الزواج المختلط

مراسل حيفا نت | 14/03/2011

 د. رفيق حاج

هنالك الكثير من الزيجات "عابرة الطوائف" التي تزدهر في اوساط ومواقع جغرافية معينة ولكن لماذا تعارض الاكثرية الساحقة من الناس الزواج المختلط مع انهم غير متدينين ؟ وحتى الملحدون منهم؟ هل القضية دينية ام دنيوية؟ هل تخص التعصب الطائفي ام الصراع الطبقي ام صراع البقاء؟

قليلة هي القضايا التي احترت ان اتخذ موقفا تجاهها, وليس من باب تساوي حسناتها مع سيئاتها, والزواج المختلط هو احداها. ما يزيد من حيرتي وتأخّري بالخوض في هذ الموضوع هو كونها قضية شخصية تخص اثنان راشدان متحابان وعاقدان العزم على الزواج, فمن أنا لأتدخّل في امور الحب والمحبين والعشق والعاشقين. واني اذ استعمل مصطلح "الزواج المختلط" فأني اعني الزواج بين ابناء الطوائف المختلفة. طبعا هنالك تباين واضح بين مواقف رجال الدين التابعين للطوائف المختلفة حول هذه القضية ابتداءً بعدم استحسان الفكرة وانتهاءً بالإقصاء او المحاصرة واحيانا أبعد من ذلك بكثير. منهم من يرى بذلك امرا غير محبّذ ومنهم من يرى به جرما عظيما وفحشا وكفراً وتحدّيا للطائفة وللمذهب, وصحفنا تشهد على بعض الجرائم التي ارتكبت ضد فتيات قمن بـ "عبر الحدود".
لن أدخل هنا في تفصيل مواقف الديانات المختلفة في هذه القضية ايمانا مني بألاّ جدال في الدين ولا في المعتقدات وكل واحد "على دينه الله يعينه". المعتقدات كالمعتقدات غير قابلة للجدال ولا يجوز لنا ابداء الرأي بها وخصوصا اذا كنَا من ابناء الطائفة "الأخرى", لأن ذلك يُفسّر عادة كإهانة او تعدٍّ, وبأحسن الاحوال تجاوزٌ مرفوض وتدخّل فيما لا يعنينا. لذا أرجو من قرائي اعفائي من هذه المهمة لأنني احترم كل الديانات وكل المعتقدات.
هنالك الكثير من الفوائد التي قد يقدّمها الزواج المختلط للمجتمع فهو يساهم بشكل جدي في عملية التآخي بين الطوائف ومن ثم في تعزيز النسيج الاجتماعي والوفاق الاهلي. الزواج المختلط ايضا يخفف من حدة العنصرية والتطرف الديني نظرا للتبعية المزدوجة, وهو يتيح للاولاد حرية اختيار دينهم ومعتقداتهم والتعرّف على كلتا الطائفتين والاحتفال بأعياد الطرفين. اجل هنالك الكثير من الفوائد ولكن مجتمعنا العربي في هذه البلاد ما زال يرفض الزواج المختلط لاسباب عديده اهمها التعصب الديني ورؤية ابن او ابنة الطائفة الاخرى كإنسان يتبع "للشق الآخر" مع اننا ننتسب الى نفس الشعب العربي الفلسطيني الرازح تحت وطأة الاحتلال, ونتكلم نفس اللغة ونمارس نفس العادات والتقاليد ونملك نفس التراث ونرقص طربا على نفس الموسيقى ونذوب من سماع نفس الاشعار, لكن هنالك من يأبى رؤيتنا شعبا واحدا وأمة واحده وانما طوائف ومذاهب. على ما يبدو ما زالت العقائد الدينية مسيطرة على حياتنا وعلى طقوسنا كالزواج والوفاة والطهور والعمّاد, ولدى بعض الطوائف يأتي رفض الزواج المختلط من باب الحفاظ على البقاء والهوية.
بالمقابل, هنالك الكثير من المشاكل الاجتماعية التي تواجه الزوجان الذي قررا الزواج بالرغم من معارضة الاهل. ولقد بات معروفا أن من يتحدّى المجتمع على حق او على غير حق فهو يعرّض نفسه لتلقي السهام من كل صوب, واول من سيقوم بمحاربته هو عائلته, وحتى لو أبدت عائلته المصغرة موافقتها او تفهمها لهذا "الزواج المرفوض" إلا ان العائلة الكبيرة عادة تعارض ذلك بشده فما بالك بابناء الملة او الطائفه. هنالك تفاوت بين حدة ردة الفعل التي تقوم بها الفئات الرافضة للزواج المختلط فمنها من تدير ظهرها للعائلتين اللتان قاما بذلك, ومنها من تقاطع "اصحاب الفعلة" بشكل سافر ومنها من تقوم بالاعتداء عليهم جسديا.
على ما يبدو ان موافقة "اهل العروسين" على هذا الزواج قناعةً او قسراً غير كافية ليسعد الزوجان في حياتهما وخصوصا في المجتمعات المغلقة فهنالك الاعمام والاخوال والعمات والخالات وابناء وبنات الخالات والعمات وانسباء الانسباء وابناء وبنات الجيران الذين قد يعارضوا هذا الزواج او يحاربوه. وقد يعتقد الزوجان انهما قادران على مواجهة هذا الموقف العدائي فحبهما لبعض سيمتثل لاسعافهما في هذه الحالة ويعوّضهما على مقاطعة الناس. هذا صحيح, لكننا ندرك ان شهر العسل مدته ثلاثون يوما فقط, وانه بعد مرور بضع سنوات على الزواج, وانجاب الاولاد, والانشغال في المشاكل اقتصادية, تخبو لهبة الحب, وللاسف يعجز ذلك "الحب الكبير" الذي جمع بينهما عن الصمود قبال "الجحافل المعادية". ساعتها ستتحول حياتهما الى جحيم وخصوصا حياة الزوجة التي تعتبر اكثر هشاشة من الزوج في تلقي الصدمات. واذا حصل وان قام الزوج بمعاملتها بفظاظة, وهذا امر وارد, فلن تجد لها ملجأ تأوي اليه لأنها تصدت في السابق لأهلها ورَبعها ولم تسمع كلامهم وقتها بالعدول عن ذلك الزواج.
هنالك الكثير من الزيجات "عابرة الطوائف" التي تزدهر في اوساط ومواقع جغرافية معينة كالزواج والسكن في بلدان غربية متطورة او الزواج بين الفئات ذات المرتبة الاقتصادية الاجتماعية المرتفعة والزواج في الاوساط الفنية. هنالك العديد من المشاهير والزعماء الذين قاموا بالزواج من بنات طائفة مغايرة لطائفتهم, فعمر الشريف الممثل العالمي الشهير المسيحي الكاثوليكي الذي كان يدعى ميشيل شلهوب, تزوج من سيدة الشاشة العربية المسلمة فاتن حمامة, ورئيسنا الفلسطيني رحمه الله تزوج من سهى عرفات المسيحية. والممثلة اليهودية الأصل راشيل أبراهيم والتي عرفت بأسم راقية ابراهيم تزوجت من مهندس الصوت المسلم مصطفى والي. ومن بين كبار المثقفين تزوج الدكتور طه حسين من فرنسية (سوزان) وتزوج الدكتور لويس عوض من سيدة أنجليزية, وتزوج الكاتب الكبير والراحل أحمد بهاء الدين من سيدة تنتمي إلى أسرة قبطية أختارت أن تعارض الزواج بينما أختارت الفتاة أن تتزوج بمن تحب وان تشاركه رحلة حياة طويلة مليئة بالإنجازات والانكسارات. ومن الشخصيات العربية الشهيرة التي تزوجت بطريقة مشابهه المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد التي تزوجت محاميها الفرنسي. هل يحق للمشاهير والزعماء ما لا يحق لغيرهم هذا سؤال بيحث عن اجابة شافية.
هنالك اسئلة اخرى عالقة في هذا الصدد, لماذا يعارض الزواج المختلط من هم غير معدودين على الفئة المتدينه؟ وحتى الملحدون منهم؟ هل القضية دينية ام دنيوية؟ هل تخص التعصب الطائفي ام الصراع الطبقي؟ وهل نملك الحق في التدخل بامور شخصية وباختيارات الآخرين؟ وهل معارضتنا للزواج المختلط نابعة من رغبتنا في الانتماء والحفاظ على البقاء؟ ساترك الاجابة على هذه الاسئلة للباحثين الاجتماعيين والنفسيين. جئت لإضائة النور على القضية وليس لاشعالها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *