مطانس فرح

لدى مروري – كعادتي شبه اليوميّة – في سوق وادي النسناس، ذلك القلب النابض لعرب حيفا، تأكّدت – وكالعادة في كلّ عام – من عدم التزام جماهيرنا العربيّة – والحيفاويّة بشكل خاصّ – الإضرابَ الشامل، احتفاءً بالذكرى الـ 35 ليوم الأرض الخالد.. رغم أنّ ما شهدناه قبل 35 عامًا من سياسة مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، نشهده اليوم، وبوتيرة لم نعهدها منذ سنين؛ فحالنا اليوم، باتت تشبه حالنا بالأمس، فلم تتبدّل كثيرًا. هذا إن لم يكن الوضع أسوأ، بعد سنّ قانونيْن عنصريّيْن كـ"قانون النكبة"، وقانون "الولاء للدولة"! ورغم ذلك جاءت قرارات لجنة المتابعة، واللجنة القطرية، والأحزاب السياسيّة العربيّة، التزامَ الإضراب، في وادٍ، وتنفيذها في وادٍ آخر.. كوادي النسناس – على سبيل المثال لا الحصر – الذي لم تلتزم غالبيّة تجّاره ولا حتّى غالبيّة ساكنيه قرارَ الإضراب. أمّا مدارسنا العربيّة فقد التزمت غالبيّتها الإضرابَ – الأهليّة منها والرسميّة – فلم يتوجّه الطلّاب إلى مقاعد الدراسة، رغم وجود الطاقم التدريسيّ والإداريّ في  المدارس كافّة؛ بأمر من وزارة التربية والتعليم، التي ألزمت طاقمها التربويّ بالحضور ولم تلزم طلاّبها. وفي أحياء عديدة من حيفا فتحت المحالّ التجارّية أبوابها على مصاريعها، خصوصًا في حيّ وادي النسناس، كما ذكرت سالفًا؛ فبدت الحياة عاديّة جدًّا، من دون أيّ رمز ولا حتّى تذكير بيوم الأرض، سوى تظاهرة صغيرة نظّمتها الأحزاب العربيّة، قبل التوجّه إلى المظاهرة الكبرى في عرّابة. فهل تختلف نوعيّة الجماهير العربيّة التي تقطن مدينة حيفا المختلِطة عن بقيّة جماهيرنا العربيّة في القرى والمدن غير المختلِطة، والتي تلتزم، غالبًا، قرارَ الإضراب؟! ألا يجب أن توحدّنا القضيّة ذاتها، وقضايانا الأخرى المشتركة؟!! فعرب حيفا، غالبًا – ولا أعمّم – لا يلتزمون قراراتِ الإضراب، لأنهم يُبحرون مع الموجة.. ويسيرون حسَب قرارات فلانٍ أو علّان، حتّى إن كانت مغايرة لقراراتهم، لمُجاراة الوضع..!! فهل يعيش عرب حيفا في فُقّاعة زهريّة اللون، توهمهم بأنّ الحياة ورديّة، وأنّه لم يبقَ لدينا قضايا نحارب من أجلها أو أراضٍ ندافع عنها؟!! أم أنّ لقمة العيش – في أيّامنا – باتت صعبة المنال؟! وبات الركض وراءها فوق كلّ اعتبار، فتحوّل صراعنا من أجل البقاء على هذه الأرض (العيش) أهمّ من بقائنا في هذه الأرض (الصمود)!! ولكلّ من يتساءَل حول ما إذا التزمتُ أنا شخصيًّا قرارَ الإضراب، أقول بصراحة: كنت مُضطرًّا إلى العمل – حتّى ساعات الليل المتأخرة – لإتمام الرسالة الصِّحافيّة، وإصدار هذا العدد من الصحيفة.. وإلاّ لما كانت صحيفتنا في هذه اللحظات بين أيديكم! وكلّ يوم أرض ونحن وأنتم صامدون.(تصوير: وائل عوض)