المؤمن كيس فطن الشيخ بقلم رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 13/10/2020

المؤمن كيس فطن

الشيخ رشاد أبو الهيجاء

إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

قيل المؤمن كيس فطن وليس كيس قطن . وحتى تتحقق هذه المقولة لا بد للمؤمن من ان يكون مصيبا في اعتقاده واقواله وافعاله . وان يضع اموره كلها في موضعها بإتقان ودقه . ودون تسرع وتهور , حيث يراعي الزمان والمكان لأقواله وافعاله  وهو ثابت على عقيدته , ولذلك قيل : وضع الكلمة في غير موضعها وزمانها فتنة ,  وقد ذهب العلماء الى تقسيم الفطنة المرتكزة أساسا على الحكمة الى قسمين : حكمة عملية , وحكمة علمية . فالحكمة العملية كما تقدم وضع الأشياء في موضعها سواء كان قولا او فعلا او اعتقادا . اما الفطنة العلمية : تأتي من خلال اطلاع المرء على بواطن الأشياء من خلال البحث وتحري اسباب الأشياء وربط الأسباب بالمسببات ولا يكون ذلك الا بالعلم والمعرفة . وحتى  تتحقق الفطنة في شخص ما يجب عليه ان يجمع بين العلم , والحلم , والأناة . ويستنتج من هذه الحقيقة أن لا فطنة لجاهل , ولا لطائش , ولا لعجول , لذلك جاء في كتاب مدارج السالكين ( فكل نظام في الوجود مرتبط بهذا الخلق , وكل خلل في الوجود , وفي العبد فسببه : الاخلال بها , فأكمل الناس : أوفرهم منها نصيبا .وأنقصهم عن الكمال : أقلهم منها ميراثا ) ويؤكد هذا التوجه قوله تعالى ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خير كثيرا ) ولو تحرينا من هم اكثر الناس فطنة لوجدنا انهم هم الذين ارتبطت حكمتهم ومعرفتهم بوحي السماء من الأنبياء والرسل الكرام  ولذلك يمن الله على الناس بان أوحى الى انبيائهم وان أنبيائهم بلغوهم رسالة ربهم فقال تعالى ( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم ) وقال ( كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون )  وقال ( وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين * وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم * ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل عظيم ) ويفهم مما  تقدم  ان من سار على طريق الأنبياء والرسل سيتميز بالفطنة لأنه يعمل وفق الوحي الرباني فقد جاء ثناء ربنا على المسيح عليه السلام بقوله تعالى ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل ) , والفطن هو من يعمل بدنياه الى آخرته ولا ينسى نصيبه من الدنيا لذلك تجده يحاسب نفسه على كل صغيرة او كبيرة تصدر منه وعينه دائمة النظر الى آخرته وما اعد الله فيها لعباده الصالحين , وما سيكون مصير الجاهلين الظالمين لأنفسهم ولخلق الله أجمعين , قال رسول الله ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت , والعاجز من أتبع نفسه هواها , وتمنى على الله الأماني ) فقد اثنى ربنا على أصحاب العقول السليمة والفطنة الفذة بآيات كثيرة قال تعالى ( إنما يتذكر أولوا الألباب ) وقال ( هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب ) وقال ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )  بين الله تعالى في هذه الآيات الكريمات أن أصحاب الفطنة والحكمة هم أهل التذكر , والتعقل , والتدبر  .بحيث لم تكن حياتهم فوضوية عشوائية سواء كان عملهم بأمر دينهم أو بأمر دنياهم . ولأنهم بهذا القدر من الوعي امرهم ربنا بتقواه فقال ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ) لان التقوى كما عرفها الامام علي ( الخوف من الجليل , والعمل بالتنزيل ,  والرضى بالقليل , والاستعداد ليوم الرحيل ) فالفطن هو الذي لا تشغله دنياه عن آخرته انا يعمل بعمارة الأرض بكل خير ونافع ويسعى الى الآخرة وعينه الى جنة عرضها السموات والأرض التي وعدها الله لعباده بقوله ( فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه أولئك هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب )  وهذه النماذج من الخلق التي لا تتسرع ولا تتهور وتنزل الأمور في موضعها هي التي أورد لها ربنا الامثال والعبر وقص عليهم اخبار الصالحين وسيرة الأنبياء والصالحين وحذرهم من التخلي عن طريقهم والانزلاق نحو طريق الشيطان واعوانه من الانس والجن قال تعالى ( وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون ) وحذر ربنا من اقفل قلبه وعطل فطنته وعقله  ونعتهم بأبشع النعوت قال تعالى ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون )  وقال ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )  وبعد ذلك لكل انسان الحرية في الاختيار اما ان يسير على بصيرة من ربه على طريق الأنبياء والرسل واما ان يسلك الطريق التي تورده المهالك وميزان ذلك  كله الحكمة والفطنة والكياسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *