أحوال الصالحين والصالحات

مراسل حيفا نت | 13/02/2020

أحوال الصالحين والصالحات

الشيخ رشاد أبو الهيجاء

إمام مسجد الجرينة ومأذون حيفا الشرعي

في زمن عز فيه القدوات  اسوق اليكم من أخبار الصالحين والصالحات حتى يعلم القاصي والداني أن الصلاح والتقوى والقرب من الله لا يختص به الرجال دون النساء لأن المقام لا يقال فيه مجتمع ذكوري كما يدعي البعض ولكن المقام مقام التقوى والصلاح خاطبنا ربنا ( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وما أجمل ذلك النداء من قلب مخلص  يناجي رب السموات والأرض  قائلا:

يا من سقى قلبي شراب وصاله    وأباحه نظرا لحسن جماله

عودته منك الجميل فأجره           كرما على عادات حسن مناله

حاشاك تمنعه رضاك وقد أتى      متنصلا من عظم قبح فعاله

لا تبتليه بالبعاد وبالجفا           يا سيدي أنت العليم بحاله

وهذا حال أهل التقى والصلاح رجالا ونساء قال تعالى ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ) وقال ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) ففي مجالات التقوى والصلاح قرن ربنا الرجال مع النساء وجعلهم أنصار ( والمؤمنون والمؤمنان بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) فمن تعلق قلبه بالله تعالى لن يرده عن بابه اذا دعاه خائبا كما قال رسول الله ( رب اشعث اغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) بمعنى أن مقام المرء عند ربه لا يكون بماله وجاهه وسلطانه بل بصلاح قلبه وتقواه  روى محمد بن المنكدر فقال :كان لي سارية في مسجد رسول الله أجلي عليها بالليل فقحط أهل المدينة سنة فخرجوا يستقون فلم يسقوا فلما كان الليل صليت العشاء في المسجد ثم جئت فاستدرت الى السارية فجاء رجل اسود تعلوه صفرة متزر بكساء فتقدم السارية وأنا خلفه ولم يشعر بي فصلى ركعتين ثم جلس فقال : يا رب خرج أهل حرم نبيك يستقون فلم تسقهم وأنا أقسم عليك بجاه محمد صلى الله عليه وسلم وآله أن تسقيهم . قال ابن المنكدر : فما وضع يده حتى جادت السماء بالمطر وحمد الله وأثنى عليه ثم قام فلم يزل يصلي حتى قرب الفجر فأوتر وصلى ركعتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الناس وصلى معهم فلما سلم الامام خرج مسرعا فركضت خلفه حتى انتهى الى باب المسجد فجعل يرفع كساءه ويخوض في الماء فحيل بيني وبينه فلم أدر أين ذهب فبقيت متأسفا عليه متشوقا اليه . وهذا يؤكد أن اهل التقوى لا يعملون أعمالهم من أجل السمعة والرياء إنما يسوقهم الإخلاص الذي لا تشوبه شائبة يروى أن مالك بن دينار كان يمشي بالسوق فرأى التين فاشتهاه ولم يكن معه نقود فخلع نعله وأعطاه لبائع التين فإذا بالبائع يرميه قائلا : لا يساوي شيئا . فأخذ مالك نعله وانصرف فقيل للرجل إنه العالم التقي مالك بن دينار . فملأ البائع طبقا من التين وأعطاه لغلامه ثم قال له : الحق بمالك بن دينار فإن قبل منك فأنت حر  . فعدا الغلام وراءه فلما ادركه قال له اقبل هذا مني فإن فيه تحريري ؟ فقال مالك إن كان فيه تحريرك فإن فيه تعذيبي فألح الغلام عليه فقال الامام : اقسمنا أن لا نبيع الدين بالتين ولا آكل التين الى يوم الدين ) وكما قدمت فللنساء نصيب في الاستقامة على طريق الله فهذه رابعة العدوية كان من شأنها أنها اذا صلت العشاء قامت على سطح لها وشدت عليها درعها وخمارها ثم قالت : الهي غارت النجوم ونامت العيون وغلقت الملوك أبوابها وخلا كل حبيب بحبيبه وهذا مقامي بين يديك ثم تقبل على صلاتها فإذا كان وقت السحر وطلع الفجر قالت : الهي هذا الليل قد أدبر وهذا النهار قد أسفر فليت شعري أقبلت مني ليلتي فأهنأ أم رددتها علي فأعزى . فوعزتي هذا دأبي ما أحييتني وأعنتني وعزتك لو طردتني عن بابك ما برحت عنه لما وقع في قلبي من محبتك ) ويقال أنها أنشدت :

أحبك حبين حب الهوى      وحبا لأنك أهل لذاكا

فأما الذي هو حب الهوى      فذكر شغلت به عن سواكا

وأما الذي أنت أهل له      فكشف لي الحجب حتى أراكا

فما الحمد في ذا وفي ذاك لي     ولكن إنهم في ذا وذاكا

ولما مات زوجها استأذن عليها الامام الحسن البصري هو وأصحابه فأذنت لهم وخاطبتهم من وراء ستار فقالوا لها : إنه مات زوجك ولا بد لك من زوج وقد انقضت عدتك فاختاري من هؤلاء الزهاد من شئت منهم فقالت لحسن البصري : ان أجبتني عن أربع مسائل فأنا لك أهل فقال لها : سلي فأنا أجيبك إن وفقني الله تعالى . قالت : ما يقول الفقيه العالم إذا أنا مت هل خرجت من الدنيا مسلمة أم كافرة ؟ فقال :هذا غيب والغيب لا يعلمه الا الله تعالى . قالت : فما يقول إن وضعت في القبر وسألني منكر ونكير أفأقدر على جوابهما أم لا ؟ قال : هذا أيضا غيب . قالت فإذا حشر الناس يوم القيامة وتطايرت الكتب فيعطى بعضهم كتابه بيمينه ويعطى بعضهم كتابه بشماله فأعطى كتابي بيميني أم بشمالي ؟ قال : وهذا أيضا غيب . قالت : فإذا نودي في الخلائق فريق في الجنة وفريق في السعير فمن أي الفريقين أكون ؟ قال لها : وهذا أيضا غيب ولم يعلم الغيب إلا الله عز وجل فقالت : فإذا كان الامر كذلك وأنا في قلق وكرب من هذه الأربعة فكيف احتاج الى الزواج وأتفرغ له ثم أنشدت تقول :

راحتي يا اخوتي في خلوتي      وحبيبي دائما بحضرتي

لم أجد لي عن هواه عوضا      وهواه في الحشايا محنتي

حيث ما كنت اشاهد حسنه      فهو محرابي اليه  وقبلتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *