تعتبر العملية التي أسفرت مؤخراً عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، بالنسبة للرئيس الأميركي، باراك أوباما، أكثر من علامة فارقة في المعركة التي تخوضها الولايات المتحدة على مدار 10 سنوات لمكافحة الإرهاب.
وفي هذا السياق، رأت اليوم صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن الوقت الراهن فرصة مناسبة لإعادة صياغة ردة فعله على اضطرابات العالم العربي، بعد فترة سبات محبطة أدى فيها الجمود الذي تشهده ليبيا، والصراع الغامض على السلطة في اليمن، والقمع الوحشي للمتظاهرين في سوريا، إلى تراجع الوهج الخاص بالثورة المصرية.
وأكد مسؤولون بالإدارة الأميركية أن أوباما حريص على استخدام مقتل بن لادن كوسيلة للتعبير عن نظرية موحدة بشأن الانتفاضات الشعبية التي وقعت من تونس إلى البحرين – والحركات التي تجمعها خيوط مشتركة وتتسم رغم ذلك بملامح متباينة، وكثيراً ما أثارت ردود فعل مختلفة للغاية من جانب الولايات المتحدة الأميركية.
وأوضحت الصحيفة أن أول إشارة تدل على إستراتيجية أوباما الجديدة تجاه المنطقة قد تأتي مطلع الأسبوع المقبل، مع إلقاء أوباما لخطاب بشأن الشرق الأوسط، سيحاول أن يضع فيه وفاة بن لادن في سياق التحول السياسي الكبير الذي تشهده المنطقة. وقال بنيامين رودز، أحد نواب مستشاري أوباما للأمن القومي، إن الرسالة ستتركز على أن بن لادن هو الماضي وأن ما تشهده المنطقة من أحداث هو المستقبل.
وتابع رودز " من المفهوم دوماً أن الأضواء تنصب على الدولة التي تسير بها الأوضاع بشكل سيء. والمهم أن تتراجع وتقول ( يتحرك مسار التغيير في الاتجاه الصحيح )". ومع هذا، فإنه وبالرغم من أن مقتل بن لادن قد يتيح لحظة نادرة من الوضوح، إلا أنه يحظى بآثار أقل وضوحاً بالنسبة للحسابات الإستراتيجية الأميركية في المنطقة. وأكد بعض مسؤولي الإدارة الأميركية أن تلك الضربة القوية التي تلقاها تنظيم القاعدة تمنح الولايات المتحدة فرصة أن تكون أكثر ميلاً إلى التغيير السياسي لأنه يجعل مصر وسوريا ودول أخرى أقل عرضة للتلميح نحو التطرف الإسلامي.
لكن مسؤولين بارزين آخرين شددوا على أن منطقة الشرق الأوسط تظل مكاناً معقداً: وبرروا ذلك بأن مقتل زعيم تنظيم القاعدة لم يؤدي إلى تآكل التهديد الإرهابي في اليمن، في حين تعرضت دول مثل البحرين لمنافسات طائفية لم يسبق لها أن ارتبطت بشكل كبير برسالة بن لادن المتطرفة. وحتى قبل الغارة التي استهدفت بن لادن، قال مسؤولون إن أوباما كان يحاول إيجاد طرق لربط الأحداث بعضها البعض في منطقة الشرق الأوسط. وأوضح المسؤولون أن الخطة الحالية بالنسبة للرئيس أوباما هو أن يحتفظ بقدرته على التركيز على التغيرات الأوسع نطاقاً في العالم العربي، بدلاً من أن يطرح خطة محددة جديدة لإحياء محادثات السلام.
وكشفت المقابلات التي أجريت مع عدد كبير من مسؤولي الإدارة الأميركية عن أن التوترات التي طرأت على سياسة أوباما تجاه الشرق الأوسط لم تكن نتاجاً لنقاش بين المستشارين، بل كانت في الغالب نتيجة لعمليات شد وجذب بداخل الرئيس نفسه. ففي مصر، على سبيل المثال، قال مستشارو أوباما إنه ضغط من أجل رحيل مبارك عن السلطة، على عكس نصيحة مساعديه، بعد مشاهدته لخطاب مبارك الجريء على شاشات التلفزيون في إحدى القاعات بالبيت الأبيض. وقال إنه ( أوباما ) خشي وقتها من احتمالية ألا تتحقق أحلام الناشطين الشبان، من أمثال المسؤول التنفيذي بشركة غوغل الأميركية، وائل غنيم، نتيجة الانتقال المتقطع إلى الديمقراطية.
وهو الموقف الذي رأت الصحيفة أنه قد ثبتت صحته بصورة أكثر وضوحاً في ليبيا، حيث أبدى أوباما دعمه على مضض لحملة القصف التي يقودها حلف الناتو ضد القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي، وهي الحملة التي تعرضت الآن لحالة من التعثر. وقال توماس دونيلون، مستشار الأمن القومي، إن أوباما كان مستغرقاً للغاية في متابعة كل ما يدور من أحداث بالدول العربية التي تشهد اضطرابات سياسية.
وأشار أيضاً أحد مستشاري أوباما إلى أنه غالباً ما يقوم أثناء الليل في مقر إقامة الأسرة بتصفح مدونات الخبراء المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط أو المواقع الإخبارية الإقليمية، للحصول على النكهة المحلية للأحداث والتعرف عليها عن قرب.
وأوضحت الصحيفة أنه أمر الموظفين العاملين معه بأن يدرسوا التحولات السياسية التي حصلت من قبل في دول يتراوح عددها ما بين 50 إلى 60 دولة، بغية العثور على سوابق لتلك التحولات التي تشهدها الآن كل من تونس ومصر. ووجدوا أن نموذج مصر مماثل لما سبق وأن حدث في كوريا الجنوبية والفلبين وتشيلي، بينما تبين لهم أن الثورة التي تشهدها سوريا الآن قد تنتهي على غرار الثورة الرومانية.