أوراق قديمة: دجل وشعوذات في أيامنا! بقلم د. منعم حدّاد

مراسل حيفا نت | 08/07/2020

دجل وشعوذات في أيامنا!

د. منعم حدّاد

عندما يتحدّث الفولكلوريون الحقيقيون عن ظواهر فولكلورية قديمة أكل الدهر عليها وشرب ورغم ذلك ما زالت تسيطر على تفكير الناس العصريين والمتمدينين والذي يركبون الطائرات ويستعملون الحواسيب ويحسبون أنفسهم في طليعة العالم المتعلم والمتحضّر، يقابلهم البعض بدهشة واستغراب وبشيء غير قليل من عدم التصديق!

ويثبت الواقع عكس ذلك في أكثر من حين من الأحيان، ويتساءل البعض مدلّلين على صدق ادّعاءاتهم مثلاً: لماذا تقدم دار نشر تجارية على إصدار الكتب الضخمة وفي طبعات أنيقة وثمينة عن مثل هذه الخرافات والخزعبلات والشعوذات والدجل لو لم يكن لمثل هذه الكتب قرّاء ومريدون؟

فالذي يتجول في معارض الكتب ودكاكين باعة الكتب يرى العجب العجاب لوفرة الكتب التي تعالج مواضيع السحر والعين والوقاية منها، وكشف الغيب بوسائل وأساليب مختلفة، كالقهوة والودع والورق والمندل واستحضار الأرواح وغيرها من الطرق التي ما أنزل الله بها من سلطان!

ووصل الأمر بالبعض أن ينظم دليلاً يرشد فيه الباحثين عن مثل هؤلاء “المعالجين والعرّافين والبصّارين” وكاشفي الغيب إلى مبتغاهم، ويسهل عليهم الاتّصال بهؤلاء، فبادر لوضع كتاب على غرار “الصفحات الذهبية” المعروفة، يضمّ التفاصيل الكاملة والوافية عن مثل هؤلاء!

والغريب العجيب ازدهار هذا الموضوع ليس في بلادنا فحسب، بل وفي أرقى الدول والمجتمعات أيضاً، وحتى أن بعض الحواسيب الحديثة والمتطورة لا تخلو من وسائل لكشف الغيب ولقراءة الكفّ والطالع، كما لا يخلو موقع على الانترنيت من مثل هذه “التنبّؤات”!

وإن كنّا قد علّلنا هذه الظواهر ناسبين إياها إلى ظروف القلق والرهبة والخوف والاكتئاب التي تمرّ فيها منطقتنا بل وعالمنا كله، ومنذ أقدم العصور وحتى أيامنا هذه، فإننا قد نرى أنه في بعض المجتمعات وليدة الظروف الاقتصادية الجيدة وحياة البذخ والرفاهية حيث يبحث الناس عمّا يشغلون به أوقاتهم ويلهون به بعد أن وصلوا مرحلة الإشباع (بل التخمة!) في المجال الاقتصادي، وابتعدوا عن كلّ إيمان ومعتقد ديني تقليدي سليم، يشكّل البوصلة التي تقود سفنهم الضالة في محيط الحياة العاصف الصاخب إلى شاطئ الأمان بعد أن تاهوا وضلّوا طريق السلامة!

والمجال أمام الدجالين والمشعوذين مفتوح على مصراعيه لكي يصطادوا فرائسهم بأهون الأسباب وأسهل الطرق، فهم “يكتبون” لكل ما قد يواجه الإنسان في حياته: بدءاً بالحصول على الذرية والخلف، مروراً بالشفاء من المرض، والإثراء والفوز بالمال والجاه والملذات والطيبات، والنجاح في الامتحانات وتحقيق الأماني، وكل ذلك بأساليب خبيثة وملتوية، يعتمد فيها هؤلاء على مظهر الباحث عن التمائم والأحجبة، وعن الشفاء والثراء، ومن ثم تقديم “النصائح والإرشادات” التي تعتمد على المظهر وتفسيره بما يوحي للسامع بتحقيق أمانيه، رغم أن ذلك كله دجل في دجل!

وقبل مدة ليست بالطويلة حملت الأنباء أخبار “حاخام” استغل مرض إحداهن ووعدها بالشفاء والعيش حت تبلغ من العمر أقصاه، بفضل “بركاته” ودعائه، وتعيش عمراً قلما يبلغه سواها، وكل ذلك مقابل بضع مئات من الشواقل، تسلمها كلها دون أن يطول عمر تلك السيدة المريضة ولو يوماً واحداً، وما زالت تلك القضية أمام الشرطة والمحاكم…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *