..وكبرنا – مطانس فرح

مراسل حيفا نت | 06/11/2010

لحظة قراءَتكم لهذه السطور تكون الطائرة التي استقلّها قد حطّت في مطار روما الدولي، بعيدًا عن أصدقائي، أحبائي، وأفراد عائلتي في صحيفة «حيفا»، المحتفلين معًا بمرور عام على ولادة الصحيفة.
نعم.. لقد مرّت سنة!

أعود معكم إلى الوراء..
رنّ هاتفي النقّال، فجاءَني صوت الزميل رزق ساحوري – والذي لم أسمع منه منذ فترة طويلة – سائلاً عن أخباري وأشغالي، وفي الوقت ذاته، طالبًا مشاركته وعبّاسي – لم أكن أعلم مَن هو هذا العبّاسي – في إصدار صحيفة محليّة جديدة.
«لم أجد أفضل منك وأنسب للعمل معه على إصدار الصحيفة، فمهنيّتك وخبرتك في هذا المجال كبيرة»! – قال لي ساحوري، محاولاً إقناعي.
"لا أرغب.. فهذا مستحيل" – كان جوابي.
"فكّر، ولا تستعجل الأمور.. فنحن على موعد معك في المكتب" – كانت تلك جملته الأخيرة.

"أوف.. أوف.." – وبدأت أتأفأف كعادتي.. فالتاريخ يعيد نفسه؛ لقد عشت هذا "الفيلم" سابقًا، ولي تجارب عديدة في مجال تصميم وإصدار صحف عديدة، محليّة منها وقطريّة.
لم تَرق لي الفكرة بتاتًا، وتردّدت كثيرًا قبل أن أعطي موافقتي لاحقًا، وقبل الخوض في تجربة جديدة أخرى في مجال تصميم الصحف؛ فإنّ أكثر من عقد ونصف العقد كافيًا باعتقادي للعمل في تصميم الصحف.. فالعمل في هذا المجال ليس سهلاً على الإطلاق، وخصوصًا إن كنت تهتمّ بأدقّ التفاصيل، وتحرص على إتمام المهمّة على أفضل وجه.
بصراحة، لم أتشجّع لخوض تجربة جديدة أخرى، فتجاربي العديدة لسنوات طويلة في تصميم المجلّات والصحف المختلفة كانت كافية.. حيث عملت في صحف مختلفة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: «معاريڤ»، «الاتحاد»، «الأسبوع الرياضي»، «المجلة الرياضيّة»، «الصنارة»، «الفجر الجديد»، «العين»، «كل الناس»، «حيفانا»، «المدينة».. وغيرها؛ إضافةً إلى عملي في مكتب حيفاويّ، وآخر تل أبيبيّ. فقد كنت قد قررت بأنّي سأقلّل من ساعات عملي، ومن ضغط العمل بشكل عام، والاكتفاء بالعمل في مكتب واحد فقط، بعيدًا عن ضغط الصحف.
وجاء الموعد المحدّد.. دخلت المكتب، وتمّ اللقاء مع الزميل رزق ساحوري والأخ والصديق راني عبّاسي من أجل مناقشة الموضوع، ومحاولة إقناعي بقبول الفكرة، حيث كان الإثنان مصرّان على أن أعمل معهما، والأصح على أن أشاركهما مشروعهما بإصدار صحيفة.. وبما أنّي لم أكن متشجّعًا للفكرة، وضعت شروطًا تعجيزيّة للعمل؛ أوّلها كان راتبًا كبيرًا – أكبر مما كنت أحصل عليه من أيّ مكان آخر – معلّلاً ذلك بخبرتي ومهنيّتي (مع كل التواضع) في مجال تصميم الصحف، وخصوصًا المحليّة منها؛ وكان هدفي من وراء ذلك "التهرّب".. وثانيها كان الحصول على أفضل «ماكنتوش» في الأسواق، بجميع برامجه التصميميّة الحديثة، معلّلاً ذلك بأهميّة العمل على «كمپيوتر» حديث لنجاعة العمل، ولضمان سيره بشكل سليم!
"هل من طلبات أو شروط أخرى" – سألني راني.
ابتسمت وكنت متأكدًا بأنه لن يوافق، فقلت: "أكتفي حاليًا"!
فأجاب: "نهاية الأسبوع سيكون "الماكنتوش" لديك"! وأضاف: "أعلم جيّدًا أنّه بإمكاني إحضار مصمّم أو أكثر بمرتب أقلّ بكثير مما ستتقضاه، إلاّ أنّي مصرّ على العمل معك، بل على إشراكك في هذا المشروع؛ لأنّي متأكّد – مما سمعته عنك – بأنّك مهنيّ، مخلص، وحريص على عملك، كحرص الأهل على أولادهم.. من اليوم لك مطلق الحريّة والصلاحيّة بالتصرّف كما يحلو لك مع "حيفا"، مولودك ومولودنا الجديد.. وأكيد بأنّك أكثر من يحرص عليه"!
غادرت المكتب متفائلاً مستغربًا.. لأعود إليه بعد أقلّ من أسبوع حاملاً معي "لوغو" المولود الجديد..
وبدأ المشوار.. وأيّ مشوار؟
لم أتأكّد بدايةً ما يمكن أن تضيفه الصحيفة لرصيدي المهنيّ وما يمكنني أن أعطيها في المقابل، إلاّ أنّ هذا الدمج كان ناجحًا ومثمرًا، لأنّي كلّما أعطيت الصحيفة أكثر أعطتني هي بالمقابل.. إعطائي الحريّة المطلقة (دون مبالغة) دون رقيب أو حسيب، ولكن بمسؤولية ووعي كبيرين، ساعدني على الولوج إلى عالم الكتابة والصحافة والإعلام، على الرغم من تجاربي السابقة في هذا المجال، إلاّ أنّي استطعت أن أحلّق عاليًا مع المولود "حيفا"، لأنّي لم أجد سلاسل تكبّل يديّ.
لقد توفّرت جميع الشروط المناسبة والمريحة للعمل وأكثر.. سافرنا معًا إلى القاهرة لتغطية معرض الكتاب الدولي.. حصلنا على هواتف نقّالة.. تلقّينا أجهزة حاسوب نقّال.. إجازة لقضاء نهاية أسبوع.. إضافة إلى الهدايا، تقديرًا للعمل الدؤوب وتحفيزًا على الاستمراريّة.. وآخرها احتفال بهذه المناسبة السعيدة..
أحتفل بعيدًا.. لكنّي سأعود بعد أسبوع من إيطاليا لأحتفل معكم من جديد!
بكل صدق، لم أشعر يومًا من الأيام بأنّي أعمل في صحيفة "حيفا"، لأنّ "حيفا" تعني لي الكثير، فهي المولود الذي رأى النور بين أحضان عائلة محبّة ودافئة.. وأعظم ما في التجربة أنّي أنتمي لهذه العائلة المحبّة: أخي الكبير رزق، الأخ المقرّب راني، أخي الصغير محمود، والأخت المدلّلة آية.. و"حيفا" المولود الذي بلغ السنة من عمره.. كبر، وكبرنا معه..
والله كبرنا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *