في عيد العمال يحلو لي أن استعيد حكاية العامل الأول في حياتي ..

مراسل حيفا نت | 02/05/2021

العامل الأول في حياتي !
بقلم خالد عيسى

في عيد العمال يحلو لي أن استعيد حكاية العامل الأول في حياتي .. والدي رحمه الله أول عامل فتحت عيوني على بزته الزرقاء التي كان يعود بها من مصنع السكّر في حمص .. والدي اللاجئ الفلسطيني الذي هُجر من فلسطين الى سوريا بعد نكبة 48 ، لعل حكايته هي حكاية الكثير من العمال الفلسطينيين الذين راحوا يبحثون في أرجاء الدنيا عن لقمة عيشهم في منافي تشردهم ..
كنت يومها طفلا لا تتقن سنوات عمري القليلة فكر الطبقة العاملة ، الذي شغلني فيما بعد ونحن نبحث في كتب ماركس ولينين عن فلسطين في الماركسية اللينينة ، التي تزينت بها الفصائل الفلسطينية اليسارية في السبعينيات ..
ولم نكن ندري وقتها ونحن نبحث في الصراع الطبقي ، ان هناك طبقة لم تخطر على بال لينين ، هي طبقة اللاجئين التي كان والدي واحدا منها .. والدي جعل من الماركسية اللينينة حكي فاضي ، فهو “اقطاعي ” في فلسطين ، يملك هو وعائلته نصف أراضي قريته الشجرة في قضاء طبريا ، وتاجر برجوازي يملك أكثر من متجر للقماش في الناصرة وطبريا ، كان والده يجوب أسواق بيروت ودمشق للبحث عن أجود أنواع القماش والجوخ الانكليزي ويبيعها في فلسطين ..
والدي الذي صار من الطبقة العاملة حين تتطابق المشروع الامبريالي مع المشروع الصهيوني ، وانتج طبقة جديدة هي طبقة اللاجئين الفلسطينيين التي تساوى بها الجميع تحت سقف خيمة واحدة في مخيمات اللاجئين ..
والدي مثل معظم الفلسطينيين أتقن عمله في مصنع السكّر، وصار خبيرا فنيا في الكهرباء ، التي تشغّل كل الماكينات في المصنع ، دوما الأقليات تحاول ابراز تميزها في مواجهة الأغلبية ، لدرجة كنت أشعر وهو يتحدث عن عمله انه هو وحده من يدير المصنع ! وكنت أعتقد ان غاب والدي يوما عن عمله ستشرب سوريا الشاي بلا سكّر ..
والدي الذي كان يتقن الانكليزية بطلاقة ، صار لسان الخبراء الروس في المصنع .. هو وسيلة التواصل الوحيدة بين المهندسين الأجانب والعمال السوريين ، وكانوا يطلقون عليه ” الفلسطيني ” .. ان توقفت أي آلة من آلات المصنع تأتي سيارة من المصنع ليلا لتحضر الفلسطيني من بيتنا لإصلاحها ،ويعود والدي صباحا وهو يتهكم على الخبير الروسي الذي لم يعرف اصلاح مولدات الكهرباء التي اصلحها هو بدقائق ..
حكاية والدي حكاية كل العمال الفلسطينيين الذين اتقنوا عملهم في مصانع خارج بلادهم ، و تميزوا دوما في جميع الأعمال التي مارسوها ، وأضافوا للبلاد التي استضافتهم خبراتهم ، وامتزج عرقهم مع عرق الأشقاء العرب في النهضة الصناعية في بلاد الشتات ..
في عيد العمال .. البحث عن العامل الفلسطيني في هذا العيد له وجع خاص هو جزء من الوجع الفلسطيني العام ببلاد اقتصادها بيد عدوها ، وعمالها نصفهم تحت الاحتلال الاسرائيلي ، ونصفهم الآخر في بلاد الشتات ، يحاولون صناعة وطن لمصنع فلسطيني لا يكون فيه والدي رحمه الله ” الفلسطيني ” في مصنع السكّر السوري !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *