"جاسكالا" أول خمّارة نبيذ عربية بحتة في البلاد
شاهين نصّار
يقال أن كلما عتق النبيذ تحسّنت جودته وبات مذاقه ألذّ… وقد تكون مهنة صناعة النبيذ كذلك، فكلما مارسها المرأ لفترة أطول واكتسب فيها خبرة أكبر، قد يصبح نبيذه أفضل! الا أنه ليس حال نبيذ "جاسكالا" كذلك!!
فخمّارة النبيذ التي تحمل اسم "جاسكالا"، تيّمنا بالبلد التي يأتي منها، جاسكالا… آسف، أقصد الجش! والتي سميّت بجاسكالا في العهد الروماني (نعم تاريخ هذه القرية الفلسطينية العربية يعود لأكثر من ألفي عام!)، والتي أقيمت في العام 2006، رغم صغر سنّها، الا أن لأصحابها، الشقيقين ريتشارد ونصر خريش، خبرة كبيرة في صناعة النبيذ، والتي توارثوها أبا عن جد!!
من هواية الى احتراف!
ويقول ريتشارد خريش، عن تحويل هذه الهواية التي توارثها عن جده ووالده، الى مهنة، والى خمّارة نبيذ، حاز نبيذها على ميدالية ذهبية في مسابقة دولية للنبيذ في العام 2009: "في عائلتنا كآل خريش، صناعة النبيذ عمليا تنتقل بالوراثة، حيث توارثنا صناعة النبيذ من والدي وجدي، رغم أنه اليوم نملك مصنعا للنبيذ، الا أننا ما زلنا نصنع نبيذا على الطريقة القديمة، نبيذا أبيضا لتناوله مع الطعام، والذي يدعى "دبوك"! وكل سنة نصنع حوالي 50 – 60 قنينة منه لنا للعائلة".
ويضيف: "في البداية كان الأمر مجرد هواية، وشعرنا أنه أول بأول تحوّل الأمر الى صناعة، وقررنا أن نحترف مهنة صناعة النبيذ. واليوم ننتج حوالي 14 ألف زجاجة نبيذ سنويا، وخلال سنتين نتوقع أن نصل لحوالي 25 ألف زجاجة في السنة. كانت لدينا أرض بور، وزرعنا بها خمسة أنواع عنب، هي "شيراز"، "كابارنيه"، "ميرلو"، "كابارنيه فرانك" و "بيتي فيردو". بالاضافة الى العنف الأبيض وهو "سوفينيون بلان"".
أفضل وأول نبيذ عربي في البلاد…
في البلاد، توجد خمّارتي نبيذ عربيتين اليوم، فبعد نبيذ اللطرون المشهور والقادم من دير اللطرون للاتين القريب من القدس، والذي يصنعه رهبان في غالبيتهم هم من الأجانب، بادر آل خريش، لخوض هذه المغامرة في صناعة النبيذ، ولكن الخمّارة الأولى التي يمكننا القول أنها العربية الأولى في البلاد هي خمّارة "جاسكالا"، كما قام مؤخرا آل عرطول في النقب بانتاج نبيذ "موني"، فيقول ريتشارد خريش حول هذا الموضوع: "هذا فخر كبير لنا، ومن الوسط العربي بدأنا ننشهر أكثر، خصوصا وأننا باشرنا ببيع نبيذنا في الأسواق فقط قبل سنة واحدة فقط. خضنا في مسابقة "تيرا فينو" الدولية في ايلات في العام 2009، وعرضنا هناك نبيذ "كابرنيه سوفينيون ريسيرف 2007" وحصلنا عليه على الميدالية الذهبية"!!
العنب يقطف يدويا
ويتابع خريش حديثه قائلا: "نقوم بقطاف العنب يدويا، في ساعات الصبح الباكرة للحفاظ على درجة حرارة العنب. وبعد القطاف تبدأ عملية التخمير، وعمليا يتم ذلك بعد أن ندخل العنب في جهاز يقوم بفصل العنب عن القشور، فيدخل العنب نفسه في حاويات كبيرة، حيث تتم عملية التخمير.. قسم من العنب ليس بحاجة لخميرة فيخمر بقواه الذاتية، بينما هناك نوعيات فيه كميات كبيرة من السكر، ولا تنجح الخميرة الطبيعية بإتمام عملية التخمير، ولذلك نستعين بخميرة صناعية ندخلها عليه لاتمام هذه العملية".
الأرض… أهم ما يؤثر على طعم النبيذ!!
اما حول طعم النبيذ وما هو السبب في الفروق بين النوعيات المختلفة والنبيذ الناتج عن خمارات مختلفة يقول خريش: "نحن هنا نعمل على الجودة. وما يحدد جودة النبيذ يكمن في الأرض وليس عملية التخمير!! وتستخدم كلمة "تيروار" لتدل على العوامل المؤثرة على جودة وطعم النبيذ، والتي تعني الاقليم وحالة الطقس وعوامل المناخ المؤثرة على ذلك. درجة الحرارة، التربة، الرياح، وما الى ذلك… فالطقس يؤثر كثيرا على جودة النبيذ، نوعية التربة كذلك، الارتفاع عن سطح البحر، كمية المياه التي تحصل عليها شجيرات العنب، وغير ذلك. فنحن نزرع العنب على علو 870 مترا، وهذا عامل له تأثير كبير، كما أن الأرض فيها رياح قوية وطقس بارد طوال أيام السنة، مما يضفي نكهة وطعما خاصين للنبيذ الناتج عن هذه الأرض"!!
ويواصل حديثه شارحا لنا عن الاختلاف في نوعيات النبيذ الناتجة عن نفس نوع العنب بالقول: "لدينا نوعيتان على سبيل المثال من النبيذ الناتجة عن صنف العنب ذاته، نوعية الريسيرف والنوعية العادية، فالنبيذ العادي تحمل أشجار الدوالي بحدود 900 – 1000 كيلوغراما من العنف للدونم الواحد، بينما تحمل نوعية الريسيرف حتى 700 كيلوغراما للدونم الواحد. ورغم أن العنب هو من نفس النوعية ويوضع في البراميل ذاتها، الا أن نوعية الريسيرف تكون أثقل وتحمل طعما أقوى! فكمية العنب على الدوالي لها تأثير كبير على الجودة"!!
كلما عتق النبيذ كان ألذّ!
بعد تعتيق النبيذ في البراميل لمدة سنة او سنة ونصف، يحفظ النبيذ في الزجاجات ليعتق لفترة اضافية عبارة عن سنة ونصف تقريبا. أي أنه قطاف العام 2010 سيمر بعملية تعتيق حوالي ثلاث سنين قبل أن يصدر في الأسواق، على أن يصدر في العام 2014.
ويقال أن النبيذ كلما عتق كان ألذّ! فيرّد خريش على هذا الادعاء بالقول: "ليس كل الأنواع كذلك. فالنبيذ الأبيض حياته ككل تصل الى ثلاث أو اربع سنين، بينما النبيذ الأحمر قد يحفظ لبضع سنين اضافية. وهناك نوعيات تحتاج لوقت أكثر أو أقل، ذلك يتعلق بكرم العنب. فإذا كان حمل العنب 2 طن للدونم، فلن يكون عمر النبيذ أكثر من سنتين ثلاث، ولكن اذا كان أقل قد يبقى وقت أطول.. عملية التخمير وعملية التصنيع وتخزين النبيذ تؤثر كثيرا على عمره وجودته أيضا. في البلاد أجود النبيذ لا يزيد عمره عن 25 عاما"!
قبو عمره 100 عام… عراقة وأصالة
في قلب قرية الجش، وفي منزل يزيد عمره عن 100 عام، تدخل قبو صغير، كتب على مدخله "جاسكالا"، هذا القبو هو سرّ النبيذ الذي يحمل الاسم ذاته… فبين العقود الحجرية تجد أزيد من 50 برميلا وعشرات آلاف زجاجات النبيذ مخزّنة كل على انفراد، يدل على عراقة المكان وأصالة صناعة النبيذ في المكان… فيقول خريش: "هذا البيت عمره ما لا يقل عن مئة سنة ونيف، فقد بُني إبان الهزة الأرضية الكبرى في القرن التاسع عشر، ونحن قمنا بترميمه محافظين عليه كما هو، فحتى الأرضية ما زالت كما كانت عليها عند تشييده! وحوّلنا هذا القبو الى مخزن أو مرآب لتخزين النبيذ، وتبقى درجة الحرارة فيه حوالي 16 درجة مئوية، علما أن درجة الحرارة تؤثر كثيرا على النبيذ، فيفضل تخزين النبيذ في درجة حرارة أقل من 20 درجة مئوية. علما أن لدينا ست أنواع براميل، وكل نوعية تمنح النبيذ نكهة خاصة… 95% من البراميل لدينا هي براميل فرنسية من خمس مصانع مختلفة. في حين الـ5% الباقية براميل أمريكية"…
ويقول خريش عن نوعيات النبيذ المختلفة التي تنتجها كرم وخمّارة "جاسكالا": "شيراز – هو عنب من اصل فارسي، من منطقة تدعى شيراز، وعمليا اسم النبيذ ينسب الى نوعية العنب التي ينتج منها. كابرنيه سوفينيون ريسيرز – فيه خليط من نبيذ مصنوع من عنب كابرنيه سوفينيون وقليل من نبيذ كابرنيه فرانك. ميرلو – نبيذ أحمر ذو أصول فرنسية. روزيه – هو نبيذ مصنوع من نوعية عنب كابرنيه فرانك، والذي تم عصر العنب وفصل العصير عن الحبوب خلال أربع – خمس ساعات، ليتم تخميره في درجة حرارة منخفضة، وهو غني بنكهات الاناناس وتوت الأرض والخوخ وغير ذلك. كابرنيه فرانك – هو نوعية نبيذ بجودة عالية جدا، لا نبيعه الا في المكان هنا، ولا نصنع منه الكثير. كابرنيه سوفينيون – هو أكثر نوعية عنب عليها طلب ومعروف في البلاد. وكابرنيه سوفينيون بلان".