بقلم: نايف خوري
بادرت جمعية تطوير التعليم والثقافة العربية في حيفا إلى دعوة الموسيقار والفنان الدكتور سيمون شاهين، لإحياء حفل موسيقي وغنائي في حيفا. الدكتور شاهين، ابن ترشيحا، يقيم في الولايات المتحدة، ويعمل محاضرًا في عدد من الجامعات الأمريكية، كما يقود فرقة موسيقية تجوب أصقاع الأرض.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحيي فيها الموسيقار سيمون شاهين حفلا موسيقيًا في حيفا، ولكن هذه الحفلة تميزت بمشاركة عدد من المطربين والمطربات فيها، وهم خليل أبو نقولا، دلال أبو آمنة، إلياس عطالله، مريان برانسي ورهام حيادري. وقد ساعد الفنان الموسيقي كميل شجراوي على تدريب الفرقة الموسيقية أثناء غياب الموسيقار شاهين.
شملت الأمسية المعزوفات والأغاني فكروني، سكن الليل، الصبا والجمال، يا ورد مين يشتريك لمحمد عبد الوهاب. ويا بدع الورد لفريد الأطرش، إفرح يا قلبي لرياض السنباطي، الورد جميل لزكريا أحمد، جنات عا مد النظر ويا عيني عالصبر لوديع الصافي، ومعزوفات لسيمون شاهين.
غصت قاعة الأوديتوريوم على جبل الكرمل بالحضور، الذي استمع واستمتع ببرنامج الحفلة. وقدم الجمهور أفضل لحظات الإصغاء والتفاعل والاندماج مع الموسيقى الراقية التي عزفتها الفرقة، وقد جاء هذا العزف ببراعة ومهارة وحسن أداء، فتناغمت أصوات المطربين والمطربات مع الألحان والحركات النغمية للآلات الموسيقية كلها. ولاحظت العازفين يركزون أنظارهم ويدققون بأبصارهم نحو الموسيقار القائد، الذي أخذ يبدل بين يديه آلتي العود والكمان. وكنت كمستمع ألاحظ انضباط العازفين التام مع كل حركة للكمان، وهو ما يعرف بحركة الأقواس المتناسقة. وكذلك العود الذي أبهر المستمعين بأنغام أوتاره وعذوبة الألحان، ومهارة وبراعة الموسيقار الفنان.
إن سيمون شاهين يدمج في موسيقاه الألحان الجميلة إلى جانب التكتيك الحركي، والتقنية في العزف. ويبرز هذا بوضوح أمام الجمهور وكأنه يقول: ها أنذا أقدم لك كل ما أستطيع، وأجمل ما عندي وأفضل الألحان، وأحلى الأنغام، لأنك أيها الجمهور المحترم تبادلني الاحترام والحب والتقدير والتشجيع.
التواضع والاحترام
فالاحترام صفة يجب أن يتحلى بها كل فنان، وإذا بدأ باحترام نفسه فإنه سيحترم فنه، وهذا ينتقل كالعدوى اللذيذة إلى الجمهور من خلال عطائه وإبداعه. والفنان الذي لا يحترم فنه فإنه لا يحترم نفسه، فكيف سينتقل هذا الاحترام المفقود إلى الجمهور؟ وكثيرًا ما نلاحظ الفنانين الذين يحتجون على عدم احترام الجمهور لفنهم، واستخفافه بأعمالهم. فهؤلاء هم الخاسرون، لأنهم سيخسرون هذا الجمهور الذي أتى ليتلقى منهم إبداعًا ورسالة فنية وفكرية بليغة، وعمقًا وبعدًا لمضمون هذا الفن. وكأن الجمهور يأتي إلى هذه الحفلات ويعود خالي الوفاض بخفي حنين، فارغ مما يجب أن تحمله نفسه وروحه. ولذا يجب أن يقدم الفنان احترامًا لفنه وللجمهور. وكثيرًا ما شهدنا على الساحة الفنية العربية الفنانين الذين يعتبرون أنفسهم فوق الجمهور الذي يخاطبونه.. فتفوتهم فرصة هامة للاتصال والارتباط ومخاطبة هذا الجمهور الذي يتوق لسماع ومشاهدة الأعمال الفنية، وبدون الدخول في تفاصيل أسماء هؤلاء الفنانين، لكن بالتنويه إلى هذه الظاهرة رأيت الفنان المبدع سيمون شاهين من أولئك الذين يقدمون واجب الاحترام، لا بل إنه يحرص على هذا الاحترام.
فنانو الدعايات والملصقات
وما معنى أن يحترم الفنان مثل سيمون شاهين فنه؟ هذا يدل على أنه يقدم فنًا راقيًا وإبداعًا رفيع المستوى، ولا يسعى لتقديم الأعمال الوضيعة والخسيسة، والتي توهم الجمهور بأن هذا الفنان الكبير، والذي لمع اسمه وسطع نجمه على أوراق الإعلانات وصفحات الدعايات سيتحفنا بما تجود قريحته وتفيض نفسه. ولكن سرعان ما ينكشف أمره أمام صدق الجمهور ومصداقية الفن، وبدلا من أن يمر الجمهور بتجربة الإبداع، ومتعة الكتارزيس، فإنه يصاب بالإحباط وتنتابه خيبة الأمل، أولاً لتضييع الوقت الثمين بمشاهدة فنان وضيع، وثانيًا لتضييع ثمن التذكرة لدخول هذا الحفل الذي لن يبقى منه أي شيء للتاريخ الفني أو للتراث.
ما شأني..
وكلنا يشهد ما يجري على الساحة الفنية إزاء ما تبثه الفضائيات المختلفة، والتي يزيد عددها عن نجوم الفضاء، وهذه تبث الأغاني والكليبات والمسلسلات والأفلام والمقابلات التي يندرج معظمها إن لم يكن كلها في إطار النميمة والتقولات ونفي هذه الأقاويل أو تأكيدها، وتصبح البرامج الترفيهية والفنية عبارة عن برامج ممجوجة تتضمن مقابلات سمجة.. فما شأني والفستان الذي صممه هذا الخياط للممثلة أو المغنية؟ وما شأني أي سيارة يركبها أو تركبها هذا المغني المتبهرج أو تلك المتبهرجة؟ وما شأني إن كانت الأغنية قد تتعدى دقيقتين أو ثلاث بحسب أوامر المنتج والمخرج؟ وما شأني بأن يهتم هذا الفنان بالزركشة والزينة وأن تظهر في الكليب حسناء وسيارة؟ هل هذا هو الفن والإبداع الأصيل؟ هل هذا هو الفن الذي سيقدمه هذا الموهوم إلى الجمهور؟ كفى ادعاءً وتشدقًا بأن الجمهور يريد ذلك..
أيها الفنانون تعلموا
في كل مرة يأتينا فنان كبير فعلا مثل سيمون شاهين، تنتعش نفوس الجمهور، وترتد الروح إلى ازدهارها، وتسترد الوجوه نضارتها. وعندما نشاهد حفلات الطرب لمطربين مبدعين حقًا، ينبعث فينا الأمل ونستنهض الهمم لكي نقول بأنه لا زال في الدنيا خير، ونستبشر بأن هذا الفنان قد احترم جمهوره لأنه يحترم نفسه ويحترم فنه، فلا يقدم لنا إلا ما لذ وطاب، وما ارتقى وسما، وما أثر فينا وترسخ في أذهاننا وأرواحنا، وبالتالي تحفظه ذاكرتنا التراثية وتاريخنا الفني. وأسمح لنفسي بمناشدتكم، ألا تظهروا على المنابر إن لم تحترموا وتبدعوا، ألا تستهينوا بأذواقنا وألا تغافلونا أو تستغفلونا، لأننا متيقظون، وجائعون وظامئون إلى الأعمال الفنية الراقية الجميلة.. فتعلموا ممن يتقن تقديم هذا الفن، واتخذوه عبرة لكم، ومثالاً وقدوة. وها هو سيمون شاهين أمامكم فتعلموا منه.
د. سيمون شاهين- فنان محترم
مراسل حيفا نت | 01/12/2010




