العدل أساسه الايمان بقلم الشيخ رشاد ابو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 16/06/2020

العدل أساسه الابمان

الشيخ رشاد أبو الهيجاء

إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

يتحدث الكثير من الناس عن العدل وكانه أساس للديموقراطية المصطنعة وينظرون الى مظاهر العدل كأنها شيء غريب يجب أن يحل في هذا العالم ولهذه النظرة آثار سلبية نراها أمامنا فهذه أمريكيا التي يعتبرها البعض ام الحريات والديموقراطية كشفت عن وجهها الزائغ وظهر فيها الوان الظلم والتمييز العنصري بين الأبيض والأسود وكما هو ظاهر أن من يقف على رأس الهرم في أمريكيا هو من يشجع العنصرية المتطرفة فإن لم ينتصر العدل القائم على المساواة بين الشعوب على مختلف ألوانهم وانتماءاتهم فإن نذير خطر قد حل . قال احد علمائنا ( إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة , ويخذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة ) وقد عرف أهل الاختصاص العدل بتعريفات كثيرة اخترت منها ( العدل هو هيئة نفسية يقتدر بها على مساواة الأشياء الزائدة والناقصة حتى تكون في تعادل وانسجام ) وقال آخر ( إعطاء كل ذي حق حقه من غير تحيز أو محاباة أو تدخل هوى لنفس أو تفرقة بين المستحقين ) وكان رسول الله اول السباقين الى هذا الخلق فعن خولة بنت قيس قالت : كان على رسول الله وسق من تمر لرجل من بني ساعدة ( أي دين ) فأتاه يقتضيه , فأمر رسول الله رجلا من الأنصار أن يقتضيه , فقضاه تمرا دون تمره ( أي نوع أرخص من النوع الذي استقرضه ) فأبى ان يقبله فقال : أترد على رسول الله ؟ قال : نعم , ومن أحق من رسول الله بالعدل ؟ فبكى رسول الله وقال ( صدق ومن احق بالعدل مني , لا قدس امة لا يأخذ ضعيفها حقه من شديدها , ولا يتعتعه ) ثم أمر رسول الله ان يعطوه حتى يرضى . وقد ترددت هذه المقولة على لسان رسول الله يروى أنه لما عاد المسلمون من الحبشة سألهم عن أغرب ما رأوه هناك فقال أحدهم (إن أغرب ما رأيناه أن امرأة عجوز كانت تحمل على رأسها فمر بها شاب فدفعها وسقطت وما تحمل واستغاثت فلم تجد من يغيثها ) فكان هذا المشهد غريب على العرب الذين تربوا على الشهامة والرجولة ولكننا نأسف في هذه الأيام ونحن نرى ونسمع مثل هذا الظلم الواقع على الناس لألوانهم أو لضعفهم وحاجتهم . ومن العدل النبوي انه لم يكن يتردد بإقامته ولو على اقرب الناس اليه ولم يكن يقبل من احد الشفاعة لظالم ولو كان الشفيع من احب الناس اليه . وكما هو معلوم أن في الإسلام من سرق دون حاجة فتقطع يده على يد الحاكم اذا ثبتت التهمة بالدليل القاطع وفي عهد رسول الله سرقت امرأة مخزومية فكلموا أسامة بن زيد في أن يشفع لها عند رسول الله لأنه ربيب رسول الله ومن احب الناس اليه فكلم اسامة رسول الله بذلك فقال رسول الله ( أتشفع في حد من حدود الله تعالى ) ثم قام وخطب فقال ( أنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه , وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد , وإيم والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) والعدل أمر به ربنا فقال ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) وقال ربنا ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ) ولهذا فالعدل من الايمان والايمان يدفع صاحبه للاستجابة لأمر الله عند التعامل مع الله والناس لذلك من عدل الانسان مع نفسه الا يعرضها للمهالك قال تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ) فلا يعرض نفسه للعدوى في ظل انتشار وباء الكورونا مثلا , وكذلك لا يتعدى حدود الله قال تعالى ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) بل يستجيب لأمر الله ينتهي عما نهى عنه ويعمل بما أمر به , وهنا يدخل مجال العدل في أداء الحقوق وأول مجالات ذلك الاسرة فللزوجة حقوق قال تعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) وللأهل وللجيران حقوق قال تعالى ( وأعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل )  وقال ( وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) وحتى ممع الأعداء يجب العدل قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) والعدل أساسه التقوى والتقوى من أعلى مراتب الايمان وهذا ما تعلمه عمر بن الخطاب من رسولنا الكريم لذلك لما جاءه القبطي من مصر يشكو ضرب ابن عمرو بن العاص له وسجنه لأنه سبقة في سباق الخيل وقال له (أتسبقني وانا ابن الاكرمين ؟) استدعى عمر بن الخطاب عمرو بن العاص وابنه لموسم الحج وهناك اعطى سوطه للقبطي وقال له ( اضرب ابن الأكرمين ) وبعد ان اخذ حقه وشفى غليله قال له عمر ادر الدرة على صلعة عمرو والله ما تمكن منك الا لمكانة ابيه فقال الرجل القبطي لقد ضربت من ضربني يا أمير المؤمنين . واسمعوا يرحمكم الله الى دافع العدل عند عمر بن الخطاب قال  انس بن مالك دخل عمر حائطا ( بستان ) فسمعته وهو يقول وبيني وبينه جدار ( عمر أمير المؤمنين بخ بخ , والله يا ابن الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك ) وأختم بما روي عثمان بن عفان . كان له عبد فقال له : إني كنت عركت أذنك فاقتص مني , فأخذ بأذنه ثم قال عثمان رضي الله عنه : شدد , يا حبذا قصاص في الدنيا لا قصاص في الآخرة ) والنماذج اكثر من ان تحصى في هذا المقام ويبقى السؤال هل سنشهد مثل هذا العدل في زماننا ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *