حلّقت طيور السُّنونو.. وأُسدل الستار!

مراسل حيفا نت | 23/01/2011

 مطانس فرح

 

هاتفني أخي العزيز صبيحة السبت الماضي، مُصرًّا على إيقاظي باكرًا، في يوم عطلتي الأسبوعيّ الواحد والوحيد، لاصطحابي وأفراد عائلته إلى جولة ما بعد الحريق في أحراج الكرمل.

 

راوح قراري بين المدّ والجزر.. بين حاجتي الملحّة إلى سرقة لحظات نوم إضافيّة، أنا في أمسّ الحاجة إليها، بعد أسبوع عمل مضنٍ، وبين حبّ استطلاعي باسكتشاف جبال الكرمل بعد الحريق.

 

فما أن جاءني صوت أخي مجدَّدًا، مستفسرًا – عبر الهاتف – عن قراري، بعد أن كنت ساهيًا لحظات، تشجّعت للفكرة، فقفزت من سريري كي أستعدّ لتلك الجولة.

 

كان الجوّ مثاليًّا للتجوال – بخلاف ما أبلغني به صديقي المقرّب رانٍ (راني) (الرائد في علم الأرصاد الجويّة)، محذّرًا من العواصف والأمطار الغزيرة!!

 

في طريقي إلى «بيت أورن» قرّرت أن أنقّي ذهني وأنفض الصور التي علقت بشبكة عيني من المشاهد التي «تغذّت» بها على مدار أيّام، عند اندلاع الحريق الهائل في جبال الكرمل وأحراجه. لم أستطِع – رغم محاولاتي المتكررة – أن أنقّي ذهني فعلًا، أو أن أنفض الصور؛ فالصور التي التقطتها عبر التلفاز ووسائل الإعلام المختلفة، وتسلسل الأحداث التي علقت في ذهني، رافقتني في جولتي هذه!

 

لدى اقتراب السيّارة من هدفنا المنشود، تسمّرت داخلها، ساكنًا (من السكون) متأمِّلًا، تاركًا لرهبة المكان والحدث الجلل مَهَمّة التأثير. وكلّما اقتربت السيّارة وأوغلت في وُلوج الجبال، وما بين الأحراج، خيّم الصمت وسكَن المكان وزادت الرهبة. كنت متلقّيًا لمشاهد أعادتني إلى صُلب الحدث ولهب الحريق.. كانت المشاهد مؤلمة ومحزنة فعلاً.. وتفاقم حزني وألمي لدى وصولي إلى المِنطقة التي «علقت» فيها الحافلة – التي أقلّت بشرًا – بين ألسنة اللّهب الحارقة التي حصدت البشر مع الشجر والحجر..

 

فهل كانت جمرة النارَجِيلَة الجوفاء تلك سببًا ومسبّبًا لهذه الكارثة فعلًا؟! أم أنّها حُجّة للتستّر على أمور أكبر بكثير، وبعيدة كلّ البعد عن الجمرة، وأقرب إلى ألسنة اللّهب..!

 

كلّنا يعلم أنّ الدولة هي المسؤول الأول والأخير عن كارثة الكرمل.. بدءًا من اشتعال «الجمرة» الحمراء، وصولاً إلى هذه المشاهد السوداء!

 

إلاّ أنّه وسط جذوع الأشجار المتفحّمة، والسواد المسيطر على المِنطقة، والمحيط بي من كلّ صوب، رأيت النرجس وأنواعًا قليلة من الأزهار، كعصا الراعي، «تطلّ» من بين السواد والرماد.. حاملةً بارقة أمل.

 

نعم.. هذا هو كرملنا.. الكرمل الشامخ.. مصرّ على أن ينهض من جديد.. فالطبيعة تأبى أن تستسلم، فتعيد الحياة إلى كرمل درويش، وكرمل كلّ فِلَسطينيّ، حاملةً بشرى، ولو صغيرة، مع أزهار النرجس وطيور السُّنونو المحلّقة فوق الجبال، حاملةً معها أملاً جديدًا..!

 

ورغم بارقة الأمل.. أتساءَل: هل أُغلق هذا الملف وأسدل الستار الأسود على مسرح الأحداث المتعاقبة، كالعديد من الملفات الشائكة التي تُغلق، والستائر التي تُسدل على أحداث كثيرة في هذه الدولة؟!

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *