة بن غوريون في النقب، فيطرح إطار ثنائية القومية كنقطة أنطلاق لكل حل. وهو يقصد بذلك مبدأين أساسيين يجب على كل حل سياسي ضمانهما، هما: مساواة قوميّة ومدنيّة بين اليهود والعرب؛ ومصالحة تقوم على أساس العدل التاريخيّ. وبخصوص حقوق اليهود في فلسطين يقول "الاعتراف بحقوق اليهود يعني – بالطبع – تقليصها تقليصًا ملحوظًا، من خلال تعريف الوجود اليهودي في البلاد من جديد. إن الفرضية الأساسية لمناقشة حقوق اليهود هي الاعتراف بالقوميّة الفلسطينيّة، بما في ذلك حق العودة. لكن في سبيل تعزيز تطبيق هذه الحقوق، ثمّة ضرورة للاعتراف في الوقت نفسه بالحقوق الجماعية لليهود. بدون ذلك، تبقى التصريحات الداعمة لحقوق الفلسطينيّين بدون معنى وبدون مسؤوليّة". هذا ويؤكد بروفسور كراكوتسكين على ضرورة عدم مناقشة فلسطين على نحو منفصل، بل كجزء من المنطقة ومن العالم العربي، والعمل على دمج إسرائيل داخل العالم العربيّ.
المحاضر في قسم الجغرافية والدراسات البيئيّة في جامعة بئر السبع، د. ثابت أبو راس، يستعرض فشل جميع مشاريع تقسيم فلسطين. وهو يوظف المركبات الجغرافية السياسية والطبيعية لفلسطين لتبيان استحالة التقسيم، معتمدا على التشابك الحيزي والسياسي بين المجتمعين في فلسطين التاريخية وعدم قابليتهما للتقسيم، ليتوصل في نهاية مقاله إلى النتيجة "كيف لا تكون معركة المجتمعين اليهوديّ والفلسطينيّ المستقبليّة معركةً في سبيل إيجاد بدائل للتقسيم والعمل ضدّ نظام الأبارتهايد الجديد، ومن أجل دولةٍ واحدةٍ ديمقراطيّةٍ أو ثنائيّة القوميّة؟".
في وجهة النظر الرابعة، بقلم البروفسور يهودا شنهاف، المحاضر في علم الاجتماع في جامعة تل أبيب، يتم التأكيد مرة أخرى على فشل "حل الدولتين"، وإلى وصول "خطاب السلام" إلى طريق مسدود بسبب طبيعة النظام الإسرائيلي، الذي يقوم على أساس تمسُّك الدولة اليهودية باحتكار حصري على المكان وعلى وسائل العنف داخلها، والحفاظ على تجانس الهُويّة القوميّة اليهوديّة في حيّز إقليميّ خالٍ من الفلسطينيّين. ويشير بروفسور شنهاف إلى أن عرب 48 هم "الحاجزَ الأخير أمام إقامة مثل هذا النظام، لأنهم التذكار المتكرر للسرّ المُخفَى في خزانة النظام، أي التطهير العرقيّ لفلسطين عام 1948، عمليّات التهجير، سلب الأراضي، تدمير القرى والمدن، والسرد التأريخيّ الذي يرمي إلى تسويغ كل ذلك".
ويدعو شنهاف إلى ضرورة صياغة نظرية سياسية يهودية جديدة، مفادها اعتماد عام 1948 كنقطة أرخميدية للتفكير بالصراع، وضرورة التفاوض مع عرب 48، ومع الفلسطينيين عامة، بمن فيهم اللاجئون. ويخلص شنهاف إلى النتيجة "فرضيتي الأساسية هي أن تقسيم البلاد إلى وحدتين سياسيتين يقف جدار الفصل بينهما، غير ممكن، وغير أخلاقي، بل وهدام من النواحي السياسية، الجغرافية، الاقتصادية، المدنية والدينية".
للاطلاع على جميع مواد المجلة
على الرابط التالي