صولجان الثقافة الفلسطينية للكاتب محمود شقير

مراسل حيفا نت | 18/06/2011
 
 
 الكلمة التي ألقاها الشاعر خالد محاميد في أمسية احتفاء ندوة اليوم السابع في القدس بتاريخ 09-06-2011 الذي أقيم في المسرح الوطني الفلسطيني بحصول الأديب محمود شقير علىجائزة الشاعر محمود درويش للثقافة والإبداع
 
"تلك آثارنا، مثل وشم يدٍ في
معلقة الشاعر الجاهليّ، تمر بنا ونمرّ بها"
 أتشرف بتقديم حجرين رَسمْتُ عليهما صور للمُحتفى به كاتبنا محود شقير وللشاعر محمود درويش وغسان كنفاني ورسم من رسومات ناجي العلي وبيتٌ من قصيدة محمود درويش "على محطة قطار سقط عن الخريطة"
"أرى أثري على حجر فأحسب
أنه قمري وأنشد واقفا,
طلّلِيّةٌ أخرى وأهلك ذكرياتي
في الوقوف على المحطة".
وهذه الهدية تُقدم، كما كُتب على الحجرين، باسم "ندوة اليوم السابع القدس" التي أحرص على الإشتراك في نشاطاتها الاسبوعية دعما لقدس الثقافة وفلسطين منذ عدة أشهر. وباسم "جمعية اللّجّون الثقافية" . واللّجّون هي قرية والدي محمود المهجرة منذ النكبة. 
أجد بأن هذه الأمسية التكريمية للكاتب محمود شقير، بمناسبة حصولة على جائزة محمود درويش، قد أَنزَلت لي وحيا وسبيلا للتخفيف عن الأرق الشخصي الذي رافقني منذ وفاة شاعرنا محمود درويش وللأيفاء بالعهد الذي تكبلت به تجاه محمود درويش شخصا وتجاه قريته البروة المهجَّرة وما يشكلاه من مجازٍ يمثل الملحمة التراجيدية الفلسطينية.
فقبل وفاة شاعرنا الكبير درويش بأربعة أيام كنت قد زرت قريته البروة المهجّرة وعملت على اصطحاب عدة أحجار مما تبقى من بيت عائلته المهدّم والذي كنت عرفت مكانه منذ جئت سنة 2007 "سائحا ومراسلا لصحيفة غربية" (في طللية البروة) مع أخيه أحمد وعمه محمد السعد وابنتي أسيل حيث أخبروني بأن "أبراهام" قد استولى على أرض البيت وحوله إلى "عجال بقر" ومسح بقاياه عن الأرض, الأمر الذي وصفه درويش في "طللية البروة"،  "يقول السائح انتهت الزيارة , لم أجد شيئا أصوره سوى شبحٍ"
أخذت هذه الحجارة وبعضا من أشتال الرمان والليمون والبرتقال والتين والتوت، التي اقتلتها برفقٍ وحنّية، مما تبقى من البساتين في البروة  إلى بيتي في الناصرة. وأذكر خاصة شتلة الرمان التي فتَّقت الصخور التي كان للتو "أبراهام " ومشتقاته قد عملوا على حفرها وجرف المقبرة التي آوت رفاة أهالي البروة منذ آلآف السنين. فتذكرت مشاهد الجماليات الفريدة التي سيطرت على مخيلة محمود درويش والتي رددها مرارا في أشعاره ومنها:
 " كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة وجدنا غريبين معا"
" كأنها مطر على جبل تصدع من تفتح عشبه."
"عشب على حجر"
" حين تطيل التأمل َ في وردةٍ
جرحت حائطا, وتقول لنفسك
لي أملٌ في الشفاء من الرملِ
يخضرُّ قلبُك…"
وقلت هذه الرمانة التي فتقت الصخر في البروة ستبهج درويش حين سأحدثه عنها وأزرعها في حديقة مكتب السكاكيني في رام الله.
اتصلت يوم خميس بمكتب السكاكيني معلنا فرحا بأني قادم الى رام الله وبجعبتي حجر من بيته في البروة سأرسم عليه صورته كما فعلنا سابقا وأصدقائي "بجمعية اللّجّون الثقافية" حين رسمنا ابداعاته وصوره على جدارِ مدرسته التي تعلم فيها حتى سن السابعة قبل تهجيره مع أهله من البروة. حينها كتب محمود درويش "أرى أثري على حجرٍ". قالت لي الموظفة على الجهة الأخرى من الهاتف " سيسافر محمود لاجراء عملية في القلب" وحينما يعود سنرتب الزيارة.
يوم سبت مساءا أقرأ شريط الأخبار في التلفاز معلنا "نجحت العملية الجراحية التي مرها محمود درويش". أتنفس الصعداء… بعد ساعة ونيف وعلى نفس الشاشة تصريح لعائلة درويش حول العملية… وبعد ساعتين خبر قاطع بوفاة محمود درويش.  
هكذا, بقي الحجر وأشتال الأشجار في دلوٍ على شرفة في بيتي طلت على حيفا. تأملت المنظر مليا. أحجار من بيت محمود درويش المهدم في البروة ورمانة فتقت صخرة.
أردت اصطحابهما لرام الله لتوثيق الرابط بين الشاعر وما أرَّقه طيلة حياته وعلّي أحقق تخوفه مثل ما أفصح عنه حين كتب : 
" طلّلِيّةٌ أخرى وأهلك ذكرياتي
في الوقوف على المحطة"..
بقيت الأشتال  ثلاثة أو أربعة أسابيع على الشرفة وثم زرعتها في حديقة البيت قرب الحجارة.
وقفت مهجورا عند مروري يوميا خلال الثلاث سنوات الماضية أمام الحجارة المقدسة هذه ممتثلا لما كتبه محمود درويش في (منفى ضباب كثيف على الجسر):
"سأحمل بيتي علي كتفيَّ
وأَمشي كما تفعل السلحفاة البطيئةْ
سأصطاد نسرا بمكنسة، ثم أسأل:
أَين الخطيئة؟ "
وقلت علي أحمل بيت محمود درويش على كتفيَ.
 
اعتبرت هذه الحجارة "مثل وشم يدٍ في معلقة الشاعر الجاهلي" أمانة على صخب كينونتي , مجازية لعهدنا للوطن والشعر وللثقافة والفكر والابداع والتفاني في حبنا لفلسطين وقضية تراجيديا الشتات والظلم ومقاومة الاحتلال.
تذكرت ما كتب درويش في عودته المجازية الى البروة  في قصيدة  "كوشم يد في معلقة الشاعر الجاهلي"
"في حضرة الموت لا نتشبث إلا
بصحة أسمائنا…
عبثٌ ماجنٌ. لم نجد حجرا واحدا
يحمل اسم الضحية, لا اسمي ولا
اسمك
          من مات منا، أنا أم
أنا؟
قال لا أعرف الآن."
 
الآن أنقذتني هذه المناسبة من أَرَقي لأنني أستطيع الآن أن أقدم الأمانة التي أودعها محمود درويش على كتفيَّ بأيدي كاتبنا الكبير محمود شقير .
 
فليتحمل عنى هذا العبئ وليحمل الحجر الذي لرب كانت أم درويش ، حورية، أعدت قهوته أو خبزت خبزها عليه أو لربما عندما وُلد وفتح عينيه  كان من أول ما شاهده في حياته.
 
هذا هو الحجر الذي وجدته في البروة ولهذا رسمت عليه صورة المحمودان شقير ودرويش وكتبت عليه اسمكما.
 
فإذا كانت جائزة محمود درويش قد قدمها الشعب الفلسطيني لمحمود شقير فهذا هو الدرع الأوفي بحمل رموز قضيتنا الفلسطينية والتزامنا باستمرار حبنا لبيت محمود درويش في البروة وبيوت اللاجئين الفلسطينيين تعهدا منا لتحقيق إياب النوارس إلى بيوتها.
 
أبارك لمحمود شقير على حصوله على جائزة محمود درويش ولأنه الأجدر بحمل راية الإبداع الفكري والأدبي فأنقل له هذا الصولجان للإستمرار بالمعركة الثقافية وحمل شعلة الثقافة والإبداع في خدمة شعبنا الفلسطيني.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *