طانس فرح
يقدّم مسرح "الميدان" في حيفا، اليوم الجمعة، كوميديا "خادم السيّدين"
للكاتب الإيطاليّ كارلو غولدوني، إنتاجًا مسرحيًّا ضخمًا وفريدًا من
نوعه، يستحقّ الوقوف عنده.
تعتمد كوميديا "خادم السيّدين" على أسلوب كوميديا "ديل آرتي"، بقوامه
الأساسيّ المنطلق من المواقف المضحكة، التي كثيرًا ما تعتمد على سوء
التفاهم، والشخصيّات شبه السطحيّة، من دون تعمّق مقصود في الأبعاد وما
شابه، مع ممارسة لعبة تبادل الأدوار بين الشخصيّات، ممّا يثير العديد من
الملابسات المضحكة والأقنعة المعبّرة، ويتيح الفرصة للرجال للتنكّر في
زيّ السيّدات، والضّدّ صحيح، مع ضرورة تغيير طبقات الصوت والمنهج الجسديّ
ومرادفات الجنس الجديد للشخصيّة، إلى آخر هذه المتطلّبات المضحكة. كما
يعتمد ممثّل كوميديا "ديل آرتي" على الأداء الحركيّ الجسديّ الصوتيّ
المُبالَغ فيه، والملابس المزدهرة بالألوان، والتصميمات المضحكة بعض
الشيء؛ فكلّ هذه المواصفات الجامعة تُغنينا عن تحليل عناصر لغة الكوميديا
المطروحة من خلال هذا العرض.
تضمّ كوميديا "خادم السيّدين" ثمانية ممثّلين، من أبرز فنّاني الكوميديا
وتَوْرِية الهجاء والسّخرية (الـ"ساتيرا") في المشهد المسرحيّ المحليّ،
وهم: عامر حليحل، حنّا شمّاس، أيمن نحّاس، عنات حديد، آمال قيس، لنا
زريق، جميل خوري، وزياد بكري، الذين يمثّلون اثنتَي عشْرة شخصيّة مختلفة،
بأسلوب "كوميديا الأخطاء" أو "الكوميديا المجنونة"، اعتمادًا على
التناقضات في سلوكيّات الشخصيّات المختلفة وتضارب أهدافها ومصالحها،
بأسلوب ذكيّ، يحاول الكاتب من خلاله أن يعبّر عن نظرته وفلسفته إزاء
الطبقيّة والجشع والحب والبؤس، بطريقة كوميديّة مضحكة جدًّا؛ والمسرحيّة
من إخراج منير بكري.
"خادم السيّدين"
تحبّ كلاريسا سيلفيو، وتحبّ باتريسيا فلوريندو، ولكنّ تاجر الزيوت،
بانتالوني (والد كلاريسا) يريد أن يزوّج ابنته لفدريكو (وهو أخو
باتريسيا) بناء على وعد قديم، علمًا أنّه – في الوقت ذاته – يريد تزويجها
لسيلفيو (ابن الدكتور لومباردي الغنيّ). تروفلدينو جائع جدًّا، لذا فهو
يخدم فدريكو، غير أنّه ينتهز الفرصة ويخدم فلوريندو، أيضًا، ليكسب المال
القليل ويأكل، إلّا أنّه يقع في "مطبّات" كثيرة ومضحكة بين السيّدين
الموجودين، في المكان والوقت ذاتيهما.
هذا هو بالضبط أسلوب كوميديا الأخطاء، التي تقدّم مجموعة واسعة من
العلاقات والمحادثات والتصادمات بين شخصيّات عديدة ومعروفة مسبّقًا، حتى
تنصبّ في بُوتقة واحدة، لتشكّل حبكة ذكيّة جدًّا تستعرض عبرة مهمّة
بأسلوب كوميديّ رائع.
لماذا "خادم السيّدين"؟
قبل نحو مِائتيْن وستّين عامًا أطلق الكاتب الإيطالي كارلو غولدوني
اصطلاح "خادم السيّدين" عُنوانًا لمسرحيّة كوميديّة لامعة أضحكت الجمهور،
وعلى مدار الأعوام لم تفقد من أهميّتها وعصريّتها، فتمّ إنتاج هذه
المسرحيّة عشرات الإنتاجات حول العالم.
كم هي الشخصيّات الاجتماعيّة والسياسيّة التي تتحلّى بهذه الصفة، عندما
تفقد التوازن النفسيّ والسلوكيّ، وعندما تتمادى، أيضًا، في انتهازيّتها
التي تُفقدها المبدئيّة، كما تُفقدها القيمَ، في الوقت نفسه. فهل أراد
غولدوني أن يسوّغ تصرّف الخادم تروفلدينو الذي يتضوّر جوعًا، لذا تراه
يخدم سيّدين؛ وهل يسوّغ عصرنا بأطروحة خدمة سيّدين؟
أسئلة كثيرة تطرحها المَلهاة بشكل ساخر ومبالغ فيه، ولربّما من خلال
المبالغة، نستطيع أن نتوصّل إلى التّناقضات القائمة في سلوكيّات
الشخصيّات المختلفة، لنصل في النهاية، نحن – المشاهدين – إلى تناقضات
غابت عنّا، حيث في استطاعة المَلهاة، فقط، كشفها.
حنّا شمّاس – د. لومباردي
من بين الممثّلين المشاركين في هذا العمل المسرحيّ، يُطلّ علينا الممثّل
حنّا شمّاس في "خادم السيّدين" بدور الدكتور لومباردي الثريّ (والد
سيلفيو)، الذي يأتي إلى السيّد بانتالوني طالبًا تزويج ابنته لابنه
سيليفيو. فيلتقي الدكتور لومباردي السيّد بنتالوني (من أثرياء البندقيّة
الجدد، الذين يَغْتنون فجأة)، فتختلط الأحداث وتلتبس الأمور، عندما يتّضح
للدكتور لومباردي أنّ السيّد بانتالوني قد وعد بتزويج ابنته كلاريسا
لثريّ آخر (فدريكو)، لندخل في كوميديا أخطاء.
ماذا يحمل هذا العمل المسرحيّ؟
شمّاس: هذه مسرحية إيطاليّة قديمة، للكاتب الإيطالي كارلو غولدوني، كُتبت
عام 1750، أي قبل نحو مِائتيْن وستّين عامًا، حيث كان هذا النّوع الأدبيّ
المسرحيّ (الـ"جانِر") – في حينه – نقلة نوعيّة وتجديدًا في عالم المسرح،
إضافةً إلى طرحه لغة حوار جديدة على جمهور المسرح.
يعتمد العمل، أساسًا، على كيفيّة تقمّص الشخصيّة المتجسّدة على المسرح
وإبرازها. وتعتمد المسرحيّة، أساسًا، على عمل مشترك للممثلين، فهناك
ثمانية ممثّلين يشتركون في هذا العمل المسرحيّ. دور الشخصيّة الرئيسيّة
في المسرحيّة يؤدّيه الممثّل عامر حليحل (شخصيّة الخادم – تروفلدينو) حيث
تدور حولها الشخصيّات الأخرى في المسرحيّة، كلّ واحد منها، من موقعها ومن
خلال تميّزها. إذ يحمل هذا العمل المسرحيّ الكثير من المواقف الكوميديّة،
من خلال صراع الطبقيّة والجشع والحب.
بماذا تأتون إلى المشاهد العربيّ، مع مسرحيّة إيطاليّة كُتبت قبل أكثر
من قرنيْن ونصف القرن؟
نحن نأتي، أساسًا، بالكوميديا؛ فالمشاهِد أو المتلقّي – أيًّا كان –
يتأثّر بكلّ ما يراه أو يسمعه أو يقرأه، من مشاهد يوميّة عبر التلفاز، من
أخبار وأفلام وغيرها، حيث تترك فيه هذه انطباعًا معيّنًا – سلبيًّا أو
إيجابيًّا – فكَم بالحَرِيّ في مثل هذه المسرحية، التي اهتممنا بأن يكون
فيها شيءٌ مثيرٌ، يمكننا الحديث عنه مُطَوَّلًا، له علاقة بالواقع.
إذًا، هناك ربط بالواقع المَعِيش؟
طبعًا؛ فرغم أنّ المسرحيّة كُتبت قبل نحو مِائتيْن وستّين عامًا، أو
يزيد، فهذه الأحداث تقع، أيضًا، في أيّامنا هذه، وفي كلّ مكان، وليس في
البندقيّة (فينيتسا)، فقط. حيث تدور الأحداث حول الطبقيّة، وتصرّف
الأرستقراطيّين، وحول المصلحة والجاه، وحول الجشع والاستعلائيّة، وكلّها
أمور نشهدها، أيضًا، في أيّامنا هذه، وهي واقعيّة إلى أبعد الحدود،
لكنّنا نجسّد ذلك بأسلوب كوميديّ ساخر، من جرّاء الأحداث الحاصلة.
هل تجسّد شخصيّة مختلفة عن الشخصيّات الكوميديّة السابقة التي قدّمتها على المسرح؟
نعم أجسّد شخصيّة كوميديّة لم أجسّدها من قبل. آتي بشيءٍ جديد، شيءٍ فيه
نوع من التحدّي. ورغم أنّ الدور الذي اُؤدّيه ليس مركزيًّا في العمل
المسرحيّ، لا يعني هذا شيئًا بالنسبة إليّ، فحتّى لو وقفت دقيقة واحدة
على المسرح، فهذا بحدّ ذاته تحدٍّ، حيث إنّني في هذه الدقيقة أعطي أفضل
ما عندي، فأحيانًا، وعندما يكون الدور صغيرًا، يتطلّب ذلك تحدّيًا أكبر،
فعليك أن تعطي أفضل ما عندك، عليك أن تعطي، دائمًا، أقصى ما عندك.
هل ترى، إذًا، أنّ هذه الشخصيّة أضافت شيئًا إلى مسيرتك الفنيّة؟
طبعًا، هذا العمل باعتبار درس جديد؛ درس في العمل، في المسرح، في الفنّ،
في العلاقات بين الممثّلين؛ فكلّ عمل مسرحيّ، حتّى إذا كان صغيرًا – كما
ذكرت، آنفًا – يضيف إلى المسيرة المسرحيّة، من دون أدنى شكّ.
شمّاس يتحدّى
كيف وجدت التعاون مع الطاقم؟
بصراحة، الجميع كان يعرف ما المطلوب منه وما يتطلّبه العمل، لذا جاء
العمل متكاملًا. عملنا، نحن – الثّمانية ممثّلين – بكلّ تحدٍّ وجِدّيّة؛
فساهمنا، جميعًا، في إنجاح هذا العمل المسرحيّ، وفي إبراز طاقة الممثلين
وإنجاح الممثّلين أنفسهم؛ حيث إنّ نجاح العمل يعود إلى نجاح الممثّلين
والمخرج والطاقم المساعد، ما يؤدّي في الأخير إلى نجاح عمل مسرح
"الميدان" ككلّ. أنجزت المَهَمّة مع زملائي بشكل مهْنيّ، على الصُّعُد
كافّة. وقد سادت أجواء أخويّة لذيذة بين طاقم الممثّلين في المسرحيّة،
ولكنّ الأساس كان العمل، معًا، بجِدّية من أجل إنجاح هذا العمل؛ فنجاح
العمل – في الأخير – نجاح للجميع.
ويضيف شمّاس: لا بدّ أن يتوتّر الممثّل قليلًا أو يُشحن، فهذا طبيعيّ في
كلّ عمل مسرحيّ جديد. ولدى عملك مع طاقم ممثّلين تبحث وتكشف، دائمًا، عن
أشياء جديدة وجميلة وتحدٍّ جديد، كما تسعى، دائمًا، للتحسين. العمل
الكوميديّ ليس سهلًا، كما تعتقد الغالبيّة؛ فهو تحدٍّ للممثّل ذاته. ففي
الواقع، تحتاج الكوميديا إلى الكثير من الدقّة، كما أنّها تضمّ تفاصيل
صغيرة عديدة، وليست مسألة مفهومة ضِمنًا؛ فأنا لا أستخفّ بأيِّ دور أقوم
به، وكأنّه مفهوم ضمنًا، ولا أوهِمُ نفسي بأنّ الجمهور سيأتي لمشاهدتي،
وسيملأ القاعات لأنّه يحب حنّا شمّاس وما يقدّمه، بل إنّ ذلك يزيد
الحِمْل على كاهلي ويجعلني أواجه مسؤولية أكبر؛ حيث إنّني، دائمًا، أفكّر
في ما سأقدّمه بعد عملي الأخير، على ألّا يقلّ أهميّة أو قيمة عمّا
قدّمته سابقًا، وهذا هو التحدّي مجدّدًا. أطمح، دائمًا، إلى تقديم الأفضل
لأتحدّى نفسي. أفكّر، دائمًا، كيف يُمكنني أن أفاجئ نفسي في العمل
القادم، وهذا ما أبحث عنه، فعلاً، أن أفاجئ نفسي وأقدّم شيئًا جديدًا، لم
أقدّمه من قبل، حتّى لو كان دورًا صغيرًا؛ فما يهمّني هو مفاجأة نفسي
لأفاجئ المشاهد وألقى استحسانه.
مشروع مسرحيّ مُعالج
هل لديك أعمال أخرى، عدا مشاركتك في "خادم السيّدين"؟
هناك عدّة أعمال، فهناك مشروع بدأته مع منتدى الجنسانيّة في حيفا، ومشروع
مع مدرسة "الأمل" لذوي الاحتياجات الخاصّة في إعبلّين، وهو مشروع مسرحيّ
قُدّم في شهر آذار المنصرم، حيث اخترت عددًا من الطلّاب وعملنا، معًا،
على مسرحيّة وقدّمناها.
عن أيّ جيل تتحدّث؟
راوحت أعمار ذوي الاحتياجات الخاصّة بين العاشرة والعشرين. وكما تعلم،
فبما أنّهم من ذوي الاحتياجات الخاصّة، فهم يُعانون محدوديّة في الحركة
والفهم والتفكير، غير أنّ هذا المشروع لاقى نجاحًا كبيرًا، كما لاقى
استحسان إدارة المدرسة ومديرتها. وعلى أثر نجاح هذا المشروع، طلبت منّي
المديرة الاستمرار فيه، حيث سأعمل على مشروع ثانٍ وثالث. لم أتوقّع،
قَطّ، أنّني سأعلّم مسرحًا وأنّني سأخوض تجربة كهذه مع الطلّاب، أنا سعيد
جدًّا بهذه التجربة، فعلاً.
كيف كان إقبال الطلّاب على هذا المشروع؟
لقد تجاوب الطلّاب ورحّبوا بالفكرة كثيرًا، لم يتوقّع أحد هذا النجاح،
رغم أنّه لم يستمرّ أكثر من شهرين. فُوجئ الجميع باستطاعتي التأقلم مع
الطلّاب والتقرّب منهم، والتواصل معهم. حتّى إن الطلّاب أنفسهم، كانوا
يسألون، دائمًا، عنّي، ويتوقون إلى عمل مسرحيّ آخر. لقد تعلّقت بالطلّاب
وهم تعلّقوا بي كذلك. أفكّر مليًّا في أن أوسّع نطاق المشروع أكثر. كما
أنّني، حاليًّا، أكتب بعض النصوص، ولديّ بعض المشاريع، وأتعامل، كذلك،
مع مسرح "جبينة" في نطاق تمثيليّ في الأساس، علمًا أنّ إمكانيّة الكتابة
والإخراج قائمة.
وماذا بالنسبة إلى الإخراج، فعلاً؟
أحب، دائمًا، خوض هذا المجال. ليست هناك، حاليًّا، أعمال خاصّة، لكنّ
الإمكانيّة واردة، علمًا أنّ عملي مع "الميدان" والمنتدى والمسرح يشغلني
كثيرًا، ومن الصعب حمل بطيختين بيد واحدة.