في أول رد فعل على خطاب الرئيس السوري، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الخطاب لم يتضمن الكثير ولم يناقش إصلاحات محددة، فيما أعربت فرنسا عن آسفها لكون خطاب الأسد جاء عامًّا جدًا، داعية السلطات السورية إلى تقديم اقتراحات ملموسة للرد على غضب الشعب.
ربيع دمشق: نار في عرين الأسد! |
كانت واشنطن السباقة في التعليق على خطاب الرئيس السوري الأول منذ الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، حيث أعلن المتحدث باسم الخارجية الاميركية مارك تونر أن خطاب الأسد "لم يكن على مستوى الاصلاحات" التي يطالب بها السوريون. وقال تونر "من الواضح ان خطابه كان خاليا من المضمون"، معتبرا انه "خيّب على ما يبدو امال" السوريين.
وقال المتحدث "سوف ندين بشدة اي عنف يمارس على المحتجين"، فيما طالب أعضاء في الكونغرس الرئيس الاميركي باراك اوباما باعتماد استراتيجية جديدة مع سوريا، وبدء دعم المعارضة.
الرئيس السوري أمام مجلس الشعب |
من جانبه، أعرب وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه مساء الاربعاء عن اسفه لكون خطاب الرئيس السوري بشار الاسد جاء "عامًا جدًا"، داعيًا السلطات السورية الى تقديم "اقتراحات ملموسة" للرد على "غضب" الشعب السوري.
وقال الوزير الفرنسي في حديث مع شبكة تلفزيون "فرانس 3": "انه خطاب عام جدًا. لست متاكدًا من انه يلبّي تطلعات، واقول حتى غضب الشعب السوري. يتعين اليوم تقديم اقتراحات ملموسة للاستجابة لتطلعات هذا الشعب".
واضاف "اننا ندعو بقوة السلطات السورية الى المضي في هذا الاتجاه"، مذكرًا بان فرنسا تدين "بقوة استخدام العنف ضد التظاهرات الشعبية". وقال جوبيه ايضا "اليوم لم يعد مقبولاً ان يحصل ذلك. ينبغي الا تستخدم الحكومات بعد اليوم الاسلحة ضد شعوبها عندما تعبّر عن رأيها مطالبة بحريات ديموقراطية".
وردا على سؤال عما اذا كان يمكن ان يفرض على بشار الاسد ما فرض على معمّر القذافي، اجاب جوبيه "لكل وضع خصوصيته". واشار الرئيس السوري الاربعاء الى "مؤامرة" تتعرض لها بلاده، لكنه لم يتحدث عن رفع حالة الطوارئ المعمول بها في سوريا منذ 1963 اثناء اول خطاب علني له منذ بداية حركة الاحتجاج في سوريا في 15 اذار/مارس.
وكان الأسد قد ألقى خطابا امام مجلس الشعب السوري يوم الأربعاء، وعد فيه بإحباط ما أسماه بـ "المؤامرة" التي تتعرض بها بلاده. وتحدث الأسد في خطابه الأول منذ الاحتجاجات الأخيرة عما أسماه بمحاولة إثارة فتنة لتطغى على الإصلاح وتلبية الحاجات اليومية.
وتجنب الرئيس السوري الاعلان عن خطوة ملموسة باتجاه الغاء قانون الطوارئ، واعدًا باجراء اصلاحات "بسرعة من دون تسرع"، ومشيرًا الى ان سوريا تتعرض لمؤامرة "تعتمد في توقيتها وشكلها على ما يحصل في الدول العربية".
كما لم يعلن عن برنامج زمني لسلسلة اجراءات اعلنت عنها الخميس مستشارته للشؤون الاعلامية بثينة شعبان، وبينها اعداد مشروع لقانون الاحزاب، واتخاذ اجراءات لمكافحة الفساد. وقال الاسد ان البقاء بدون اصلاح "مدمّر"، لكنه حذر من ان الضغط للتسرع فيه "سيكون على حساب النوعية". واضاف "نريد ان نسرع، والا نتسرع".
من احتجاجات اللاذقية في الأسبوعين الماضيين |
وتابع ان "التحدي الآن ما هو نوع الاصلاح الذي نريد ان نصل اليه، وبالتالي علينا ان نتجنب اخضاع عملية الاصلاح للظروف الآنية التي قد تكون عابرة لكي لا نحصد النتائج العكسية".
وقال "نحن مع الاصلاح والحاجات، هذا واجب الدولة، ولكن نحن لا يمكن ان نكون مع الفتنة"، معتبرًا ان "وأد الفتنة واجب وطني واخلاقي وشرعي وكل من يستطيع ان يساعد في وأدها، ولا يفعل فهو يشارك فيها".
ويتألف سكان سوريا من غالبية سنية واقليات علوية ودرزية ومسيحية. وارجع الرئيس السوري تاخر الاصلاح في الجانب السياسي الى الاهتمام بالجانب الانساني، وقال "نستطيع أن نؤجّل بيانًا يصدره حزب، ولكن لا نستطيع أن تؤجّل طعامًا يريد أن يأكله طفل في الصباح، نستطيع ان نؤجّل احيانًا معاناة معينة قد يسببها قانون الطوارئ (…) ولكن لا نستطيع أن نؤجّل معاناة طفل لا يستطيع والده أن يعالجه".
واكد الاسد ان حزمة الاجراءات التي اعلن عنها الخميس "لم تبدأ من الصفر"، مشيرا الى ان "القيادة القطرية اعدت مسودات قوانين، سواء في ما يتعلق بقانوني الاحزاب او الطوارئ منذ اكثر من عام". واشار الاسد الى "قوانين اخرى سيتم عرضها على النقاش العام".
وكانت الأنباء قد أفادت بسماع أصوات إطلاق النار في مدينة اللاذقية بعد انتهاء الرئيس الأسد من إلقاء خطابه أمام مجلس الشعب. وقال عصام خوري الصحافي في المدينة لوكالة الأنباء الفرنسية: "لقد سمع صوت الرصاص في حي الصليبي في جنوب المدينة، لكن لم يتم تحديد مصدره بالضبط". وقال بعض سكان المدينة إن سيارة مندفعة قامت بإطلاق النار على معتصمين يرفعون لافتات تقول "لا للفتنة، نعم للسلام والحرية".
فيما قال شهود عيان تم الاتصال بهم هاتفيًا إن قوات الأمن اطلقت النار لتفريق متظاهرين كانوا يعبّرون عن إحباطهم من خطاب الأسد. يذكر أن الجيش السوري قد انتشر بقوة في المدينة التي تبعد 350 كيلومترًا شمال العاصمة دمشق، وشهدت اضطرابات شديدة في الأسبوعين الماضيين.
وقال شهود لـ "الشرق الأوسط" إن مجموعة من السكان في اللاذقية نزلوا إلى الشوارع بعد الخطاب يرددون "حرية" و"سلمية" بعد خطاب الأيد. ونظم اعتصام في حي الصليبة، بينما مشى متظاهرون أمام قصر المحافظ. وأضاف الشهود أن قوات الأمن والشرطة بدأت بإطلاق نار كثيف لتفريق المتظاهرين. وأشار التلفزيون الرسمي من جهته إلى إطلاق نار من قبل "مسلحين"، من دون إضافة أي تفاصيل.
وقالت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير لها من دمشق، إن رد فعل السوريين الذين كانوا يستمعون إلى خطاب الأسد في بيوتهم وفي مقاهي دمشق كان سلبيًا بشكل كبير.
وقال مهندس للصحيفة "هذه نهاية سورية. لم يكن هناك اعتذار ولا وعد بالإصلاح، وهذا يجعلنا أكثر غضبًا. كان يمكنه على الأقل الاعتذار عن القتلى". وقال رجل آخر للصحيفة: "الخطاب كان من دون معنى، وأعطى القوات الأمنية الضوء الأخضر لكي تكمل قمعها شعبنا. الأسد يستعمل الخوف والطائفية كأداة للتحريض".
وذكرت "الغارديان" أيضًا أن حتى مؤيّدي الأسد قد يكونون خسروا من خطابه أمس. ونقلت عن رجل أعمال مسيحي قوله: "الكثير من البعثيين كانوا يهنئونني اليوم لرفع قانون الطوارئ، ولكن الآن هم خاليو اليدين في مواجهة الشعب السوري".
وتظاهر مئات المواطنين السوريين في بيروت وفي منطقتي جنوب لبنان والبقاع (شرق) بعد ظهر الاربعاء تأييدًا لخطاب الرئيس السوري. وتجمع حوالي 150 سوريا قرب السفارة السورية في غرب بيروت بعد انتهاء الرئيس السوري من خطابه امام مجلس الشعب، حاملين صور بشار الاسد، وهاتفين "الشعب يريد بشار وبس".
من جهة ثانية، اعتبر هيثم المالح الناشط السوري من اجل الحقوق المدنية ان الخطاب الذي القاه الرئيس السوري خيّب الامال بالاصلاح السياسي في سوريا، وينذر بمواصلة قمع التحركات الاحتجاجية في هذا البلد. وقال المالح ان الاسد "لم يقل شيئا، سبق وسمعنا هذا الخطاب. يقولون دائما ان هناك حاجة الى التغيير والقيام بشيء ما، لكن الواقع انه لا يحصل اي شيء".
وقال الناشط البالغ من العمر ثمانين عامًا "اننا دائما تحت ضغط الخارج. هناك اسرائيل والغرب والقوى الاجنبية. نسمع هذه القصة منذ عهد والده".
وحذر من ان المعارضة السورية "ستباشر حركة اضرابات، وستدعو الى تظاهرات جديدة اعتبارا من الجمعة". وقال "التظاهرات ستتواصل. طلبنا تغييرات، حريتنا، الديمقراطية. لم يتغير شيء، والآن لا خيار امامنا سوى النزول الى الشارع، مضيفا ان "تسونامي التغيير الذي انطلق من تونس سيطال كل دول المنطقة، بما فيها سوريا".
واعتبرت منظمة العفو الدولية الاربعاء ان الرئيس السوري بشار الاسد فوّت في خطابه "فرصة فعلية لرفع حالة الطوارئ". وقال فيليب لوثر المدير العام المساعد للمنظمة لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا "لقد فوّت فرصة فعلية لرفع حالة الطوارئ" وهو "بربطه اعمال العنف بوجود مؤامرة اجنبية، انما يوصد الباب امام الكثير من السوريين الذين يطالبون باصلاحات".
من جهته اعتبر نديم حوري الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش للدفاع عن حقوق الانسان "ان خطاب الاسد مخيّب جدا للامال (…) وهو اكتفى بتكرار الوعود الغامضة نفسها التي يكررها منذ سنوات. المطلوب هو اجراءات ملموسة مثل الغاء حالة الطوارئ وتفكيك المحاكم الاستثنائية واطلاق حرية التعبير".