الاختلاف والتعصب المقيت بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 02/07/2020

الاختلاف والتعصب المقيت

الشيخ رشاد أبو الهيجاء

إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

لقد ابتلي مجتمعنا بالوان كثيرة من الخلافات والخصومات نتيجة للتعصب للرأي وأحيانا دون مراعاة لمصالح العباد والموافقة لشرع الله وكلما احتد خلاف بين الناس يطرح سؤال ما هو راي الدين بما يجري بين الناس ؟ والحقيقة ان الاختلاف بين الناس امر يشبه أصابع اليد الغير متساوية من حيث الطول والكبر وحتى الوظائف ولكن ما يختلف الناس به عن أصابع اليد هو ان أصابع اليد رغم التباين بينها تتعاون على أداء الوظائف المنوطة بها مجتمعة اما الاختلاف بين الناس غالبا ما يؤدي الى خصومات وعداوات تعطل العمل والإنتاج , ودافع الخصومات حب الدنيا والشهوات وحب الجاه ولان حب الذات والوجاهة وحب الدنيا يسيطر على العقول فيغلقها ويستحوذ على القلوب فيقفلها وكلما جهل الامر بحركة الحياة ومراد الله ازدادت حاله سوءا وانحرافا عن الحق , ولو تمعنا بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة أصحاب النبي لوجدنا ان الله يقول ( ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف السنتكم وألوانكم ) ويقول الرسول ( يا أيها الناس إن ربكم واحد , وإن أباكم واحد , ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لاحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ) ويفهم ان الاختلاف بين الناس أمر طبيعي اذا أحسن الناس التعامل معه وضروري أيضا أما اذا كان الخلاف هدام  يدعو الى التفرقة وتشتيت الجماعة حتى لا تكون على رأي واحد فهو مرفوض ومنبوذ , وقد نشهد على اختلافات مقبولة حتى في فهم النصوص الشرعية مع الالتزام بالقواعد الأساسية في العقيدة والدين كاختلاف أصحاب المذاهب الدينية في الفقه الإسلامي فاختلافهم لم يكن في القواعد الأساسية للدين إنما نشأ نتيجة اختلافهم لفهم النص أو ثبوت صحته أو حسب البيئة والعرف , وهذا الاختلاف رحمة بالأمة والناس , ليبقى هناك متسع للعمل , وهذا اختلاف محبوب ومقبول ما لم يؤد الى النزاع والفرقة لان النزاع والفرقة يؤدي الى البغضاء ويدعو صاحبه الى التعصب الاعمى والدين لا يقبل التعصب للرأي ما لم يقطع به الدليل الشرعي الذي يؤيده برهان ودليل . وما نراه بين الناس هو لون من ألوان التعصب الاعمى الذي يدفع اليه الجهل بأحكام الدين ومتطلبات الحياة وقد قال رسول الله ( ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا ) ونستطيع مشاهدة اثر الخصومات في كل نواحي الحياة على انها آثار سيئة تعطل طاقات وقدرات المجتمع الذي يتحول الى مجتمع ضعيف هزيل لا يقوى على ان يأخذ دوره بين المجتمعات الأخرى ولهذا قال تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) وقال ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) ومما يندى له الجبين ان الخلافات والخصومات تفعل معها الوان شتى من الكبائر مثل المغيبة والنميمة مما يحلق الدين فلا يبقى دين ولا ايمان لأنه يضيع على طرف اللسان ولهذا كان رسول الله يوصي ويقول ( كف عليك هذا ) أي اللسان , وقد اطلت علينا سيرة أصحاب رسول الله بمصابيح الهدى من اقوالهم وافعالهم  لانهم القدوات بعد الرسول فكان احدهم يقبل النصح والنقد البناء بل ويحث الناس عليه فهذا أبو بكر وعمر وغيرهم كان احدهم يقف امام الناس يقول لهم ( إذا رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني )وكان عمر يقول ( لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها ) ولم يكن هذا شعار عندهم بل واقع مشهود في الحياة يروى ان عمر أراد ان يحدد المهور واذا بامرأة تراجعه وتقول له كيف تقول هذا والله يقول ( وإذا آتيتم احداهن قنطارا ) فقال عمر : كل الناس افقه منك يا عمر , اصابت امرأة واخطأ عمر ) ولا يعقل ان مجموعة من الناس تتعصب لفكرة او رأي وترى بهذا الموقف الصواب وبغيره الخطأ والباطل وتتبادل في ذلك النقد الجارح والاتهام الباطل واثارة الفتن والقلاقل ( كل حزب بما لديهم فرحون ) واسمعوا الى أئمة الفقه ماذا كان احدهم يقول  ( كلامي صحيح يحتمل الخطأ وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب ) ولهذا قال رسول الله ( عليكم بالجماعة فمن شذ شذ في النار ) وأسوق اليكم أيها الاخوة والأخوات ما رواه الطبراني أن جماعة من أصحاب رسول الله قالوا : خرج علينا رسول الله ونحن نتمارى في شيء من أمر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم انتهرنا وقال ( أبهذا يا امة محمد أمرتم ؟ إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا , ذروا المراء لقلة خيره , ذروا المراء فإن المؤمن لا يماري , ذروا المراء فإن المماري قد تمت خسارته , ذروا المراء فإن المماري لا اشفع له يوم القيامة , ذروا المراء كفى إثما أن لا تزال مماري , , ذروا المراء فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة في رباضها وأسفلها وأوسطها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق , ذروا المراء فإنه أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *