اعمالكم احصيها لكم بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 25/02/2021

اعمالكم احصيها لكم
الشيخ رشاد أبو الهيجاء
إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي
نردد كثيرا على مسامع الناس حديث رسول الله الذي رواه البخاري والذي يقول فيه الرسول ( لن ينجي منكم أحدا عمله . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته , فسددوا وقاربوا , واغدوا وروحوا , وشيء من الدلجة . والقصد القصد تبلغوا ) والبعض يعترض مستغربا من هذا الحديث لفهمهم ان الاعمال الصالحة هي المنجية يوم القيامة ومما استفزني وحثني للكتابة حول هذا الموضوع ان احدهم قال إذا كان العمل لا ينجي فلماذا نعمل ؟ ولكن الفهم الصحيح لهذا الحديث يقول : ان المؤمن يعمل ولا يغتر بعمله . لان العمل مهما كان عظيما فإن عظمة الله اكبر ولذلك اعمالنا جميعا لا توفي الله حقه ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) فنعم الله علينا لا يمكن عدها وتتضائل أمامها جهود الانسان واعماله فلو أراد ربنا ان يعاملنا بعدله لتغلبت النعم على الاعمال ولما استحق احد دخول الجنة وزد على ذلك ان ( كل ابن آدم خطاء ) فعندها لا يستحق الانسان الى النجاة بعمله فلا يبقى لنا الا فضل الله ورحمته . ثم إن الدنيا بما فيها لا قيمة لها عند الله كما قال رسولنا الكريم ( لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها شربة ماء لكافر ) وان عظمة الاعمال تكون بمدى الإخلاص فيها لله تعالى قال تعالى ( وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) لذلك المؤمن يتعلق بشكل دائم برحمة الله فيجعل العمل سببا لتحقيق الرحمة والقبول لان الله جعل العمل سببا لدخول الجنة . ولم يجعل العمل موجبا لها لذلك قد يعمل المرء عملا بسيطا لا اعتبار له عند الناس يجد القبول عند الله فيدخل صاحبه الجنة مثال ذلك (قال رسول الله : لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين ) او قوله ( تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك ) وقوله ( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش , فوجد بئرا فنزل فيها فشرب , ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش , فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني , فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم امسكه بفيه , حتى رقى فسقى الكلب , فشكر الله له فغفر له , قالوا : يا رسول الله ان لنا في البهائم اجرا ؟ فقال : في كل كبد رطبة اجرا ) ويستدل من هذه الاحاديث وغيرها ان العمل الصالح يكون سببا لمرضاة الله فإن رضي الله من العبد قبل منه عمله وأغدق عليه من رحمته وفضله قال تعالى ( تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) مغفرة الذنوب ودخول الجنة كان سببه العمل الصالح الذي يرضي الله فلما يتغمد الله عباده بالرحمة ويدخلهم الجنة يقولون ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا نهتدي لولا أن هدانا الله ) وعندها يزيدهم الله ويوسع عليهم برحمته ويزيدهم من كرمه فيضيف العمل الطيب اليهم فيقال لهم وهم في نعيم الجنة ( تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون ) فيكون العمل سببا لدخول الجنة لا موجبا لها لأن الانسان منا مهما قدم من اعمال طيبة وكان دائما مفتاحا للخير مغلاقا للشر لن يوفي الله حقه ولن يعصمه ذلك من التقصير والذنب فان رحمنا الله فذلك من فضله وقد جاء في الحديث القدسي ( يقول الله عز وجل للجنة : انت رحمتي , ارحم بك من اشاء من عبادي ) وكما قدمت الثواب على العمل والدخول للجنة يطرح سؤالا مهما يجب النظر فيه والاستعداد الى الجواب القاطع عليه وهو : هل قبل الله منا اعمالنا ؟ نحن نطمع بذلك ولسنا على يقين لذا نطلب رحمة الله قال احد الصالحين ( لا تثق بكثرة العمل , فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا , ولا تأمن ذنوبك , فإنك لا تدري هل كفرت عنك أم لا , إن عملك مغيب عنك كله , لا تدري ما الله صانع فيه ) وهنا لابد من لفتة وهي ان هذا الحديث ليس فيه دعوة للتكاسل , او لترك العمل ولكن فيه دعوة لمتابعة العمل مع الإخلاص , لذلك فرض الله علينا العبادات والقربات ووجوه المعاملات التي يرتضيها دون مغالاة وتشدد بل بيسر وسهولة لذلك تمم الرسول حديثه بقوله ( سددوا وقاربوا ) بمعنى لا تهكلوا أنفسكم بما لا تطيقون من الاعمال ولا تتركوا واجبا اوجبه الله والى ذلك أشار رسول الله في الحديث الذي روته ام المؤمنين عائشة الذي قال فيه ( سددوا وقاربوا , واعلموا أنه لا يدخل الجنة احد منكم عمله , وان احب الاعمال الى الله أدومها وإن قل ) فدوام العمل واستغلال أوقات العبادة والبحث عن الاعمال التي يحبها الله والعمل بها هي الطريق الأفضل للوصول الى رحمة الله مع سلامة القلوب لذا قال احد السلف( ما سبقكم أبو بكر بكثرة الصوم ولا الصلاة , ولكن بشيء وقر في صدره والنصيحة للأمة وذم النفس )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *