دِيمَة وَالْحَسُّون

مراسل حيفا نت | 23/02/2011

كانَتْ دِيمَة وَحْدَها فِي الْبَيْتِ.

ذَهَبَ أَبوها فِي الْصَّباح الْباكِرِ إِلى عَمَلِهِ، أَمّا أُمُّها فَخَرَجَتْ إِلى السُّوقِ لِتَشْتَريَ بَعْضَ الْحاجاتِ، وَاصْطَحَبَتْ أَحْمَد مَعَها.

شَعَرَتْ دِيمَة بِارتِياحِ لأَنَّ أَخاها أَحْمَد لَنْ يُزْعِجُها حِينَ تُناغِي دُمْيَتَها، أَوْ عِنْدَما تُحاوِرُ الْحَسُّونَ ذا الصَّوْتِ الْجَمِيلِ، أَوْ حِينَما تَقْرَأُ الْقِصَّةَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي اشْتَراها لَها والِدُها قَبْلَ يَوْمَيْنِ، وَكانَتْ قَدْ وَضَعَتْها عَلى طاوِلَتِها كَيْ تَقْرَؤُها في ساعَةِ الْفَراغِ.

أَوْصَتْها أُمُّها حِينَ غادَرَتِ الْبَيْتَ:

– ديِمَة، إِيّاكِ أَنْ تَفْتَحِي بابَ الْبَيْتِ لأَحَدٍ لا تَعْرِفينَهُ!

كانَتْ دِيمَة تُحِبُّ الْحَسُّونَ… تُحِبُّ تَغْرِيدَهُ فِي الصَّباحِ وَهُوَ واقِفٌ عَلى أَحَدِ أَغْصانِ شُجَيْرَةِ اللَّيْمُونِ الْخَضْراءِ، وَتُحِبُّ زَقْزَقَتَهُ وَهُوَ يُوَدِّعُها حِينَما تُغادِرُ الْبَيْتِ إِلى الْمَدْرَسَةِ، أَوْ حِينَ يُحَيِّيها عِنْدَ عَوْدَتِها إِلى الْبَيْتِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَمِنْ شِدَّةِ حُبِّها لِلْحَسُّونِ كانَتْ تُكَلِّمُهُ وَتُحاوِرُهُ. تَقُولُ دِيمَة وَهِيَ تَفْتَحُ الشُّباكَ فِي الصَّباحِ:

– صَباحَ الْخَيْرِ أَيُّها الْحَسُّونُ الْحَبِيبُ.

فَيُزَقْزِقُ كَأَنَّهُ يَرُدُّ الْتَحِيَّةَ:

– صَباحَ النُّورِ يا دِيمَة.

وَعِنْدَما تُغادِرُ الْمَنْزِلَ تَقُولُ لَهُ: وَداعاً.

فَيُزَقْزِقُ كَأَنَّهُ يَقَولُ لَها: مَعَ السَّلامَةِ، وَإِلى اللِّقاءِ.

وَحِينَما تَعُودُ إِلى الدّارِ يُزَقْزِقُ مُرَحِّباً بِها، وَإِذا تَأَخَّرَتْ عِنْدَ الْعَصْرِ وَلَمْ تَخْرُجْ إِلَيْهِ يُزَقْزِقُ وَيُنادِيها، فَتُطِلُّ مِنَ الشُّباّكِ وَتَقُولُ لَهُ:

– مَهْلاً يا حَسُّونِيَ الْعَزِيزَ. سَوْفَ آتي إِلَيْكَ بَعْدَ قَليلٍ.

فَيَسْكُتُ الْحَسُّونُ وَيَنْتَظِرُها.

وَكانَتْ دِيمَة تَخْرُجُ ساعَةَ الأَصِيلِ إِلى حَدِيقَةِ الدّارِ وَتَقْتَرِبُ مِنْ شُجَيْرَةِ الَّليْمُونِ، فَيُرَفرِفُ الْحَسُّونُ جَناحَيْهِ مُرَحِّبًا بِها. تَدْنُو مِنْهُ وَتُخاطِبُهُ:

مَرْحَبًا يا صَدِيقِي الْحَسُّونْ

غِناؤُكَ جَمِيلٌ مِثْلُ أَلْحانِ الْكَمانْ وَرِيشُكُ زاهٍ مِثْلُ أَزْهارِ الرَّبِيعِ فِي نِيسانْ وَعَيْناكَ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ تَلْمَعانْ

وَأَنا وَأَنْتَ صَدِيقانْ

((غَنِّ لِي شْوَيْ شْوَيْ غَنِّ لِي وَخُذْ عِينَيْ))

وَتَرْقُصُ دِيمَة عَلى الْعُشْبِ الأَخْضَرِ وَالْحَسُّونُ يُراقِبُها ضاحِكًا أَحيانًا، وَمُزَقْزِقًا أَحْيانًا أُخْرى، وَكَثِيرًا ما كانَ يُصَفِّقُ بِجَناحَيْهِ وَيَطِيُر حَوْلَ جَسَدِها الصَّغِيرِ يُداعِبُها، أَوْ يَقِفُ هُنَيْهَةً عَلى كَتِفِها أَوْ رَأْسِها.

تَناوَلَتْ دِيمَة الْقِصَّةَ الْجَدِيدَةَ مِنْ عَلى الطاوِلَتِها وَقَرَأَتْ مَرَّةً أُخْرى عِنْوانَ الْقِصَّةِ عَلى الْغِلافِ ((لَيْلى وَالذِّئْبُ)). حَدَّقَتْ دِيمَة فِي صُورَةِ لَيْلى، الطِّفْلَةِ الْجَمِيلَةِ الْبَرِيئَةِ، وَقُبَّعَتِها الْحَمراءِ، وَفُسْتانِها الْمُزَرْكَشِ، وَفِي صُورَةِ الذِّئْبِ المُفْتَرِسِ، وَلِسانِهِ الأَحْمَرِ الطَّوِيلِ، وَأَنْيابِهِ الْحَادَّةِ، وَجَسَدِهِ الْمُغَطَّى بِالشَّعْرِ…

 

 



ثُمَّ نَظَرَتْ إِلى الْغِلافِ الأَخِيرِ وَقَرَأَتْ:

(( قِصَّة عالَمِيَّةٌ..))، وَتَساءَلَتْ دِيمَة عَنْ مَعْنى كَلِمَةِ ((عالَمِيَّةٌ))… هَلْ مَعْناها قِصَّةٌ لِكُلِّ الْعالَمِ؟ أَمْ أَنَّ مَعْناها ((قِصَّةٌ رائِعَةٌ))، أَمْ أَنَّها قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ لِكُلِّ شُعُوبِ الْعَالَمِ؟

وَبَدَأَتْ ديمَة تَقْرَأُ الْقِصَّة بِمُتْعَةٍ.

وَفِيما هِيَ تَقْرَأُ، سَمِعَتْ دَوِيَّ رَصاصٍ.

قَلِقَتُ دِيمَة.

وَقَفَتْ دِيمَة خائِفَةً، ثُمَّ سارَتْ بِبُطُءٍ نَحْوَ الشُّباكِ وَهِيَ تَرْتَجِفُ، وَنَظَرَتْ مِنْ بَيْنِ قُضْبانِ الْحَدِيدِ، فَشاهَدَتْ سُورًا مِنَ الْبَنادِقِ يُحِيطُ بِحَدِيقَةِ الدّارِ.

خَافَتْ دِيمَة.

تَمَنَّتْ لَوْ أَنَّ أُمَّها تَعُودُ إِلى الْبَيْتِ حالاً.

بِحَثَتْ عَنِ الْحَسُّونِ الْجَميلِ، فَلَمْ تَرَهُ، وَلَمْ تَسْمَعْ تَغْرِيدَهُ.

كانَ الْحَسُّونِ خائِفاً مُخْتَبِئًا بَيْنَ أَغْصانِ وَأَوْراقِ شُجَيْرَةِ اللَّيْمُونِ.

بَحَثَتْ دِيمَة عَنِ الشَّمْسِ، فَوَجَدَتْ غُيُومًا سَوْداءَ تَحْجُبُها عَنِ النّاسِ.

أَغْلَقَتْ دِيمَة الشُّبّاكَ، وَعادَتْ إِلى مِقْعَدِها، وَجَلَسَتْ قَلِقَةً خَائِفَةً.

سَأَلَتْ دِيمَة نَفْسَها: لِماذا يَدْخُلُ الْجُنُودُ إِلى الْمَدِينَةِ وَيُزْعِجُونَ النّاس؟

لِماذا يَزْرَعونَ الْخَوْفَ فِي الشَّوارِعِ وَالْحَدائِقِ وَالْبُيُوتِ؟ لِماذا لا يَتْرُكونَ الأَطْفالَ يَلْعَبونَ وَيَقرَؤُونَ الْقِصَصَ الْمُمْتِعَةَ؟ لِماذا يُخِيفُونَ الْحَسُّونَ وَباقِي الْعَصافِيرِ؟ لِماذا يَخْتَلقِلونَ الرِّجالَ وَالشُّبّانَ فِي السُّجُونِ الْقاسِيَةِ؟ لِماذا يُطْلِقُون الرَّصاصَ عَلى الأَجْسادِ الَّتيِ تُحِبُّ الْحَياةَ؟

سَمِعَتْ دِيمَة وَقْعَ أَقْدامٍ ثَقِيلَةٍ تَقْتَرِبُ مِنْ مَدْخَلِ الدّارِ، ثُمَّ سَمِعَتْ طَزْقًا شَدِيدًا عَلى الْبابِ.

سَأَلَتْ دِيمَة بِصَوْتًٍ خَائِفِ: مَنْ؟

جاءَ الرَّدُّ مِنَ الْخارِجِ خَشِنًا قاسِيًا: نَحْنُ الْجُنُودُ، افْتَحِي الْبابَ…

رَدَّتْ دِيمَة بِصَوْتٍ مُرْتَجِفٍ: أَوْصَتْنِي أٌمِّي أَلاَّ أَفْتَحَ الْبابَ لَمِنْ لا أَعْرِفُهُمْ.

قَالَ أَحَدُ الْجُنُودِ: قُولِي لأُمِّكِ أَنْ تَفْتَحَ الْبابَ فَوْرًا.

أَجابَتْ دِيمَة: أُمِّي لَيْسَتْ في الْبَيْتِ أَيُّها الْجُنْدِيُّ.

رَدَّ الْجُنْدِيُّ آمِرًا: اِفْتَحي الْبابَ وَإِلاّ كَسَرْناهُ.

وَبَدَأَ الْجُنْدِيُّ يَطْرُقُ الْبابَ بِشِدَّةٍ.

اِقْتَرَبَتْ دِيمَة مِنَ الْبابِ مِثْلُ الْعُصْفُورِ فِي مَطَرٍ الْعاصِفَةِ وَأَدارَتْ المِفْتاحَ.

اِنْدَفَعَ الْجُنودُ إِلى الْبَيْتِ.

بَقِيَتْ دِيمَة واقِفَةً مَذْهُولَةً، وَالدُّمُوعُ تَسِيلُ مِنْ عَيْنَيْها.

بَدَأَ الْجُنوُدُ يَبْحَثُونَ فِي الْبَيْتِ غُرْفَةً غُرْفَةً، وَخَزَانَةً خَزَانَةً…

وَهِيَ وَاقِفَةٌ خائِفَةٌ.

– آه… لَوْ تَعُودِين يا ماما.

سَمِعَها الْحَسُّونُ، فَطارَ وَدَخَلَ الْبَيْتَ.

وَقَفَ الْحَسُّونُ عَلى رَأْسِ دِيمَة هُنَيْهَةٌ، ثُمَّ طارَ وَوَقَفَ عَلى إِطارِ لَوْحَةٍ مُعَلَّقَةٍ عَلى الْحائِطِ، وَزَقْزَقَ زَقْزَقَةً غَرِيبَةً.

نَظَرَتْ دِيمَة إِلى الْحَسُّونِ، وَقالَتْ: نَعَمْ أَنا خائِفَةٌ أَيُّها الْحَسُّونُ.

سَأَلَ الْجُنْدِيُّ دِيمَة: أَيْنَ أَهْلُكِ؟

أَجابَتْ: أَبِي فِي الْعَمَلِ، وَأُمِّي فِي السُّوقِ. وَلا أَحَدَ هُنا سِوايَ.

زَقْزَقَ الْحَسُّونُ، فَأَضافَتْ دِيمَة: وَحَسُّونِي الْحَبِيبُ.

سَأَلَها الْجُنْدِيُّ: وَهَلْ تَعْرِفِينَ لُغَةَ الْعَصافِيرِ.

أَجابَتُ: لا أَعْرِفُ، وَلكِنِّي أَعْرِفُ لُغَةَ الْحَسُّونِ.

قالَ الْجُنْدِيُّ مُسْتَغْرِبًا: وَتُكَلِّمِينَ الْحَسُّونَ؟!

رَدَّتْ: نَعَمْ.

أَمَرَها الْجُنْدِيُّ: أُطْلُبِي مِنَ الْحَسُّونِ أَنْ يُغَنِّيَ لَنا.

نَظَرَتْ دِيمَة إِلى الْحَسُّونِ، وَزَقْزَقَتْ بِلُغَتِهِ.

زَقْزَقَ الْحَسُّونُ زَقْزَقَةً قَصِيرَةً حادَّةً.

حَدَّقَتْ دِيمَة بِالْجُنُودِ واحِدًا وَاحِدًا، وقالَتْ:

– الْحَسُّونُ يَقُولُ لَكُمْ، أَنا لا أُغَنِّي لِلْجُنُودِ الَّذِينَ يَدْخُولُونَ الْبُيُوتَ… وَلا أُزَقْزِقُ لِلْجُنُودِ الَّذينَ يُخِيفُونَ الأَطْفالَ. زَقْزَقَ الْحَسُّونُ ثانِيَةً.

قَالَتْ دِيمَة: الْحَسُّونُ يَقُولُ لَكُمْ:

– اُخْرُجُوا، اُخْرُجُوا مِنْ بَيْتِنَا كَيْ أُغَنِّي!

 

سلسلة((براعم الزيتون))/  أدب أطفال/سن 9-12 تأليف: محمد علي طه رسم: أحمد صبيح

الناشر: ((مكتبة كل شيء))

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *