الحلم ودفع السيئة بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 09/07/2020

الحلم ودفع السيئة

الشيخ رشاد أبو الهيجاء

إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

تأتي رسالتي في مثل هذه الظروف التي لا يحسن فيها أكثر الناس الا لغة العنف بكل الوانه واشكاله وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم صدقهم مع خالقهم القائل في كتابه ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم *وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم ) فمن استجاب لربه لا تجده يمكر بالناس من حوله ويتآمر عليهم ولا يهدأ له بال الا إذا رأى السوء نازل بهم بل إن من يعتبر نفسه من المؤمنين فلا بد أنه يسمع قول رسول الله ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ولا تجده يدع مجالا لوساوس الشيطان تستحوذ لأنه محب لله طائعا له في خلقه وعدوا للشيطان ووساوسه قال تعالى ( واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه هو السميع العليم) فمن تملكه الشيطان بوساوسه من المؤمنين يلجأ الى الله مستعينا به كما يروى أن احدهم قال لأستاذه ( يا أستاذ إن وساوس الشيطان تستحوذ على فتدفعني الى الظلم فماذا افعل ؟ قال له : أرأيت أن كلبا نبح عليك وهاجمك ماذا تفعل ؟ قال ادفعه عني ؟ قال : فإن لم يرتدع ؟ قال : ابقى ادفعه . قال إذا يضيع وقتك فلماذا لا تستعين بصاحب الكلب يبعده عنك ) وهكذا الشيطان لا يدعك ونفسك الامارة بالسوء الا حتى يوقعك في حبائله فاستعينوا بالله وتوكلوا عليه وادفعوا وساوس الشيطان عنكم بتوبة صادقة ومع اليقين أن ما عند الله خير وأبقى  وإن من أعظم ما يطلبه الشيطان والنفس الامارة بالسوء هو افساد ذات البين ولو بين المصلين قال رسول الله (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ) وقال( ان الشيطان  قد ايس ان تعبد الاصنام في ارض العرب , ولكنه سيرضى منكم بالمحقرات , وهن الموبقات , فاتقوا المظالم ما استطعتم ) وحتى لا يبقى هناك مجال للمحقرات المهلكات نهج سلفنا الصالح نهج ضربوا فيه اعظم النماذج لحسن الخلق الذي يظهر كيف يكون الحلم ودفع السيئة الذي اتصف به عباد الرحمان ( وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) واليكم بعض هذه النماذج : يروى ان الاحنف بن قيس ( وهو زعيم العرب في زمانه ) سبه رجل وهو يماشيه في الطريق , فلم يرد عليه الاحنف حتى وصل الى حيه فوقف الاحنف وقال : يا هذا إن كان بقي معك شيء فقله ههنا , فإني أخاف إن سمعك فتيان الحي أن يؤذوك .وقد اتصف الاحنف بحكمته  يروى ان رجلا حرضوه على الاحنف هذا لأنه زعيم العرب ولم يرق لهم هذا المقام حتى اقسم ذلك الرجل ان يلطم الاحنف في مجلسه وبين أصحابه وهو لا يعرفه فدخل عليه ولطمه على وجهه بعد ان أشاروا عليه فقال الاحنف : مه يا ابن اخي ما الامر ؟ قال : اقسمت ان الطم زعيم العرب على وجهه , قال :  انا لست زعيم العرب بل ذلك الرجل هو زعيم العرب , وأشار الى رجل يستظل في ظل شجرة يشحذ سيفه فذهب اليه فلطمه على وجهه فما كان من ذلك الرجل الا ان يستل سيفه ويقطع له يده . فقال الاحنف : انا والله الذي قطعت يده .وكان يقول ( آفة الحلم الذل , ولا حلم لمن لا سفيه له , وما قل سفهاء قوم إلا ذلوا ) إذا العاقل لا يفسد آخرته بفساد الناس بل يصلح فساد الناس بصلاح آخرته . واليكم نموذج آخر للعمل بقوله تعالى ( واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ) فهذا الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري نفاه معاوية من الشام وهو زعيم قبيلة غفار التي اشتهرت قبل الإسلام بالعنفوان والجبروت يقول له رجل معيبا عليه : أنت الذي نفاك معاوية من الشام ؟ لو كان فيك خير ما نفاك . فقال : يا ابن اخي إن ورائي عقبة كؤود , إن نجوت منها لم يضرني ما قلت , وإن لم أنج منها فأنا شر مما قلت )  وفي رواية ان رجلا شتمه فقال أبو ذر ( يا هذا لا تغرق في شتمنا ودع للصلح موضعا, فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه  ) فهذا الرجل يريد تحقيره لدنيا خسرها وأبو ذر يقول له ان خسارتي ان لا ادخل الجنة , وشتان بين خسارة الدنيا الفانية وبين خسارة الآخرة وهذا فاتح مصر عمرو بن العاص يقول له رجل : والله لأتفرغن لك , قال : هناك وقعت في الشغل , قال : كأنك تهددني , والله لئن قلت لي كلمة لأقولن لك عشرا , قال وأنت والله لئن قلت لي عشرا لم أقل لك واحدة ) ويروى عن المسيح انه مر بقوم فقالوا له شرا فقال لهم خيرا , فقيل له : إنهم يقولون شرا وتقول خيرا , فقال كل واحد ينفق مما عنده ) وأختم كلامي بما قاله الحسن ( المؤمن حليم لا يجهل وإن جهل عليه  ) ثم تلا قوله تعالى ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *