عَلَمٌ في رأسِهِ نار…بقلم رشدي الماضي

مراسل حيفا نت | 19/01/2021

عَلَمٌ في رأسِهِ نار…
رشدي الماضي
فيلسوف فرنسي، جزائري الأَصل، في رأسِهِ!!! الرَّجل هو العَلَم بالطَّبع، وأمّا النّار فهي الفلسفة التَّفكيكيّة التي أشعلت وتواصل إشعال الحرائق في التراث الفلسفي الغربي بصفة إجماليّة، وفي مختلف تيّارات الفلسفة الفرنسيّة بعد الحرب العالميّة الثّانية بصفة أَخصّ…
فالحديث عن المفكّر جاك دريدا اقتحم الحياة الثَّقافيّة الفرنسيّة بثلاثة كتب صدرت دفعة واحدة في العام 1967: “عن الكتابيّة”، “الكتابة والاختلاف”، و”الكلام والظّواهر”…
منذ ذلك العام أعلاه، واصل دريدا العمل على تطوير أفكارَهُ التي ضمَّنها ثلاثيته، إلّا أّنَّهُ في مرحلة لاحقة قرّر ولوج عالم السياسة، فأصدر عددًا من الأعمال الهامّة في سياسة الصَّداقة، وسياسة الضّيافة وسياسة ماركس… وكُلّها ارتكزت على نقد راديكالي تقويضي لافتراضات الميتافيزيقيّة، محاولة ً منه تأسيس المعرفة على قواعد وضعية منهجيّة…
رأى فيلسوفنا أنَّ جميع النّظريّات الغربيّة الخاصّة باللغة، والتي تشمل الثّقافة الغربيّة بأَسْرها، قائمة على مركزيّة كلاميّة، أي قائمة على الحضور الميتافيزيقي… وهي هكذا لأنّها تقوم على مركزيّة صوتيّة، بحيث تُعْطي الأولويّة للصّوت وليس للكتابة…
وحين أدركَ بحديثهِ مصطلح “الحضور” أيّ المدلول المُتَسامي” في حركة الخطاب اللغويّ، ركّز بِطَرْحِهِ المُتشكّك على عدم القبول بمبدأ “المركزيّة الصّوتيّة” بشكل خاصّ، مُذكّرًا أنَّ مغزى الكلمات التي ينطق بها المتكلّم هو المغزى الوحيد الذي يُصْبح حاضرًا وتامًّا في وعْيهِ…
والمعروف، أنًّ نظريّات دريدا التّشكيليّة مُسْتَمِدة من أبحاث اللّساني السويسريّ فردينان دو سوسور، والتي تقول: بأَنَّ العناصر الكلاميّة والكتابيّة، أيّ “الدال والمدلول” تُدين بهويّة دلالاتها، ليس إلى سِماتها الوضعيّة أو الموضوعيّة، بل إلى اختلافها عن سواها من أصوات كلاميّة، وعلامات كتابيّة، أو حتّى تصريحات مفهوميّة… فسجّل دريدا مؤكّدًا، أنَّ المعنى، في حركة الخطاب اللّغوي… يُولد عن طريق دخولِهِ في حالة اختلاف مع عدد لا حصر له من المعاني الأخرى البديلة…
طبعًا، طبَّقَ دريدا هذه المبادئ على قراءاتِهِ النّقديّة للتُّراث الفلسفي الغربي بأسْرِهِ، فتركَ مبضَعَهُ النّقديّ يُمارس تفكيكا واسع المدى على عشرات النُّصوص نافيًا عنها صِفَة المعصوميّة داخل “قوانين اللّعب الخفيّ والخبيث بين الدّال والمدلول”…
هذا، ولا يخفىى على قارئ دريدا ونظريته الفكريّة والنَّقديّة، التفكيكيّة، بأنّهُ فيلسوف، حاضر من خلال مختاراته، في المشهد الفكري – الأكاديمي الأمريكي – حتّى ليمكن القول: إنَّ الشَّمس الأمريكيّة لا تغيب عن أفكارهِ…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *