نَعْي وشاعر بقلم رشدي الماضي

مراسل حيفا نت | 01/07/2020

نَعْي وشاعر

رشدي الماضي

منذ ما يقرب القرن ولدت قصيدة  ت- س- إليوت الشّهيرة “الأرض الخراب” فَهَزَّت العقول والخواطر لما فيها من نَعْي على العصر ورثاء لحضارتهِ…

وقد رأى فيها، خطأ، بعض نقّاد الأدب، أنّها قصيدة أمريكيّة، بينما هي في حقيقتها قصيدة أوروبيّة، لأنّ صورها وتداعياتها واقتباساتها تنبع من التّراث الأوروبي ويتُنْسب إليه، لأنّها رفضت التراث الأمريكي المُتمثّل في أسلاف إليوت من لشّعراء الذين عاشوا على أرض القارة الجديدة، مثل ويتمان وإدغار ألن بو..

ولا يخفى على الدَّارس المنهجيّ أنّ نَعْي الحضارة الأمريكيّة لم يقتصر فقط على إليوت،  حيث واصله في سنوات لاحقة أكثر من كاتب وشاعر بصورة أكثر وضوحا وقسوة  وأخصّ بالذكر النَّجم المتألق في سماء الشّعر الأمريكي في السّبعينات والذي بلغ حينها الخمسين من عمرهِ، روبرت أويل، الذي رفض آنذاك زيارة البيت الأبيض محتجّا على حرب فيتنام الشَّرِسة…

وقد ذهب بعض الدارسين الى القون:- أنَّهُ لم يستطع مبدع أن يجرح ويكشف عورات النّظام كما استطاع لويل، في قصائده وفي بعض فصول كتابه “دراسات في الحياة”.

وهذا ما جعله يُحمّل نفسه في آن، أمجاد أمريكا بموازاة وضاعتها جنبا الى جنب، فَسجَّل في أحد اعترافاته:

آباؤنا اغتصبوا خبزهم من الحطام والأحجار… … وسَيَّجوا حدائقهم بعظام الهنود الحمر…

والمعروف أنَّه رغم أنّ شاعرنا من أحرار الفكر، إلّا أنَّ مواقفَهُ تنبع من الدّين لا من السّياسة، ومن نوع الأخلاق يلتزم بها استجابةً لعراقة أسْرتِهِ… خاصة بعد أن انخلع عن البروتستانتنيّة زمنا ودخل الكاثوليكيّة فاصطبغ شعْرُهُ بالنّفس الديني…

لم يكن لويل الوحيد في أسرته العريقة من أعلام الفكر والأدب، حيث برز أكثر من شاعر ورجل فِكْر مثل جيمس لويل وآمي لويل وغيرهما…

من الطّبيعي ونحن نتحدّث عن شاعرنا أن يَلحَّ علينا ما نُردِّدُ: “ما أشبَهَ الأمس بيومنا هذا!!!

فأمريكا التي سعت ولمّا تزل أنْ “تحكم العالم” هي أمريكا نفسها وريثة ما يُعرف بدولة “الواسب/ الدبّور” وهو الأمريكي الأبيض من أصل انجلوسكسوني “زهرة المجتمع وقٍمَّتِهِ”!!!

لكن، ما فات ويفوت الطّغمة التي تسكن “البيت الأبيض” أن صوت لويل الذي نعي حضارتها، ما زال صهيله عاليا وسيُمْسك حاملوه بخناقهم حتى الرَّمق الأخير، ثُمّ يُنْشدون، على مسمع من التّاريخ كلّه الذي يُصغي لهم، يُنشدون الغد الجديد لجميع النَّاس، غدا واسع الأُفق اتساعا لا حدَّ له…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *