أصدرت الشاعرة سماهر قسيس نجار من حيفا، مجموعتها الشعرية بعنوان "خطاب السماء في المساء". وهذه المجموعة عبارة عن قصائد تحمل عناوين مختلفة وتعالج مواضيع متنوعة. إن الشاعرة سماهر تخطو في عالم الشعر منذ أكثر من عقد من الزمن، ولكن هذا إصدارها الأول بعد شعورها بالنضج الأدبي والفكري. وأخذت منهج الحداثة في كتابتها، واعتمدت على التعابير المباشرة لصور ولوحات شعرية جميلة، وضمنتها تلك الأحاسيس والمشاعر الفياضة التي تخوض فيها غمار الشعر إلى جانب القارئ.
أجل إن القارئ يتماهى مع كثير من القصائد التي تحدث في النفس تحركًا واهتزازًا، إما لطرب أو لشجن، وتوقفه أمام طبيعته وبيئته الحقيقية وتقول أنظر، وأمعن النظر في واقعك هذا وبيئتك وعالمك. وتتوغل بالقارئ أعماق النفس البشرية، لتحاكي بجماليات لغوية تلك الأنغام والأفكار التي تحرك العواطف والقلوب.
إن الدمعة ليست مجرد قطرة ماء سائلة، إنها قطرة دم محترقة بنار الحزن واللوعة، تذوب فيها العواطف والأحاسيس لتؤلفها أنغامًا شجية عذبة السمع والنطق والبصر.. تخاطبنا الشاعرة بذهابها وإيابها بين هذا التدفق من العشق وذاك النبع من الذكريات، وتلك الطبيعة الفياضة من الفرح والتفاؤل.. وتأخذنا بصحبتها في حنايا القلب وثنايا الوجدان، وتترك فينا بصمات الحب والنزعة إلى الخير، وتطالبنا بالتطلع نحو الشمس ونحو الأفق ونرنو إلى المدى، ونصغي إلى الصدى، ونحسب أمواج البحر الشاسع لنسبر أغوار السماء ووهج الأفلاك.
وإذا كانت هذه المجموعة الأولى للشاعرة سماهر قسيس نجار، فإنها عبارة عن رصيد من القصائد والأفكار المستقلة والمجتمعة، وتتناغم فيها مواقف وطنية واجتماعية وإنسانية تعبيرًا عن صرخة ضد الظالم والمتشدد، ضد التعنت والاستسلام، ولأجل المظلوم والمضطهد والمغلوب والمقهور.. ولا تجعلك ساكنًا في هدوء، قابعًا في سبات الكهف، بل تطالبك وبإلحاح أن تتصدى للريح، وتتحدى العثرات، وتتخطى العقبات لكي تمضي في سبيل النور وتبلغ مأربك.
ويتبين من هذه المجموعة أنها عايشت تلك الفترة التي عانى فيها المهجرون من أوطانهم، وذاقوا مر العذاب والهوان في شق طريقهم، والصمود في حياتهم اليومية، إزاء واقع جديد يحاولون فيه استعادة الحنين إلى الماضي. وكأن ذويها والمقربين منها هم النموذج للكفاح اليومي والنضال المستمر لتوفير لقمة العيش واستنشاق هواء الكرامة. وجاءت سماهر التي ترعرعت في هذه الأجواء، لتقول لنا خطابًا جديدًا، وفكرًا مغايرًا، وبلغة واضحة وصريحة إن وجود الإنسان الفلسطيني يعتمد على احتفاظه بكرامته. وإن كان يقبع تحت الاحتلال أو يتعرض للظلم والاضطهاد إلا أنه طموح، رافع الرأس، أبي، يبحث عن أشعة الشمس المنبعثة من بين قضبان سجنه، بتفاؤل وعزم وإصرار.
وها هي سماهر تلاقي جدتها، وتستمد منها جذور الماضي، ودماء الكفاح، وتخاطب ولديها لتنقل لهما، ولسائر الأولاد، رسالة السماء السامية. وتتطلع إلى واقعها الذي تحركه الريح، وتهزه العواصف، فتجد أنه لا مناص من التصدي والتحدي، ولا بد من الوقوف والاستمرار.
هذا الخطاب الذي قالته السماء جاء من العلا.. ليفرض على الأرض سلامًا، وليمنح الإنسان كيانًا.. فقالت السماء في كل الأوقات وخاصة في المساء لا تناموا ولا تتغافلوا بل رافقوا مسيرة العطاء، الخلاص والفرح..