تزكية الأنفس طريق الصالحين بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 10/06/2021

تزكية الأنفس طريق الصالحين 

الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

قال تعالى ( ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها ) روى الطبراني فقال ( كان رسول الله إذا مر بهذه الآية وقف وقال ( اللهم آت نفوسنا تقواها , أنت وليها ومولاها , وخير من زكاها ) وفي رواية عند الإمام أحمد قال : كان رسول الله يقول ( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل  والهرم ,. والجبن والبخل وعذاب القبر , اللهم آت نفسي تقواها , وزكها أنت خير من زكاها , أنت وليها ومولاها ,. اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع , ومن نفس لا تشبع , وعلم لا ينتفع , ودعوة لا يستجاب لها ) ويفهم من الآية التي افتتحنا بها أن الله الذي خلق الأنفس يطالبنا بأن نزكيها ونطهرها لذا يبين لنا مصير النفس الطاهرة التي استجابت لمراد خالقها ومصير النفس التي تركها صاحبها تتبع الهوى ومراد أهل الانحراف والظلال وسارت خلف كل ناعق , فمن عمل على تزكية نفسه فلا بد بداية ان يلزمها الإيمان بخالقها ثم الطاعة له بامتثال أمره والانتهاء عما نهى عنه , ويكون الامتثال لأمره  في كل مجالات العبادة الشاملة والتي قال عنها أحد العلماء ( العبادة اسم شامل لما يحبه الله ويرضاه ) ويدخل في ذلك عدم الإشراك بالله , وبر الوالدين , وصلة الأرحام والإحسان الى الأولاد ذكورا وإناثا بحسن التربة والإنفاق وحسن الصحبة وكف الأذى عن الناس وخاصة الجيران وغيرها الشيء الكثير.  وكل هذه الطرق من تزكية الأنفس هي سبل توصل إلى مرضاة الله ومن رضي الله عنه أكرم نزله بجنة عرضها السماوات والأرض أعدن للمتقين , وحتى لا ينخدع احدنا بعمله فلا بد من التأكيد على أن تزكية النفس تحتاج الى رعاية الله وكنفه وقد ظهر لنا هذا من خلال أدعية الرسول والتي أكد من خلالها قوله ( اللهم آت نفسي تقواها , وزكها أنت خير من زكاها ) ربنا جل في علاه يقول في كتابه  (  ولولا فضل الله عليكم  ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله واسع عليم ) ونستنتج من هذه الآية أن تزكية النفس تحتاج إلى همة عالية وإرادة قوية لذا يحتاج صاحبها إلى الاعتماد على ركن مكين وهذا يلزمه إلى التوجه إلى الله والإلحاح على بابه بقول رسول الله ( اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ) تفويض كامل لرب العالمين لأن يزكي النفس حتى لا تتبع الهوى فتضل وتظلم ولا تستسلم لوساوس شياطين الإنس والجن لأنهم ( شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا  ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون )  فالشيطان يستدرج الأنفس الى الظلال استدراجا حتى تغوص في وحل الجاهلية فيأمرها بالفحشاء والمنكر, ومن أهم تركيزه على الأنفس أن  يعتليها ألران ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) وتكون بداية المشوار إلى الفحشاء والمنكر من إمراض القلب مثل الحسد والكبر وهذا ما ابتلي به الشيطان ويريد إغواء بني البشر ليصبحوا على شاكلته فقد عصى الشيطان ربه لأنه حسد آدم وتكبر عن السجود له استجابة لأمر الخالق,  وحتى تتطهر الأنفس يجب عليها أن تعارض الشيطان في خطواته فيطهر المرء قلبه من الأمراض , ويمسك لسانه وقلمه من التعرض لأعراض الناس وإشاعة الفاحشة بينهم , ومما يندى له الجبين مع التقدم التكنولوجي أن من الناس من يشيعون الفاحشة عبر وسائل التواصل الاجتماعي او يفسدون على الناس بيوتهم لذا نجد أن جل النزاعات داخل البيوت سببها إشاعة الفاحشة والمنكر عبر الهاتف وهذه الكلمات وصفها ربنا القائل ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ) فمن أراد أن يزكي نفسه فلا بد له مع سلامة القلب من حفظ الجوارح وفي مقدمتها اللسان فيمسكه عن أعراض الناس ولا يطلق له العنان ليقع ويجرح مشاعر الناس وأعراضهم , فمن غفل عن تزكية نفسه بالطاعة وحسن العبادة وسلامة القلب والجوارح فإن قلبه سيمرض ونفسه ستمرض ويظهر ذلك بأخلاقه ومعاملته مع الله والناس فمريض القلب والنفس تجده في ظلمات الجاهلية.  فقد وصف الله المنافقين فقال ( ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون ) ووصف الكفار فقال ( أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) ومن سلك طريق الهداية وتزكية الأنفس يأتي وصفه ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) وقال ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *