ثانويّة المتنبّي تتكرّم في مؤتمر المعلّمين العرب عن مبادرة الحضارة العربيّة

مراسل حيفا نت | 10/10/2019

ثانويّة المتنبّي تتكرّم في مؤتمر المعلّمين العرب عن مبادرة الحضارة العربيّة

رقيّة عدوي: لا قداسة لنصّ أو منهاج ولا سلطان إلّا للعقل والحرّيّة الفكريّة

لمراسل حيفا:

تمّ في مؤتمر المعلّمين والمعلّمات العرب الذي عُقد في مدينة عرابة الأسبوع الماضي، تكريم أبرز المبادرات التربويّة المتميّزة التي أشرفت عليها مدارس، طواقم لغة عربيّة، أساتذة ومعلّمات بشكل فرديّ أو جماعيّ بهدف تعزيز اللغة العربيّة ومكانتها، تماشيًّا مع عام اللغة العربيّة الذي أعلنت عنه لجنة متابعة قضايا التعليم العربيّ العام الماضي. تمّ اختيار حوالي خمسين مبادرة لتتويجها في المؤتمر وتكريم المبادرين إليها، من ضمن هذه المبادرات تمّ اختيار مبادرة رقيّة عدوي، تحت عنوان “الحضارة العربيّة: تُراث وأديان” التي تعمل على تمريرها وتشغيلها في مدرسة المتنبّي الحيفاويّة. وبهذه المناسبة أجرت صحيفة “حيفا” لقاء خاص مع المربية رقيّة عدوي.

صحيفة حيفا: حدّثينا عن هذه المبادرة، ومن أين كانت البدايات؟

رقيّة عدوي: كلّ المبادرات تبدأ من الحاجة وأحيانًا من الرغبات. هي محاولة جادّة للثورة على واقع معيّن مرفوض واستحداث بديل له. نقطة البداية كانت عام 2016 عندما بدأت التدريس في مدرسة المتنبّي وأُلزمت بتدريس مادّة الدين الإسلاميّ، اصطدمت بواقع أرفضه بالمطلق، تجلّى بمحدوديّة المنهاج من جهة واقتصاره على مواضيع معيّنة، وضرورة كشف الطلّاب على أديان أخرى وتوسيع النقاط المشتركة في حيّز مكانيّ مختلط ومغاير. لذلك عكفت طوال سنة كاملة على كتابة منهاج تعليميّ-تربويّ بديل لتدريس الديانتين المسيحيّة والإسلاميّة المُقترح من قِبل وزارة التربية والتعليم بمنهاج آخر بديل تحت عنوان:” الحضارة العربيّة: تُراث وأديان” وبعد مداولات كثيرة وجلسات خاصّة، حصلتُ على موافقة وزارة التربية والتعليم وتمّ اعتماد هذا المنهاج البديل في مدرسة المتنبّي. يهدف إلى تعريف الطالب بمركّبات هوّيّته، كشف الطالب على التسامح الدينيّ وتقبّل الآخر من خلال استخدام النصوص الدينيّة لأبناء الديانات والطوائف المختلفة، علاوة على زيادة معرفة الطالب بالتنوّع الحضاريّ-الثقافيّ في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين.

صحيفة حيفا: ما هي النصوص التي ينكشف عليها الطالب؟

رقيّة عدوي: لا ينكشف الطالب فقط على نصوص دينيّة أو أدبيّة ومقالات نقديّة، بل يتعلّم الطالب تحليل هذه النصوص وتناولها نقديًّا بصورة مغايرة. كأن يدرس الطالب مثلًا قصّة من القرآن الكريم ومن ثمّ يُحلّلها تحليلًا أدبيًا من خلال استخراج عناصر القصّة القصيرة منها، كما وندرس نصوصًا من الانجيل المُقدّس، بذلك نضع هذه النصوص الدينيّة-المقدّسة على طاولة التشريح والنقد. بالإضافة لذلك ندرس بعض قصائد الشاعر الفلسطينيّ محمود درويش والشاعر حنّا أبو حنّا، رواية عائد إلى حيفا لغسّان كنفاني وذلك بهدف العروج على أبرز محطّات الشعب الفلسطينيّ وتاريخه. في المقالات النقديّة نتناول ازدواجيّة اللغة العربيّة في بلادنا علاوة على اللهجات العربيّة المختلفة، وننتقل كذلك لقضايا عربيّة عامّة من خلال تدريس قصائد للشاعر السوريّ الراحل عمر الفرّا وقصيدته المعروفة “حمدة”، لنتناول قضايا تخصّ المرأة في المجتمعات العربيّة-التقليديّة.

صحيفة حيفا: بالإضافة للنصوص التي ينكشف عليها الطالب، هل من وسائل تعليم بديلة؟ وما هي طرق التقييم المتبّعة في هذا المنهاج البديل؟

رقيّة عدوي: طبعًا، نقوم بجولات ميدانيّة للتعرف على البيئة والمكان الذي نعيش فيه، لتعزيز طريقة وآليّة التدريس خارج الصفّ. نستضيف محاضرين ومحاضرات كان من أبرزهم بروفيسور داني ستتمان، رئيس قسم الفلسفة في جامعة حيفا والذي تناول الغفران في قصّة النبيّ يوسف، كدراسة مقارنة بين النصّيْن التوراتيّ والقرآنيّ وذلك لكشف الطلّاب أيضًا على التعليم الأكاديميّ. طرق التقييم تعتمد على مشاركة الطالب في البحث الميدانيّ والتعلّم خارج جدران الصفّ، الاشتراك في المحاضرات وتقديم تقارير خاصّة، إجراء بحث نظريّ أو ميدانيّ أبرزها كان مرافقتي لمجموعة من الطلّاب للاحتفال بعيد الأعياد السنة الماضية خلال المسيرة التي جابت الجادّة الألمانيّة. بالإضافة كذلك يُمتحن الطالب ببعض الموادّ النظريّة وذلك لإغلاق دائرة الطالب الناقِد، الباحث، المُكتَشِف والمشارِك.

صحيفة حيفا: ماذا تعني لكِ هذه المبادرة من المنظور الشخصيّ؟

رقيّة عدوي: علاوة على الشقّ المهنيّ، التعليميّ والتربويّ-البيداغوغيّ فإن هذه المبادرة تعني لي الكثير، لأنّها أتت لتتوّج حلمًا من أحلام طفولتي. ففي اللعبة التقليديّة “طالب ومدرسة” كنّا نتقاسم أنا وأخواتي الحصص، الأولى كانت تُدّرِس الرياضيّات والثانيّة تُدرّس الموسيقى، أمّا أنا فكنت أختصّ بتدريس مادّة أطلقت عليها اسم “شامل”، أخرج بها عن المنهاج فلا قداسة له ولا لنصّ ولا سلطان إلّا للعقل والحرّيّة الفكريّة. اكتشفتُ يومها بأنّني أهوى السباحة عكس التيّار. علاوة على ذلك تُشكّل تجربتي في كتابة وتدريس هذا المنهاج البديل، مادّة دسمة وحيويّة لإثراء مقالاتي المختلفة والقضايا الاجتماعيّة التي أُثيرها عبر الصحيفة كلّ أسبوع، كما وتساهم مساهمة جادّة في زيادة وعيي وثقافتي وإلمامي بمعظم ما يدور من حولنا.

صحيفة حيفا: ما هو دور مدرسة المتنبّي في تعزيز هذه المبادرة؟ بتقديرك ما هي مميّزات هذه المبادرة؟

رقيّة عدوي: بادرتُ إلى كتابة هذه المبادرة وتطبيقها تلبيةً لحاجة المدرسة وطلّابها، ولسدّ فجوات عينيّة فيها بالتالي تتوافق مضامين هذه المبادرة مع واقع المدرسة وخصوصيّتها التربويّة، التعليميّة والثقافيّة. أهمّ ما يميّز هذه المبادرة بأنّها تُعتبر مبادرة ثابتة لا موسميّة ولا مؤقّتة، تضع الطالب الإنسان في لبّ العمليّة التربويّة والتعليميّة في سعيها الأكاديميّ المدروس لبلورة طالب فعّال، خلّاق وناقد يعتزّ بلغته وينكشف على حضارته الواسعة بكلّ ما تضمّه من ثقافات، أديان كاليهوديّة والمسيحيّة والإسلام وطوائف كالدروز، الجماعة الاسلاميّة الأحمديّة. انطلاقًا من التعدديّة التي تُعتبر من أكثر المظاهر صحّةً وحيويّة لضمان بقاء واستمراريّة أيّ حضارة إنسانيّة عريقة.

صحيفة حيفا: ماذا يعني لكِ هذا التكريم؟

رقيّة عدوي: نفتقد كثيرًا لهذه الثقافة وقد اعتدنا في بلادنا ومجتمعاتنا على أن نُكرّم بعضنا البعض بعد الرحيل عن هذه الدنيا، أو أن نُلغي بعضنا البعض أو التسلّق على نجاحات بعضنا في مجتمعات مأزومة، يتغلغل فيها العنف وتسيطر عليها الجريمة وتُعزّز من التنافس السلبيّ. أشكر من شغاف القلب لجنة متابعة قضايا التعليم العربيّ على هذا التكريم، الذي كنتُ بحاجة إليه بعد كتابتي وتشغيلي لهذه المبادرة وتطبيقها على أرض الواقع، كما وأنّ هذا التكريم يعني لي الكثير ويشحنني بالمزيد من الطاقات الايجابيّة والحيويّة، لإكمال مسيرتي المهنيّة الغضّة التي بدأت بها وتأدية الرسالة التي أؤمن بها من جهة، ومن جهة أخرى يُحمّلني الكثير من المسؤوليّة تجاه المبادرة أوّلًا والتفكير في تفعيل مبادرات تربويّة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *