تتلاحق الأحداث في سوريا، وسط استمرار تجاذب الإتهامات بين النظام والمحتجين حول أسباب حادثة الإعتداء على المسجد العمري وخلفياتها، حيث ذهب ضحيتها عدد من القتلى يتحدث ناشطون حقوقيون أنهم وصلوا إلى 21 قتيلاً منذ بدء الإحتجاجات. وتحدثت تقارير اقتصادية عن احجام المستثمرين الأجانب عن الخوض في مشاريع في سوريا نتيجة الوضع الأمني.
من ضحايا الإعتداءات في درعا |
درعا: تحدث ناشطون حقوقيون سوريون عن ارتفاع حصيلة القتلى برصاص القوى الأمنية السورية في الإحتجاجات التي تشهدها مدينة درعا في جنوب سوريا، ليصل إلى 21 قتيلاً، سقط 15 منهم يوم أمس الأربعاء وحده.
قال شهود ان قوات أمن سورية قتلت ستة أشخاص يوم الاربعاء في هجوم على المسجد العمري في مدينة درعا بجنوب سوريا وفتحت النار في وقت لاحق على مئات الشبان الذين خرجوا في مسيرة من قرى قريبة الى درعا تضامنا مع سكان المدينة.
وقال شهود ان اربعة شبان على الاقل قتلوا حينما اعترضتهم قوات الامن عند المدخل الشمالي لدرعا. وشوهدت جثثهم في عيادة طبية في المدينة. وأضافوا قولهم انه ترددت أنباء غير مؤكدة عن أن عشرات الجثث الأخرى نقلت الى مستشفى خارج مدينة درعا. وقال أحد الشهود "سقطت جثث في الشوارع. لا نعرف عدد القتلى."
وقال شخص آخر من السكان "ما كان أحد يعرف من أين جاءت طلقات الرصاص. ولم يتمكن أحد من حمل جثث القتلى لنقلها بعيدا."
ومع سقوط هؤلاء القتلى العشرة في الهجومين وفق ما قاله السكان يصل مجموع الضحايا إلى الى 14 قتيلاً يقول المحتجون أنهم سقطوا برصاص القوات السورية خلال ستة أيام من التظاهرات المطالبة بالحريات السياسية والقضاء على الفساد في البلاد.
بينما أشار ناشطون لوكالة الصحافة الفرنسية إلى ان حصيلة الضحايا الذين لقوا مصرعهم خلال أحداث درعا منذ 18 آذار – مارس ارتفعت الى نحو 21 قتيلا، منهم 15 شخصا على الأقل قتلوا يوم الأربعاء وحده.
وقال الناشطون ان عددا من القتلى لقوا مصرعهم اثر الهجوم العنيف الذي شنته القوات السورية على المعتصمين امام مسجد العمري في درعا، جنوب البلاد فجر الاربعاء. وأفاد ناشط حقوقي فضل عدم الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس "قتل تسعة اشخاص اثر اقتحام المسجد فجر الاربعاء، بينهم امراتان وطبيب بالاضافة الى عنصرين من قوى الامن". وأضاف أنه في وقت لاحق "قتل 6 اشخاص بعد إطلاق قوات الامن السورية النار على معزين" اثناء عودتهم من تشييع ابتسام مسالمة (30 عاما) والطبيب علي غضاب المحاميد" اللذين قتلا فجرا. وبين القتلى طفلة في الحادية عشرة اصيبت برصاصة طائشة.
تشييع ضحية في درعا |
وشوهد قناصة يرتدون اقنعة سوداء فوق اسطح المباني وكان اباء وأمهات يبكون في الشوارع خلال المساء ودعت المساجد في أنحاء درعا من خلال مكبرات الصوت الاسر التي قتل أحد أبنائها للتوجه الى عيادات طبية لتسلم الجثث.
وترددت هتافات "سلمية .. سلمية" من خلال مكبرات الصوت وهو نفس الهتاف الذي ردده محتجون في أنحاء العالم العربي لتأكيد الطبيعة السلمية للاحتجاجات على حكام مستبدين ظلوا في السلطة سنوات طويلة وعلى الفساد وللمطالبة بالحرية.
ورأى شاهد آخر 20 شاحنة تابعة للجيش تحمل جنودا تتجه الى المدينة.
وظلت درعا الواقعة على الحدود مع الأردن زمنا طويلا معقلا لحزب البعث الذي يختار كوادر من المنطقة، لكنها تحولت في الأيام الأخيرة الى مركز لإحتجاجات لم يسبق لها مثيل على حكم حزب البعث بزعامة الرئيس السوري بشار الاسد.
الرئيس يندد
الصور التي عرضها التلفزيون السوري للأموال والأسلحة في الجامع |
من جهته ندد الرئيس الأسد بتصاعد المطالب بإجراء إصلاحات جذرية في سوريا التي يحكمها حزب البعث منذ 48 عاما. والأسد حليف لإيران ولاعب رئيسي في لبنان المجاورة وداعم للجماعات المعارضة لإسرائيل.
وجاء في بيان رسمي أمس الاربعاء أن الاسد أقال فيصل كلثوم محافظ درعا. لكن المحتجين يطالبون بصفة رئيسية بإنهاء ما يقولون انه قمع تمارسه الشرطة السرية التي يرأسها في درعا أحد أقارب الاسد.
كما كانت السلطات السورية قد أصدرت بياناً رسمياً أشارت فيه إلى أن الذي جرى سببه قيام "عصابة مسلحة بالاعتداء المسلح بعد منتصف ليلة أمس على طاقم طبي في سيارة إسعاف تمر بالقرب من جامع العمري في درعا ما أدى الى استشهاد طبيب ومسعف وسائق السيارة." وأضاف "قامت قوى الامن القريبة من المكان بالتصدى للمعتدين واستطاعت أن تصيب عددا منهم وتعتقل بعضهم وسقط شهيد من قوى الامن."
وأفاد البيان بأن "العصابة المسلحة قامت بتخزين أسلحة وذخيرة في جامع العمري واستخدمت أطفالا اختطفتهم من عوائلهم كدروع بشرية".
وبث التلفزيون السوري الرسمي شريطا مصورا ظهرت فيه كمية من الاسلحة بينها مسدسات وبنادق كلاشينكوف وصناديق تحتوي قنابل يدوية وذخائر ومبلغا كبيرا من المال، مؤكدا انه تم ضبطها في جامع العمري وقد خزنتها "العصابة المسلحة" التي اتهمتها السلطات السورية بالوقوف وراء أحداث درعا. وظهر في الشريط الذي بثه التلفزيون الجامع خاليا من المعتصمين، كما بدت آثار لإطلاق النار. ونقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن مصدر رسمي قوله ان اهالي درعا "يتعاونون مع قوى الامن على ملاحقة افراد العصابة المسلحة واعتقالهم وتقديمهم للعدالة". ولكن النشطاء قالوا ان الإحتجاج كان سلميا ولم توجد أي أسلحة.
ويحظر حزب البعث الحاكم المعارضة ويطبق قانون الطوارئ منذ عام 1963 . ولكن موجة الانتفاضات الشعبية العربية التي أطاحت برئيسي تونس ومصر تضع الاسد أمام أكبر تحد لحكمه منذ خلف والده حافظ الاسد الذي حكم سوريا 30 عاما انتهت بوفاته عام 2000.
مواقف دولية تدعو لوقف العنف
بعد وقوع هذه الحادثة وسقوط القتلى، دعت فرنسا دمشق الى تنفيذ اصلاحات سياسية بدون تأخير والى احترام حقوق الانسان. وطالبت بالتحقيق في سقوط قتلى في درعا والإفراج عن المحتجزين خلال الإحتجاجات، معتبرة ان "الاستخدام المفرط للقوة" لا بد أن يتوقف.
وأدانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا العنف. ودعا الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون الى "تحقيق يتسم بالشفافية" في حوادث القتل ومحاسبة المسؤولين عنها.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر "اننا نشعر بقلق بالغ من استخدام الحكومة السورية العنف والترهيب والاعتقالات التعسفية لعرقلة قدرة الناس على ممارسة حقوقهم العامة بحرية." واضاف "نحن ندعو الحكومة السورية الى التحلي بضبط النفس والإمتناع عن العنف في حق المحتجين المسالمين."
يوتيوب في قلب الحدث
من التحركات الإحتجاجية في درعا |
من جهة أخرى، عرضت على موقع يوتيوب على الانترنت لقطات يزعم أنها للشارع الذي يقع فيه المسجد في وقت سابق للهجوم مصحوبة بأصوات أعيرة نارية مسموعة وظهر فيها شخص داخل مجمع المسجد يصيح طالبا عدم إطلاق النار بدافع الأخوة ولأن البلد يتسع للطرفين.
وقبل أن تهاجم قوات الأمن المسجد انقطع التيار الكهربائي في المنطقة وتوقفت خدمات الهاتف. وحين بدأ اطلاق الرصاص دوى التكبير من أحياء درعا.
وقال مقيمون طلبوا عدم الافصاح عن أسمائهم ان بين القتلى الطبيب علي غصاب المحاميد الذي ينتمي الى عائلة كبيرة في درعا والذي توجه الى المسجد في الحي القديم في المدينة لمساعدة مصابي الهجوم الذي وقع بعد منتصف الليل بقليل.
وقال هيثم مناع الناشط السوري في مجال حقوق الانسان من باريس ان السلطات السورية تعتقد أن بمقدورها قتل المحتجين المسالمين الذين يطالبون بالديمقراطية وأن تفلت من المساءلة.
وقال أحد السكان "تعطلت شبكات الهاتف لكننا اتصلنا بأشخاص قرب المسجد باستخدام خطوط هواتف نقالة أردنية"، حيث أن درعا تقع على الحدود مع الاردن.
وقال ناشط سياسي طلب أيضا عدم نشر اسمه "قطع التيار الكهربائي وخطوط الاتصال. لا نستطيع الاتصال بالاهالي في الحي القديم."
وجاء الهجوم بعد يوم من قول مكتب المفوضة السامية لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة ان السلطات "يجب عليها الكف فوراً عن الإفراط في استخدام القوة ضد المحتجين المسالمين وخصوصا استخدام الذخيرة الحية."
وكان المحتجون الذين نصبوا خياما في ساحة المسجد قالوا في وقت سابق انهم لن يبرحوا المكان قبل أن تلبى مطالبهم.
وقال الشيخ أحمد الصياصنة امام المسجد لتلفزيون العربية يوم الثلاثاء ان الاحتجاج في المسجد سلمي.
ونقلت قناة المنار التلفزيونية اللبنانية عن فاروق الشرع نائب الرئيس السوري قوله يوم الثلاثاء ان الرئيس الاسد ملتزم بمواصلة طريق الاصلاح والتحديث في سوريا.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ان السلطات السورية اعتقلت ناشطا بارزا كان قد دافع عن المحتجين الذين يطالبون بالحرية والقضاء على الفساد. وأفاد المرصد بأن لؤي حسين الذي كان سجينا سياسيا بين عامي 1984 و1991 أخذ من منزله في منطقة بالقرب من دمشق.
كما أعلن المرصد ومقره لندن، ان السلطات الأمنية السورية اعتقلت ظهر الأربعاء المدون السوري احمد محمد حديفة من مكان عمله بدمشق، ويعتقد ان اعتقاله جاء بسبب نشاطه على موقع فايسبوك لدعم التحرك في درعا. واضاف المرصد في بيان له ان السلطات السورية كانت قد افرجت في 24 شباط- فبراير عن احمد حديفة (28 عاما) بعد اعتقاله لعدة أيام.
وفي دمشق قال محامون ان السلطات أفرجت يوم الاربعاء عن ست محتجات شاركن في تظاهرة صامتة الاسبوع الماضي تطالب بالافراج عن سجناء سياسيين.
ومنذ خلف بشار والده حافظ الاسد رفع بعض القيود على القطاع الخاص لكنه تجاهل مطالب متزايدة بانهاء العمل بقانون الطوارئ وتقييد سلطات أجهزة الامن وتعزيز حكم القانون والافراج عن عشرات الالاف من السجناء السياسيين والسماح بحرية التعبير والكشف عن مصير عشرات الالاف من المعارضين الذين اختفوا في ثمانينات القرن الماضي.
قلق المستثمرين الأجانب
من جهة أخرى أثرت الإحتجاجات الحاصلة في درعا على الليرة السورية، حيث هبطت بنسبة 4 في المئة وتراجعت أسعار الأسهم في بورصة دمشق منذ اندلاع الاحتجاجات الاسبوع الماضي، وهو ما يشكل تهديدا للجهود المبذولة لإجتذاب استثمارات أجنبية لتحسين البنية التحتية في البلاد.
وكانت الحكومة تأمل في استخدام البورصة في جمع أموال مع فتح قطاعات مثل توليد الكهرباء والنقل أمام المستثمرين الاجانب منهية عقودا من سيطرة الدولة. لكن القمع العنيف للإحتجاجات في درعا وبلدات أخرى في جنوب سوريا يشكل انتكاسة حادة لخطط جذب الاستثمارات الاجنبية التي تحتاجها البلاد بشدة.
وقال رجل أعمال سوري التقى بشركات غربية لمناقشة تشكيل مشاريع مشتركة للتقدم بعروض لمشروعات حكومية ان المشروعات يمكن أن تكون قابلة للتنفيذ لكن زيادة المخاطر السياسية منعت المحادثات من المضي قدما. واضاف ان هناك احجام عن ضخ أموال كبيرة في سوريا الآن، مشيرا الى مشروع خط للمترو بقيمة مليار دولار والتوسعة المزمعة لطريق سريع الى العراق.
وكانت بيانات للبنك الدولي أظهرت تراجع الاستثمار الاجنبي المباشر في سوريا الى 1.4 مليار دولار في 2009 من 2.4 مليار دولار في 2008 وهو جزء بسيط من 85 مليار دولار قالت الحكومة انها تحتاجها لاصلاح نظام النقل والكهرباء والصحة وشبكة الاتصالات.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات في درعا يوم الجمعة الماضي هبطت جميع الأسهم العشرين المسجلة في بورصة دمشق -التي بدأت نشاطها قبل عامين- بنسبة ثلاثة في المئة وهو الحد الاقصى للهبوط في جلسة واحدة في حين تراجع المؤشر الرئيسي 14 في المئة من أعلى مستوى له هذا العام والذي سجله في 26 كانون الثاني يناير.