شاهين نصّار
رفض قاضي المحكمة المركزية في حيفا، يتسحاق كوهين، طلب تقدم به الطالب ابراهيم خطيب المسؤول عن كتلة إقرأ الطلابية في جامعة حيفا، ضد الجامعة، مطالبا المحكمة بإلزام الجامعة بالسماح للشيخ رائد صلاح الوصول الى الجامعة والمشاركة في فعالية تنظمها الحركة يوم بعد غد الأربعاء.
وكانت جامعة حيفا قد رفضت السماح للشيخ صلاح الدخول الى حرمها والمشاركة في الفعالية التي تنظمها حركة اقرأ تحت عنوان "لا للعنصرية"، وعللت ذلك بالقول أن "زيارة الشيخ رائد صلاح، قبل قرابة العامين الى الجامعة، كادت أن تتسبب بـ"سفك دماء" بين مختلف التيارات السياسية والحركات الطلابية في الجامعة". علما أن تلك الزيارة شهدت تظاهرة حامية الوطيس من قبل الطلاب اليهود واليمنيين في الجامعة ضد زيارة الشيخ صلاح، والتي أنتهت بمناوشات مع رجال الأمن. في حين أكدت الجامعة في تعليها أن "تصرفات الشيخ صلاح الأخيرة وفتح تحقيقات وملفات بحقه في مناسبات مختلفة ساعدت على اتخاذ القرار بمنع زيارته".
وقد ترافع عن الطالب خطيب كل من المحاميان عمر خمايسي وحسّان طباجة من مؤسسة ميزان لحقوق الانسان في الناصرة، في حين مثّل جامعة حيفا المحاميان ايريت شاكيد شينكمان وايتامار عنافي، بالاضافة الى نائب رئيس الجامعة البروفيسور باروخ مرزان.
في حين إدعت جامعة حيفا وممثليها في جلسة المحكمة الأحد الماضي، أن سبب منع الزيارة هو بالأساس للحفاظ على الأمن وعدم الاخلال بالنظام العام، مؤكدة أن زيارة الشيخ صلاح ستلهب الاجواب وتؤدي الى مناوشات وصدامات بين المعسكرات الطلابية شتى قد تنتهي بـ"سفك دماء" على حد تعبير المحامي عنافي. وأكد المحامي طباجة أمام المحكمة أنه لو كان الأمر كذلك فكان بإمكان الجامعة أن تفحص إحتمالات أخرى من حيث الموقع والزمان لإجراء الفعالية المقررة، والسماح للشيخ صلاح بإلقاء محاضرة خلالها. مشيرا الى أن الجامعة ترفض حتى مشاورة الطلاب في الموضوع.
وأكد المحامي طباجة أمام المحكمة: "الوقائع العينية المبسطّة في رد الجامعة، الموّجه لمنع الشيخ صلاح من أن يكون محاضرا ضيفا للطلاب في جامعة حيفا، دون تحديد وقت ودون منح أي امكانية لفحص بدائل أو طرق بهدف ضمان اسماع حرية الرأي والتعبير للشيخ صلاح، معناه منح وزن كامل ومطلق لرؤية المعارضين لزيارة الشيخ صلاح، وهنا يجب وضع الأمور في نصابها".
وأضاف: "الحديث يدور عن جامعة وطلاب، التجربة المسبقة تدلنا أنه لا يوجد ذكر للمصطلحات الصعبة التي تظهر من رد الجامعة كـ"سفك دماء" وإلهاب الأجواء والكراهية. فكنا طلابا ونعرف ما هي طرق التظاهر المتبعة. المنع الرسمي بحسب الاسم هو أمر خطير جدا وأسلوب تتبعه جامعة حيفا". مشيرا الى محاولات منع الجامعة في الماضي السماح للشيخ رائد صلاح، الشيخ كمال خطيب، وعضو الكنيست حنين زعبي، المحاضرة أمام طلاب الجامعة.
بينما رد المحامي عنافي – ممثل جامعة حيفا على هذه الادعاءات بالقول: "وظيفة الجامعة الأساسية هي التعليم والبحث الأكاديمي. البند الخامس من قانون حقوق الطلاب يمنح حرية التعبير عن الرأي للطلاب. ولكنه أيضا يشير الى أن المؤسسة يمكنها ترتيب وتنظيم طريقة التعبير عن الرأي بغية الحفاظ على تواصل التعليم بشكل طبيعي. حرية التعبير عن الرأي هي قيمة هامة جدا برؤية الجامعة ولكنها ليست مطلقة، فبالمقابل نجد قيم أخرى مهمة أيضا مثل الحفاظ على سلامة الجمهور، ويجب الموازنة بين القيم المختلفة المتناحرة بكل موضوع".
وتشير جامعة حيفا في ردها على الطلب للسماح للشيخ صلاح المحاضرة في الجامعة أن "الطلاب العرب الذين يشكلون حوالي 20% من مجمل الطلاب، نظّموا أكثر من 50% من الفعاليات العامة والجماهيرية في الجامعة".
وأكد المحامي عنافي: "الجامعة تحترم حرية التعبير عن الرأي، ولكن عندما يوجد خطر فعلي لأن تؤدي زيارة شخص ما، ليس لآراءه وانما لتصرفاته والأحداث السابقة التي وقعت، كما صوّرتها المحكمة المركزية والعليا قبل شهور قليلة… هذا شخص حضوره فحسب سيؤدي الى إلهاب الأجواء وهو يقوم بإلهابها بنفسه ايضا"…
من جهته أكد القاضي كوهين في قراره: "في بداية الجلسة حاولت أن أحث الطرفين للتفاوض، بهدف فحص الامكانيات وصرف التخوّف من العنف، وأن يحددوا التدابير المطلوبة بهدف الحفاظ على الهدوء وسلامة الجمهور. ولكن للأسف لم أنجح بذلك، وها أنا بصدد منح قراري".
انزع من الديمقراطية حرية التعبير عن الرأي، ونزعت الديمقراطية جمعاء!!
وأردف قائلا في قرار المحكمة: "بعد أن نظرت في ادعاءات ممثلي الطرفين، وليس بدون تردد ما، قررت أن أرفض الطلب، وسأفسر ذلك. مقبول على الجميع أن حرية التعبير عن الرأي هي احدى الأسس المبني عليها الحكم الديمقراطي. انزع من الديمقراطية حرية التعبير عن الرأي، ونزعت الديمقراطية جمعاء. صدق ممثل المدعي بإدعاءه أن الحاجة لحماية حرية التعبير عن الرأي تبرز بشكل خاص في تلك الحالات المثيرة للخلافات والنقاشات، وبأقوال قد تغضب وتثير حفيظة أجزاء مختلفة من المجتمع، التي يقولها عادة شخص معدود على الأقلية. لذلك، عندما يكون الجمهور الغاضب يهدد حرية التعبير يجب كبح هذا الجمع الغاضب وليس حرية التعبير عن الرأي. ولكن حرية التعبير عن الرأي ليست وحيدة، وعليها بعض الحدود. فبالامكان تقييد حرية التعبير عن الرأي عندما يكون الاحتمال أقرب الظن الى المس الحقيقي والفعلي بسلامة الجمهور".
يحق للجامعة أن تتخذ هذا القرار
وواصل قرار المحكمة: "في الحالة التي أمامي، أعتقد أنه في ظل الخبرة مع السيد محاجنة (الشيخ رائد صلاح)، إن كان عبر كلماته التي ألقاها سابقا داخل الجامعة، وكما يظهر من قرارات المحكمة بخصوصه، التي تم إرفاق نسخ عنها الى رد المدعى عليها، هناك احتمال كبير للمس بسلامة الجمهور، ولذلك يحق للجامعة أن تمنعه من دخول حرمها. لا شك أن هذا يشكل مسّا بحريّة السيد محاجنة بالتعبير عن رأيه، بمعنى أنه لم يسمح له أن يلقي أقواله داخل الجامعة، ولكن حتى لو اعتبرت أن الجامعة هي جسم "ذو وجهين"، الذي تسري عليه قوانين القانون الجماهيري، ما زالت السلطة والحق لضمان يوم دراسي تقني في حرمها، يقع عليها، وعندما يوجد احتمال كبير للمس بسلامة الجمهور، يحق للجامعة أن تتخذ القرار الذي اتخذته".
جامعة حيفا لم تنجح في تلقين الطلاب قيمة التسامح
ويؤكد القاضي كوهين في قراره أن جامعة حيفا لم تنجح في تلقين الطلاب قيمة التسامح، وهذا أمر هام جدا، يجب التطرق له في انتقاده لجامعة حيفا، فقال القاضي: "أقبل أقوال ممثل المدعي، أن الجامعة لكونها، مكان من المفروض ان يسمح بإبداء آراء مختلفة ومضادة، وحتى إن لم تكن مقبولة ومغيظة، بالامكان القول أن الجامعة لم تنجح في تلقين الطلاب الجامعيين الذين يدرسون لديها قيمة التسامح المطلوبة لسماع آراء غير اعتيادية، لدرجة أنها تخاف من المس بسلامة الجمهور. هذا الأمر هو شهادة فشل للجامعة ولطلابها. ولكن، رغم ذلك لا أفصل احتمال أن تكون كتلة اقرأ الطلابية قد قررت دعوة السيد محاجنة بهدف إشعال الاجواء، ورفع قيمته بين بقية الكتل الطلابية الفاعلة في الحرم الجامعي".
الطالب ابراهيم خطيب: يوم الأربعاء ستتم الفعالية، ضد العنصرية، وضد هذا القرار الظالم والمجحف ضد الشيخ رائد
من جهته عقّب الطالب ابراهيم خطيب، مسؤول كتلة اقرأ في جامعة حيفا على هذا القرار قائلا: "إن جامعة حيفا والمؤسسة الاسرائيلية كلها تجسّد العنصرية. قلنا لهم كفى للعنصرية وللقوانين العنصرية، ولكن جامعة حيفا قالت كذلك نحن نريد الكفى، نحن قلنا كفى لجامعة حيفا وعنصريتها، ونحن نرى أن المحكمة كذلك عنصرية. كفى لعنصرية المؤسسة الاسرائيلية بكل أذرعها، إن كانت الجامعة وإن كانت الكنيست وإن كانت المحاكم. نحن نقول أننا كطلاب في جامعة حيفا، كإقرأ، سنستمر في نضالنا الطلابيّ، سنستمر في دعوة قيادتنا السياسية، سنستمر في دعوة الشيخ رائد وكل قياداتنا السياسية. يوم الأربعاء ستتم الفعالية، ستكون فعالية ضد العنصرية، ضد هذه القوانين العنصرية، وضد هذا القرار الظالم والمجحف ضد الشيخ رائد. يوم الأربعاء سنقول أن الشيخ رائد مُنع، ولكننا كطلاب عرب سنستمر في نضالنا وسنستمر في استضافة قياداتنا وسنستمر بالعمل ضد القوانين العنصرية، وهذا الاجحاف والعنصرية القائمان في الجامعة والمؤسسات الاسرائيلية".
القاضي ورغم رفضه طلب اقرأ، لكنه تكلّم عن فشل جامعة حيفا
أما المحامي عمر خمايسي فقال في تعقيبه على القرار: "جامعة حيفا أقدمت على اتخاذ قرار بمنع الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الاسلامية من حضور فعالية تنظمها حركة "اقرأ"، ولكن هناك ايضا مدعويين آخرين للفعالية، منهم رئيس لجنة المتابعة والمتحدث باسم الحركة الاسلامية. فالمحكمة رأت أن الفعالية لا تلغى، ولكن قبلتها جزئيا، فسمحت للجميع الحضور بينما منعت الشيخ صلاح من ذلك، لأن دخول الشيخ في مرات سابقة للجامعة، تدعي الجامعة أن ذلك أحدث نوعا من عدم الاستقرار، والفوضى والاخلال بالنظام، والتي تبيّن أنها أكاذيب، وفقط الجامعة أرادت أن تغطي قرارها العنصري ومنع الشيخ رائد من لقاء الطلاب العرب وإسماع رأيه بالنسبة للقوانين العنصرية. جامعة حيفا للأسف الشديد، انضمت تحت مظلة المؤسسات العنصرية في طلباتها، حيث القاضي بدأ قراره بالحديث عن تردده في اتخاذ هذا القرار. وهذا يعني أن احتمالات القبول كانت موازية لاحتمالات الرفض. ولكنه في النهاية تحدث أن المنع هو فقط للشيخ رائد، وأن الفعالية ستتم كما كان مخططا لها".
وواصل حديثه قائلا: "هذا القرار يعتبر سيئا، لجامعة حيفا ايضا. اذ يؤكد القاضي أن الجامعة فشلت في تعليم طلابها وبالأخص اليهود قيم التسامح واحترام رأي الآخرين وحرية التعبير عن الرأي. فالقاضي ورغم رفضه طلب اقرأ، لكنه تكلّم عن فشل جامعة حيفا، المعهد الأكاديمي الذي يتفاخر بالتسامح، في مهمته، التي من المفروض أن تحافظ عن حق التعبير عن الرأي في مؤسسة أكاديمية. وبذلك هذا أمرا مخزيا لجامعة حيفا ولإدارتها وطلابها أيضا".
هذه المؤسسات بعيدة كل البعد عن الديمقراطية وعن حق التعبير عن الرأي
وأضاف خمايسي قائلا: "هذا القرار مخز لجامعة حيفا، ولا أريد أن أقول أنه مخزٍ أيضا للمحكمة، لكنه هذا القرار لن يشرّف محكمة من المحاكم الاسرائيلية، أنها كتبت قرارا تقيّد فيه حرية التعبير عن الرأي بينما نرى أن اسرائيل تنادي دوما بأنها دولة ديمقراطية وتتفاخر بذلك، حتى أن عدو أمريكا اللدود بالنسبة لهم محمود أحمدي نجاد، رئيس الجمهورية الايرانية، سمحت له الولايات المتحدة أن يحاضر في أفخم وأكبر الجامعات فيها دون أي منع. كان هناك الرأي والرأي الآخر، ولكن هنا هذه المؤسسات لم ولن تصل لهذه المرحلة المتقدمة، لأنها بعيدة كل البعد عن الديمقراطية وعن حق التعبير عن الرأي عندما يكون الأمر متعلقا بالأقلية العربية في البلاد".
وواصل حديثه قائلا: "عندما يكون هناك منع آخر لأي شخصية أخرى هذا لا يعني أننا رفعنا الراية البيضاء، سنستمر في نضالنا، وهذه معركة من معارك الطلاب الجامعيين. نحن نشد على أيديهم ونقول أن هذه معركتنا مع مؤسسات عنصرية. اليوم العنصرية لا تقتصر على الكنيست فقط، بل طالت الجامعات أيضا، فهذه قرارات بغطاء وقبعة مليئة بالعنصرية. سواء أن صدرت عن جامعة حيفا أو أي جامعة أخرى تقوم بمنع قيادي من قيادات وسطنا العربي أو المجتمع العربي، بإسماع رأيه. يحق للطالب العربي أن يستمع لأقوال قياداته، ولا يعقل أن تقترح علينا الجامعة كذلك الأمر المحكمة، بأن نساوم على قياداتنا. فقالت الجامعة والمحكمة ايضا أنها مستعدة لإدخال أي شخص آخر غير الشيخ رائد، فنحن غير مستعدون للمساومة على قياداتنا. هذه قياداتنا وهؤلاء هم من نريد أن نسمعهم! لا نريد أن نسمع ليبرمان"!!