بالامس القريب اخترقت في مدينة الّلد، رصاصات غاشمة جسد سيّدة عربيّة في الثلاثين من العمر وامّ لأطفال ، فتركتها جثة هامدة.
واليوم المسرحية البائسة عينها ، والرصاصات المنفلتة ، المعربدة نفسها ، تخترق جسد أمرأة لدّاوية عربيّة اخرى وامّ لأطفال خمسة ، وفي الثلاثين من العمر، فتقطف شبابها..
كلّ هذا والشيطان يضحك ويقهقه …. يتلمّظ قائلا : مرحى…برافو…الأمور تسير على ما يرام ، شرف العائلة يجب أن يصان !!! أن يُغسَّل بالدم والقتل والرصاص، يجب أن يُنقّى باختزال النفوس ، واختطاف الأرواح مشفوعًا بأزيز الرصاص والعنف المبارك!!!
أمّا أنا فأكاد أن أصاب بالجنون، فاصرخ الى ربّ السماء : رحماك يا ساند الضعفاء ، وعاضد المظلومين ، رحماك .ارحمنا من هذا العنف الظالم ، هذا العنف الذي يأبى باسم الشرف إلا ان يقطف زهرات يانعة من بساتيننا.
أكاد أجنّ !!! وأتساءل : هل الشّرف في الشرق كلمة مرادفة للمرأة فقط ؟ أليس للرجل شرف ؟ وإلا ما بال هؤلاء العتاة المجرمين يسرقون حياة النسوة بحجة الشَّرف ؛ شرف العائلة ، ولا يعرفون أنّ بعملهم الفظّ هذا انما يُلوّثون شرف العائلة والحمولة والقبيلة والأمّة ، بل شرف الشرق برمته.
مَن أقام هؤلاء ديّانين ، ومن أعطاهم الحقّ بمحاكمات ميدانيّة ، شوارعيّة ، رعاعيّة وبربريّة يعجز قلم الألمعي عن وصفها ؟
لنفرض جدلا أنّ هناك زانية _ وأنا اشكّ في الأمر_ فهل تزني المرأة وحدها ؟ أليس هناك من زانٍ معها أو زناة ؟
لماذا لا يُعاقبون حسب شريعة هؤلاء القتلة ؟
أم أنّ الرجل له الحقّ في اتيان هذا الإثم بصفته رجلا بل قل فحلا ، وأنّ من حقّه أن يتباهى " بخروجه" مع هذه المرأة وتلك السيدة ، يتباهى في المجتمعات بصولاته الغرامية وغزواته ، فنروح نُصفِّق لرجولته وفحولته.
جريمة نكراءهذه الفعلة المسماة " شرف العائلة " ومجرم هو المجتمع الذي يُصفّق للقتل بسبب العائلة وشرفها !!!
لعن الله هذا الشّرف ان كان يُزكّى فقط بالقتل والمسدّس .
لعن الله هذا الشرف ان كان الرصاص الحيّ هو الحكم والقاضي ، والعنف هو السيّد.
اذكر الربّ يسوع يوم جاؤوا الية بامرأة امسكت بذات الفعل ، وكانوا شيوخًا وشبّانا ، وأرادوا ان يحكم عليها بالرجم حسب الشريعة.
(1).jpg)
كتب السيّد على التراب ، وكأني به يكتب خطايا كل واحد من المشتكين ، ثمّ رفع رأسه قائلا للجمع : " من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر
انسحب الجميع الشيوخ قبل الشباب ، انسحبوا يجرّون ذيل الهزيمة . أمّا هو فرفع رأسه اليها بحنان وقال : ألم يدنك أحد …
-لا يا سيّد.
– ولا أنا ادينك ..اذهبي ولا تخطئي أيضًا.
لا أظنّ ان الله الذي نحبّه ويحبّنا يرضى بهذا العمل الاجراميّ .
لا أظنّ أنّ النفوس الحُرّة ، المتحضرّة تقبل بمثل هذا التّصرّف الهمجيّ .
لا أظنّ ان الضمير الانسانيّ الحيّ يقبل مثل هذه الجرائم .
كل يوم نسمع ونشاهد ونلمس القتل تحت ستار شرف العائلة ونصمت صمت أهل القبور….نتأفف ونمشي.
ويأتي المشهد الثاني من المأساة بعد عدة أيام ، ودم الضحية السابقة ما زال طريًّا على الرصيف وصارخًا الى السماء..فنتأفّف ونمضي.
لقد اعتدنا على الجريمة ، اعتدنا ان نرى ارواح النسوة تسرق وتختطف بحجج واهية ، عبثية ونصمت ، وكأننا بزمن الجاهلية والعصور الوسطى .
وأسأل ويسأل معي الضمير الانسانيّ الحيّ :
الى متى سيستمرّ هذا المسلسل القذر ؟
الى متى سيبقى الرصاص هو سيّد الموقف؟
الى متى سيبقى الشّرف منوطًا فقط بالنساء ؟
الى متى ستبقى النسوة عرضة للقتل والظلم ونحن نقف مكتوفي الأيدي ؟
اين الحكم المركزّي ؟
اين رجال الدين ليقولوا للأعور أعور ، وليقولوا ان هذا حرام ومليون حرام؟
دم أخيك يصرخ اليّ قال الربّ يوم قتل قايين أخاه هابيل واليوم ما زال الربّ صارخا ..
دم اختك يصرخ اليّ.
كفى … كفى ..لقد وصل السيل الزُّبى.




