إسبانيا… بوابة دخول المخدرات إلى أوروبا

مراسل حيفا نت | 08/04/2011

 يواجه المجتمع الإسباني هاجس ومخاطر إرتفاع إستهلاك المخدرات، وأولها مادة الكوكايين التي لم يتراجع إستهلاكها خلال السنوات الأخيرة رغم الأزمة الإقتصادية التي يمر بها المواطن الإسباني مما جعل إسبانيا تقتلع لقب "بوابة المخدرات في أوروبا"، وتشير إحصائيات حصلت عليها إيلاف الى أن نحو 3 أفراد من كل 100 فرد إسباني قد إستهلك ولو لمرة واحدة مادة الكوكايين مما يضع إسبانيا في المركز الأول على الصعيد الدولي في إستهلاك هذا المخدر الفتاك، رغم ما أبدته مصالح الأمن الإسبانية المكلفة بمكافحة إستهلاك المخدرات من يقظة ومحاربة صارمة لمافيا وجماعات ترويجها.

فالارقام الأخيرة التي أصدرتها الوكالة الدولية للقضاء على المخدرات تشير الى أن إسبانيا تحتل المركز الأول على الصعيد الدولي في إستهلاك مخدر الكوكايين وبنسبة 3,1 بالمائة من تعداد نسمتها متبوعة ببريطانيا التي يبلغ حجم إستهلاك مواطنيها للكوكايين نسبة 2,4 بالمائة من تعداد سكانها و في المركز الثالث نجد إيطاليا بنسبة 2,2 بالمائة ، غير أن ما يثير مخاوف القائمين على محاربة المخدرات في إسبانيا هي  الآثار التي يخلفها إستهلاك الكوكايين على الأشخاص الذين أدمنوا عليها  و التي ترتبط أساسا بإضطرابات في الشخصية والمعنويات الفردية ضف على  ذلك أثار صحية  قد تلحق بهم في المدى المتوسط أو البعيد ، كما أن السلطات الإسبانية سجلت خلال السنوات الاخيرة تراجع سن الإدمان على هذا المخدر ليتراوح ما بين 16 و 17 عاما رغم  غلاء سعره في السوق  الذي يتراوح ما بين 50 يورو إلى 60 يورو للغرام الواحد وهذا حسب نوعيتها المرتبطة بصفائها وعدم خلطها بكمية كبيرة من المواد الكيماوية.

إسبانيا … معبر الكوكايين إلى أوروبا

رغم أن الحكومة الإسبانية قد أعلنت منذ أعوام حربها على مافيا ترويج المخدرات إلا أن التراب الإسباني ما يزال يعد معبرا رئيسيا للكوكايين وبكميات لا تحصى قد تتمكن قوات مكافحة المخدرات من حجز ثلها فقط و البقية تمر من مراكز عبور متعددة إلى البلاد و بقية أنحاء اوروبا و حتى إلى شمال دول المغرب العربي ،و هذا ما يثير العديد من التساؤلات حاولت إيلاف الإجابة عليها من خلال  هذا الموضوع و إستشارتها لبعض رجال الامن في العاصمة مدريد و المكلفين بمكافحة ترويج المخدرات و كأولوية مادة الكوكايين. و يقول  "بيدرو" رجل أمن مختص في مكافحة المخدرات إنه ليس من السهل سد كل المسالك البرية و البحرية امام مافيا ترويج الكوكايين لأن الأمر معقد جدا و ناك مافيا تحرك الملايير من الدولارات من أميركا الجنوبية للمتاجرة في المخدرات ويضيف بأن هناك اجهزة أمنية موزعة عبر أهم المسالك البحرية و المطارات لمراقبة كل تحرك مشتبه وقد تمكنا كما يقول من القضاء على عدة عصابات و إحتجاز كميات ضخمة من مادة الكوكايينا حاولت مافيا المخدرات إدخالها إلى إسبانيا و بطرق مختلفة لا تتصور.

وتشير الوكالة الدولية لمكافحة المخدرات الى أن مادة الكوكايين تعتبر ثاني مادة مخدرة بعد الحشيش التي تستهلك في اوروبا حيث هناك نحو 2 مليون مستهلك للكوكايين في أوروبا ونحو 13 مليون في العالم حسب تقديرات رسمية و تشير الوكالة الدولية الى أن إسبانيا تعد من بين أهم طرق ترويج و دخول الكوكايين إلى أوروبا حيث نجحت قوات الامن الإسبانية خلال العام الماضي في حجز نحو 50 بالمائة من كمية قاربت 35 طن من مادة الكوكايين التي تم حجزها عبر دول الإتحاد الأوروبي، كما تشير الأرقام الرسمية الى أن السلطات الإسبانية تمكنت من حجز نحو 27 طن من الحشيش عبر سواحلها الجنوبية و تقّدر بأن نحو 93 بالمائة كان قادما من المملكة المغربية.

فمافيا المخدرات قد لجأت لإستخدام طرق شتى من أجل إدخالها لمادة الكوكايين من أميركا اللاتنية فحتى فشلها خلال السنوات الاخيرة في تسريبها عبر بواخر الصيد التي تصل إلى إقليم غاليسيا المطل على المحيط الاطلسي فهذا لم يمنعها في تغيير تحركها ونشاطها  لإدخالها عبر ميناء فالنسا وحتى عبر ميناء برشلونة شمال البلاد و هي طرق جديدة ..كما لجأت عصابات ترويج المخدرات إلى تمريرها عبر كميات لا تتجاوز 1 كلغ ينقلها سياح إسبان ومهاجرون قادمون من كولومبيا أو فينيزويلا مقابل نحو 3 آلاف يورو علما أن 1 كلغ قد يصل سعره في السوق إلى 60 ألف يورو فهي مغامرة جنونية و إنتحارية يقوم بها أفراد يطلق عليهم هنا في إسبانيا إسم –بغال- أو- جمال- مهمتهم نقل الكوكايين دون معرفة تفاصيل أخرى مقابل مبلغ مالي بخس و قد يواجهون عقوبة 10 أعوام سجن في حالة القبض عليهم.

التخلص من الإدمان بيد المدمن

خوسي  ميجال غاوناو

يقول الدكتورخوسي  ميجال غاوناو  في حديث لـ إيلاف إن المدمن يعرف متى دخل دوامة الإدمان على مادة الكوكايين لكنه لا يمكنه معرفة متى سيتخلص من هذا الشبح الرهيب القاتل. ويضيف الدكتور  المختص النفسي في مكافحة المخدرات  ورئيس عيادة نوروسالوت المختصة في مكافحة الإدمان على المخدرات بمدريد  إن من بين 10 حالات يعالجها المركز فقط 3 افراد ينجحون بفضل إرادتهم في التعافي والتخلص من هذا المرض و يؤكد لنا على تشخيصها للإدمان على مادة الكوكايين بأنه مرض و ليس كما كان يراها المجتمع سالفا بالظاهرة. و يقول الخبير إن مركز عيادته بستقبل حالات مختلفة في الإدمان على المخدرات وهناك فريق نفسي وطبي يشرف على كل حالة حسب خصوصيتها لكنه يراهن على أن التخلص من الإدمان على الكوكايين يمكن في إرادة المدمن في تركه وتخلصه من هذا الشبح لأنه كما يقول ليس هناك دواء خاص بهذا الإدمان رغم أن الفريق الطبي يستعين ببعض الأدوية المهدئة في علاجه للمدمن والهدف منها إعادة إحداث التوازن في التقييم الفردي لكل مدمن و تهدئة أعصابه لا غير خلال فترة تخلصه من الإدمان.

ويشير الدكتور" غاوناو" الى أن الارقام التي بحوزته تؤكد أن نسبة 5 بالمائة من المجتمع الإسباني  إستهلك مادة الكوكايين ولو لمرة خلال حفلات نهاية الأسبوع و مناسبات أخرى  مع الاصدقاء و يعتبر هذه النسبة بالرهيبة على الصعيد الدولي إذا ما حصرناها  فقط على الأفراد التي تتراوح أعمارهم ما بين 15 عاما و17 عاما.
وحول أسباب هذا الإدمان أو قدوم الشاب الإسباني على إستهلاك الكوكايين رغم غلائها في السوق يرى الخبير بأننا يمكن وصف ظاهرة الإستهلاك بموضة إجتماعية نمت وإنتشرت في  إسبانيا منذ أكثر عن الثلاثة عقود و يقول إن نفسيا هناك حاجة تقود الشباب إلى إتباع هذه الموضة أو التصرف الإجتماعي المقبول لدى العديد من الشباب .. لكن لكل مدمن ومستهلك خصوصيات ودوافع تقوده إلى إستهلاك أولي للكوكايين قبل أن يحسب ضمن المدمينين والاسباب متعددة،  فهناك من يستهلكها نهاية كل أسبوع في ملاه ليلية او خلال لقائه مع الأصدقاء للتعبير عن الفرح أو لدوافع حزن و يأس من واقع إجتماعي أو مهني أو أسري يواجهه في تلك المرحلة …لذلك فإن هذه المراكز الصحية المكلفة بالقضاء على الإدمان تسأل  كل فرد لجأ لمساعدتها إن كان مقتنعا بأن له مشكلة أو أزمة إدمان وعليه أن يبدي بوضوح رغبته في العودة إلى الحياة العادية بدون رجعة رغم مواجهته لحالات إنهيار وعودته بشكل غير متطقع للإستهلاك.

ومن بين الأعراض الصحية التي يواجهها المدمن على مادة الكوكايين إضطرابات في الشخصية وإنهيار رهيب في المعنويات وتقييم الذات مما يقوده كما حدثنا الخبير النفسي إلى مواجهة حالة إضطرابات نفسية مشحونة بالتدمر والإستهلاك العقلي قد يسبب له أزمات مهنية و أسرية لكن الحل بيد المدمن.

عندما يتحوّل الإستمتاع إلى كابوس

ستة أعوام  مرت على جمال و هو مهاجر عربي  -مدمن على  الكوكايين- منذ أن تناول أول- خيط –أو -راية – للكوكايين كما يشاع تسميتها هنا في إسبانيا ليتوه بعد ذلك في دوامة إدمان رغم أنه لم يكن يرى نفسه بأنه مدمن على الكوكايين بل مستهلك فقط يمكن أن يفرمل إستهلاكه وينقطع وقت ما شاء ..لكن جمال أخطأ في حساباته و  أدرك واقعه وأزمته بعد مرور سنوات وهو ما يزال يداوم على إستهلاكه لهذا المخدر ويقول في حديثه لـ إيلاف إنه إستهلك الكوكايين لاول مرة و هو يمر بحالة من الإحباط النفسي بعد أن واجه عدة عراقيل في إندماجه وحياته كمهاجر في إسبانيا-و لا يعتبر ذلك دافعا – و قد إستهلك الكوكايين صدفة عندما كان يعمل في أحد المطاعم بالعاصمة مدريد و بضيف بأن إستهلاكه كان مع نهاية كل أسبوع رغم أنه  في المرحلة الاولى لم يكن بالإستهلاك المداوم بل كان تقريبا مرة في الشهر لكن إستهلاكها اخذ في الإرتفاع مع مرور الزمن ليصل إلى معدلات قياسية لم يكن يتخيلها إطلاقا ويعتبر الكوكايين أنها كانت عشيقته في مرحلة من حياته … و  بعد إدراكه لأزمته إستيقظ من غفوته، و يقول إنه  أهدر أموالا  كبيرة و دخل في إضطرابات نفسية رهيبة إلى جانب مشاكل أسرية مع زوجته التي يؤكد أنها هي التي اصرت على لجوئه إلى عيادة مكافحة الإدمان على المخدرات لإنقاذ حياته قبل فوات الأوان.

جمال.. اليوم مهاجر عربي عاد إلى طريق الصواب رغم أنه ليس مقتنعا تماما لأنه مايزال متخوفا من العودة إلى مواجهة شبح الكوكايين..فهو مايزال منذ نحو 8 أشهر يداوم على العيادة المختصة في مكافحة المخدرات املا في التعافي نهائيا ونسيان هذه التجربة المرة مع الكوكايين التي يقول عنها إن لذتها أمتعته في المرحة الأولية من إدمانه و هذا هو إحساس كل مستهلك لها في الاول ليتحول طعمها إلى مرارة و كابوس لا نهاية له و الحل كما إقتنع به جمال هو إرادة المدمن في التخلص منها و قناعته بأن المخدرات آفة يجب إقتلاعها من  جذورها. وينهي حديثه لـ إيلاف قائلا إسبانيا بلد متعة ولهو وقد ألهتنا وأخطأنا لكنني قررت أن أطوي صفحة الماضي وأنظر إلى المستقبل  وزوجتي وإبني الذي أنتظره قريبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *