التفت عدد من المراقبين منذ بداية الحرب الأخيرة التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة، بأن أحد أهداف هذه الحرب هو الجبهة الداخلية، جبهة الحكم والسعي للفوز به من خلال الدبابة أو الطائرة الحربية.
جميع آراء استطلاعات الرأي التي نشرت قبل الحرب دلت على الشعبية المتدنية لحزب العمل، برئاسة وزير الأمن ايهود براك وأشارت تلك الاستطلاعلات أن العمل لن يحرز أكثر من 11 مقعدا في الكنيست القادمة. كما دلت استطلاعات الرأي على مراوحة"كديما" بزعامة وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني مكانها مع 22-26 مقعدا. بينما كانت شعبية الليكود بزعامة بيبي نتنياهو في تصاعد مستمر وفاقت 30 مقعدا.
وبعد اندلاع الحرب بأسبوع واحد دلت الاستطلاعات التي نشرت الأسبوع الماضي على ارتفاع شعبية حزب العمل- مرة أخرى برئاسة وزير الأمن براك- بخمسة أو ستة مقاعد، وتراجع كديما.
لا يمكن حتى لأعمى ألا يرى العلاقة المباشرة بين اصرار براك على شن العدوان عشية الانتخابات البرلمانية وبين الانتخابات وشعبية حزب العمل المتردية، وليس أدل من النتائج التي أظهرتها استطلاعات الأسبوع الأخير.
ليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها زعماء العمل إلى هذا الطريق، ليثبتوا لشعبهم أنهم لا يتورعون عن اتخاذ خطوات عسكرية قاسية ليكسبوا ثقتهم في صندوق الانتخابات. فلقد لجأ شمعون بيرس (رئيس الدولة اليوم) ومرشح حزب العمل عام 1996 وحين كان رئيسا للحكومة بعد مقتل رابين، إلى شن غارة على جنوب لبنان ارتكب خلالها مجزرة قانا الأولى، ورغم ارتفاع شعبيته آنذاك إلا أنها لم تسعفه في النجاح في الانتخابات، ونجح آنذاك الليكود بزعامة نتنياهو.
واليوم ستعود الصورة لتتكرر مرة أخرى، حيث يقوم براك بتنفيذ العمل "الوسخ"، ويقطف نتنياهو النتائج. ان ما أقدم عليه براك ليس إلا نسخة "سيئة" أخرى لما فعله بيرس قبل 12 عاما، ومع سقوط الضحايا في صفوف الجيش الاسرائيلي، سيخسر براك الحرب والانتخابات أيضا ولن يجر معه إلا خيبة الأمل، فالجمهور الاسرائيلي- اليهودي كان ومازال يميل بغالبيته لقوى اليمين ولن تنفع العمل كل جثث الفلسطينيين للفوز برئاسة الحكومة.
الشرطة ودرس أكتوبر
يلاحظ أن شرطة اسرائيل تعلمت الدرس من "هبة أكتوبر 2000"، ولم تدخل المدن والقرى العربية لتفريق المظاهرات، ولم تقع احتكاكات مع الشرطة وبالتالي لم تقع ضحايا ولم يسقط شهداء كما حصل في "هبة أكتوبر" حيث سقط 13 شهيدا برصاص الشرطة وحرس الحدود. لكن الشرطة لجأت لأسلوب آخر يتمثل في استعمال القوة والشدة دون اطلاق الرصاص، ويتمثل ذلك في حملة الاعتقالات والتحقيقات الواسعة، التي تمثلت في اعتقال ما يزيد عن 300 شخص من العرب واليساريين اليهود، ووصل الحد بالشرطة لاعتقال الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي ورئيس الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب، واعتقال مدير اتحاد الجمعيات الأهلية العربية من مكتبه، واعتقال عدد من الطالبات الجامعيات العربيات في جامعة حيفا، بشكل وحشي يناقض الأعراف الانسانية والديمقراطية. كما قامت الشرطة وجهاز "الشاباك" باجراء تحقيقات وتوجيه انذرات شفهية لعدد من الناشطين السياسيين وفي مقدمتهم سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
ان ما تقدم عليه الشرطة من قمع واعتقال وتحقيق بشكل جارف يشكل تجاوزا للقانون وضربا لحرية التعبير، حتى أن صحيفة "هآرتس" أشارت في افتتاحيتها من يوم الثلاثاء الماضي إلى هذا الأمر، وجاء فيها " يجب التمييز في المجتمع الديمقراطي –أيضا خلال الحرب- بين نشاطات تثير الشك بممارسة العنف أو التحريض على العنف، وبين حق كل مواطن بالاشتراك في مظاهرات سلمية." ولهذا رفضت المحاكم في أكثر من حالة طلب الشرطة باعتقال مشتبهين بنظرها، وأمرت بتحريرهم أو تحويلهم لحبس منزلي!
وأمام القمع البوليسي الوحشي لمظاهرة الطلاب رالعرب في جامعة حيفا، رفعت "منظمة حقوق المواطن" صوتها وطالبت المستشار القضائي للحكومة برفع صوته أمام الاعتداء على حرية التعبير، وقال محامي المنظمة دان يكير "نلاحظ مؤخرا أن الجامعات تحاول الحد من المظاهرات داخل حرماتها، ومن ناحية ثانية تستدعي الشرطة بشكل متزايد. على الجامعات الحفاظ على حق التظاهر داخلها، وهو حق أساسي في النظام الديمقراطي." كما أن عددا من المحاضرين عبروا عن احتجاجهم وامتعاضهم من خطوة إدارة الجامعة، وحذروا من خطورة المس بحرية التعبير داخل الحرم الجامعي.
( شفاعمرو/ الجليل)