كرنفال للفكر والإبداع في معرض لندن للكتاب 2011

مراسل حيفا نت | 09/04/2011

 تحيي لندن إحدى أكبر حفلاتها الأدبية السنوية خلال معرض الكتاب الذي يقام في مركز ايرلز كورت في قلب المدينة أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء. «إيلاف» أعدّت هذا التقرير الذي يلقي الضوء على هذه المناسبة المهمة على نطاق الدنيا.

صلاح أحمد من لندن: معرض لندن للكتاب مهرجان أدبي حاشد يقام في ابريل / نيسان من كل سنة، ويعتبر بين الأكبر من نوعه في العالم. وقد ظل يتنامى في السنوات الأخيرة، بحيث صار يجتذب حوالى 23 ألفًا من دور النشر والترجمة والمكتبات والوكلاء الأدبيين والقائمين على شؤون المكتبات العامة وتكنولوجيا النشر الحديثة من أكثر من 100 دولة حول العالم.

أضف الى هؤلاء بالطبع المهتمين بشؤون الفكر والإبداع الأدبي وآخر ثمرات المطابع من الزوار. وبينما كان المعرض يقام في مركز اوليمبيا للمعارض في غرب لندن حتى العام 2005، نقل بعدها الى مركز إكسيل للمعارض في شرقها. لكن هذا الموقع لم يجتذب الزوار كما ينبغي، فنقل الى مركز ايرلز كورت للمعارض في غرب لندن مجددًا في 2007 وصار منذ ذلك الوقت هو مقره السنوي. وسيعقد معرض العام الحالي في هذا المركز على مدى ثلاثة أيام بدءا من الاثنين الحادي عشر من الشهر.

غزوة روسية
بغض النظر عن الجانب التجاري للمعرض وصفقات البيع والشراء وتبادل العقود، فسيركز العام الحالي بشكل خاص على الأدب الروسي. وهو بهذا يحتفل بـ«العودة الى النهضة الأدبية الروسية» التي ظل يشهدها على مدى العقد الماضي أي منذ بزوغ القرن الجديد. وينظم المعرض هذا البرنامج بالاشتراك مع «المجلس البريطاني».

وستُعرض في برنامج خاص يسمى «ضوء على السوق الروسية» أهم الروايات وسط تلك التي ترجمت من الروسية الى الانكليزية خلال فترة السنة منذ معرض 2010. وداخل هذا الإطار فهو يحتفل بالروائي الروسي بوريس أكونين (55 عاما) الذي يعتبره الجمهور الأدبي والنقاد العالميون أحد أهم الكتّاب الروس المعاصرين.

وبلغت أهمية مساهماته الروائية حد أنه قورن بعمالقة مثل غوغول وتولستوي وآرثر كانون دويل. وقد باع من سلسلة رواياته البوليسية «إيرست فاندورين» (المحقق الروسي الخيالي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين الذي يعتبر «شرلوك هومز الروسي») أكثر من 18 مليون نسخة في روسيا وحدها.

وسيكون أكونين نجم البرنامج الروسي في المعرض و«كاتب اليوم» في يومه الثاني، الثلاثاء، ومشاركًا في مختلف فعالياته. وسيلقي في هذا اليوم المحاضرات عن أعماله وهمومه ويروّج لكتبه التي تحمل توقيعه ويجيب عن أسئلة الزوار.

يذكر ان «بوريس أكونين» هو الاسم الأدبي المستعار لغريغوري شخارتيشفيلي، وهو – إضافة الى كونه روائيًا فذًا – مترجم (للأدب الياباني الى الروسية والعكس) وكاتب مقال. وهو جورجي من جهة أبيه وروسي يهودي من جهة أمه. لكنه يعتبر روسيًا، لكون ولادته ونشأته وثقافته روسية، وما زال يعيش حتى الآن في موسكو.

 ومن روايات أكونين التي سيروّج لها في معرض لندن للكتاب 2011 آخر حلقة في سلسلة ايرست فانورين بعنوان «عاشق الموت». وتحكي الرواية عن وقوع ايرست في غرام امرأة كُنّيت «الموت» بسبب وفاة كل من أقام معها علاقة عاطفية في ظروف غامضة هي المصدر الذي تستمد منه الرواية موضوعها.

الجائزة الكبرى
إضافة الى البرنامج الروسي، يقدم المعرض «جائزة الإنجاز مدى الحياة» التي يشرّف بها أحد عمالقة النشر الدولي وتتولى شؤونها دار «إس بي إس ويرلدوايد» بالاشتراك مع «رابطة الناشرين».

وستكون جائزة العام الحالي هي الثامنة في تاريخ المعرض، وستوضع في يد العالم الهندي سوني ميهتا، رئيس التحرير في دار «ألفريد ايه كنوبف» الأميركية التي تأسست العام 1915 في نيويورك لتصبح إحدى أكبر مؤسسات النشر في العالم اليوم.

وقد اشتهر ميهتا بأشياء عدة، ربما كان أبرزها قراره الشجاع في 1991 نشر الرواية المثيرة للجدل American Psycho «السيكوباتي (المجنون) الأميركي» لمؤلفها بريت ايستون ايليس. وكانت دار «سايمون آند سوشتر» قد رفضت نشرها بسبب أنها مذكرات قاتل جماعي، تحوي وصفًا غرافيكيًا تفصيليًا للعنف والجنس. 

وترمي هذه الجائزة المهمة لتكريم الشخصية التي اجتهدت أكثر من غيرها لكسر الحواجز في عالم النشر الدولي. وهي لا تقتصر على المشاهير، وإنما تفتح باب الترشح لها أمام كل المساهمين في هذا المجال، سواء كانوا من مدراء دور النشر أو المحررين أو كشّافة المواهب الأدبية أو من لهم أي شكل آخر من أشكال العلاقة بعالم النشر ومن أي من دول العالم أجمع. وترجع الكلمة الفصل فيها للمجلس الاستشاري لمعرض لندن للكتاب، الذي يتألف من كبار الأسماء في عالم النشر الدولي، ويترأسه حاليًا سايمون ماستر، وهو من المدراء غير التنفيذيين لمعرض لندن للكتاب.

عالم إلكتروني
لا يغفل المعرض – في عصر الكمبيوتر والإنترنت هذا – أهمية المنشورات الرقمية. وقد ظل، منذ العام 2009، يخصص لها حيزا كبيرا تشارك فيه للعام الحالي أكثر من 40 من الدور المتخصصة في النشر الإلكتروني، إضافة الى الأذرع الإلكترونية في دور النشر التقليدية.

وستشارك أكثر من 50 شركة من مختلف انحاء العالم بمنتجاتها لهذه السوق المتعاظمة. ومع انتشار القارئات والألواح الإلكترونية من لدن مؤسسات مثل «سوني» و«أمازون» و«أبل» على سبيل المثال، فلا شك في ان الجاذبية التكنولوجية ستضمن اعدادا هائلة من الزوار لهذا القسم «العصري» من المعرض.

ويشهد مركز اوليمبيا للمؤتمرات يوم الأحد السابق لافتتاح معرض الكتاب في مركز ايرلز كورت فعالية خاصة بالنشر الإلكتروني، يشارك فيها المخترعون والخبراء وغيرهم. وسيحفل اليوم بمختلف الأنشطة من عروض للمنتجات الجديدة وأفلام عن منتجات المستقبل المحتملة ومحاضرات وندوات ستقام تحت إدارة ستيفن بيج من دار «فبير آند فيبر» للنشر. وبلغ من ثقة منظمي هذا المؤتمر إزاء التقاطر عليه أن حددوا 335 جنيها (540 دولارا) ثمنا لتذكرة الدخول.

منتجو السينما والتلفزيون
تحت هذا الاسم يجمع معرض لندن للكتاب تحت سقفه المنتجين والوكلاء السينمائيين والتلفزيونيين من مختلف أرجاء الدنيا بأكثر من 300 من ممثلي دور النشر والوكلاء الأدبيين لتبادل المعلومات عن ثمرات المطابع.

والفكرة هي أن المنتجين سيجدون حتما أفكارا مثيرة في منشورات جديدة قد تصلح لاقتباسها وترجمتها الى لغة الكاميرا.

وعلى هذا النحو فإن معرض الكتاب فرصة ذهبية للمنتجين لأنها تتيح لهم التعرف إلى الأعمال الأدبية والوثائقية وغيرها قبل طرحها على العامة في الأسواق. ولكن بسبب «تخصص» هذا المجال ولأنه مؤتمر يهدف إلى لقاء فريقين محددين لهدف تجاري قبل كل شيء آخر، فإن الفرص أمام الجمهور في حضوره محدودة بالمقارنة مع الفعاليات الأخرى.

وللصغار حقهم
مهرجان مثل معرض لندن للكتاب لن ينسى فئة أساسية من القراء تتألف من الأطفال والصبية والمراهقين. بل يمكن القول إن هذه هي الفئة الأهم على الإطلاق، باعتبارها عماد مستقبل صناعة الكتاب والنشر بكاملها.

لهذا فإن أكثر من مائة من الدور الناشرة ستشارك في المعرض، سواء المتخصصة في كتب الصغار أو العامة التي لا تغفل هذا المجال بالضرورة. وربما كان غنيًا عن القول إن فئة الصغار عزيزة الى دور النشر الإلكتروني وصنّاع القارئات واللوحات الإلكترونية لأن هذه تتحوّل شيئا فشيئا الى الوسيط الرئيس بين الكاتب والناشر من جهة، والقارئ من الجهة الأخرى. وفي حال لقي الكتاب الورقي المصير الذي يبتلع الصحافة الورقية رويدًا رويدًا الآن، فسيكون الإلكتروني هو المسؤول أيضا عن هذه الحال.

.. أخيرا
للأسف تظل دور النشر العربية عاجزة عن صناعة الأخبار في المعارض الدولية الرئيسة للكتاب. وبالطبع فإن أحد أكبر العوائق أمام هذه الدور هو افتقارها إلى إنتاجها – الشحيح نسبيًا في المقام الأول – مترجمًا الى اللغات الحيّة الرئيسة، مثلما ان الأعمال المكتوبة بهذه اللغات لا تجد طريقها الى العربية في سوادها الأعظم.

ولنذكر – وفي الحلق غصّة – تقريرًا دامغًا للأمم المتحدة قبل سنوات قليلة في هذا الشأن، يقول إن عدد الكتب الأجنبية التي تترجم الى الاسبانية في سنة واحدة أكبر من عدد ما تُرجم الى العربية على مدى ألف سنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *