بحثت عن عنوان ادوار مارون ابن حيفا 69 عاما عدة أسابيع حتى وقع رقم هاتف بيته بين يدي فأجريت اتصالا. فردّ عليّ يصوت مرتعد بالإيجاب حول إعداد تقريرلصحيفة حيفا عن بطولاته ومشاركته في أولمبيادة 1960 في روما ضمن الوفد الأولمبي الإسرائيلي ودخوله التاريخ الرياضي لفلسطينيي 48 كونه أول عربي في البلاد شارك في الأولمبيادة وحصل على مرتبة متقدمة حيث نافس  28 دولة. وقال لي أريدك أن تنسق مع زوجتي هيلين فهي ذراعي اليمين. وهذا ما حصل فتوجهت الى بيته في شارع هجيفن 53 حيث استقبلتني زوجته هيلين. وكان هذا البطل جالسا على كرسي العجلات، نحيف الجسم، يتحدث بصعوبة بسبب الأمراض التي ألمّت به، وقد لاحظت أنّ ساقه اليسرى تم بترها، كما أنّ نظره قد ضعف.

 فسألته ما الذي ألمّ بك؟ وكيف تحوّلت من بطل محلي ودولي على كرسي العجلات، مُقعد؟ فكانت اجاباته متقطعة، وحاول استجماع أفكاره وذكرياته؟ ولكن ما لفت نظري قوة إرادته والمعنويات العالية رغم تدهور حالته الصحية!

سنأتي على نشرها في التقرير لاحقا فالتقطت له بعض الصور فشعر بأن التاريخ الذي صنعه يعود ولو لفترة قصيرة ولكن الحسرة على ما أصابه لم تمنع عزيمته واصراره على الحياة.

ولد ادوار مارون في حيفا عام 1938، تزوج من هيلين غطاس(مقدسية الأصل) وقد رزق بثلاثة: ابنه ألفرد وبناته نانسي وكلوديا. عمل ادوار مارون في مهنة النجارة،  أما أخوته فهم أنطون، ادمون، وريمون. احب رياضة رفع الأثقال منذ كان في سن 14 عاما، فبدأ التدرب على رفع الأثقال منذ عام 1956 في حيفا حيث تعرف على المدرب يودا مينس، وفي عام 1958 تعرف على مدرّب منتخب اسرائيل في رفع الأثقال يعقوف شبرينجر. حيث تدرب بكثافة في معهد فينجت.أما في عام 1957 شارك ادوار في دورة ألعاب "المكابياه" فحصل على المرتبة الثانية في رفع الأثقال. أما في عام 1959 شارك ادوار مارون في النمسا ضمن منتخب اسرائيل في الرياضة في رفع الأثقال وفاز بالمرتبة الثانية بعد دولة فرنسا.شارك في بطولات عديدة: النمسا 1962 وحصل على المرتبة الأولى ستوكهولم عام 1963 وحصل على مرتبة سابعة في بطولات العالم،كما حاز على كأس دولة اسرائيل في وزن الريشة عام 1963  في عام 1957 وعام 1965 حاز على بطولة اسرائيل في وزن الديك( الخفيف) أما قمة الرياضة التي وصلها ادوار مارون فهي مشاركته في أولمبيادة روما عام 1960 وهكذا يعتبر أول عربي من فلسطينيي 48 يشارك في الأولمبيادة ضمن المنتخب الرياضي الإسرائيلي. هذا وقد رافقه المدرب يعقوف شبرينجر هذا الإنسان الذي شجع ادوار وقدم له الدعم المعنوي. فكانت النتيجة التي حصل عليها ادوار ترفع الراس فقد حصل على المرتبة ال 17 في رفع الأثقال في وزن الديك منافسا 28 دولة حيث رفع 270 كغم. وخلال مشاركته في أولمبيادة 1960 كان أخوه الكبير طوني يجمع الصحف التي تكتب عني خلال وجودي في روما ليقدمها هدية لأخيه بعد عودته.

فكان لنا هذا اللقاء مع البطل ادوار مارون البطل الذي نسيه الزمن ومن ذاك الزمن المنسي.

لماذا توقفت عن رياضة رفع الأثقال والمشاركة في المنافسات؟

لقد أثّر على مجرى حياتي الرياضية حدثين هامين وهما: مقتل أخي ريمون وهو في سن ال 15 عاما من قبل الجيش الإسرائيلي عام 1961 مع شابين من حيفا وهما جريس بدين وجورج شاما، وشابين من أم الفحم على حدود غزة. حيث عملت في النجارة فتلقيت الخبر الحزين وصدمت العائلة من هذه المصيبة. كما أثر على نفسيتي مقتل المنتخب الإسرائيلي في اولمبيادة ميونيخ في المانيا عام 1972 حيث قُتل أصدقائي يوسيف رومانو وزئيف فريدمان والمدرب يعقوف شبرينجر. فقد صادف أنني تزوجت في نفس العام لهذا لم أتوجه للمشاركة في الأولمبيادة وإلا لكان مصيري مع منتخب اسرائيل الذين شاركوا في ميونيخ 1972. كما قررت أن اعمل في منجرتي حتى أحضر لقمة العيش الى بيتي. فأنا لا أفرق بين عربي ويهودي لأنني كنت أشعر أنّ أصدقائي الذين قتلوا كأخوة لي حيث كنا نأكل ونجلس ونتبادل الزيارات فيما بيننا وهم شجعونني على المشاركة في أولمبيادة 1960 بعد أن رأوا قدراتي وتألقي في رياضة رفع الأثقال.

هل تذكر رياضيين عربا في تلك الفترة الذهبية ؟

أذكر علي، عدنان، ومحسن خدرج من المكر، وأذكر الصديق سامي حداد من حيفا، وجمال بطحيش من الناصرة. وقد كان لي آخر لقاء مع سامي حداد قبل 20 عاما فانقطعت عنه الأخبار.

هل اللجنة الأولمبية في الدولة قدمت لك الدعم؟

لقد بحث عني صديقي المتقاعد موشي جوريس حيث قرأ عني في صحيفة عبرية حتى عرف مكان سكناي في شارع طبريا. هذا بعد أن سأل عني لدى المؤسسات ومنها بلدية حيفا. فتفاجأت من زيارته حيث لم أره منذ عقود فقال لي بالحرف الواحد أريد أن اساعدك. وتوجه الى صحيفة عبرية وكتبوا عني تقريرا فوصلت قضيتي الى رئيس بلدية حيفا يونا ياهف، وزارة الإسكان وزارة الصحة. فنتج عن ذلك مساعدتي في شراء بيت في شارع هجيفن، وبيع بيتي في شارع طبريا الذي عانيت منه الأمرين. حيث كنت منفصلا عن العالم بسبب عشرات الدرجات التي منعتني من الخروج من البيت. فحياتي تغيرت منذ شهرين بعد دخولي بيتنا الجديد  فأشعر بالفرحة لأنني بدأت أرى الناس والحياة في حيفا التي افتقدتها سنين طويلة منذ بتر ساقي قبل نحو 17 عاما.

هل كانت في حياتك أمنية لم تتحقق؟

لقد دربت فترة في بيت الكرمة ومجدال هعيمق ولكن طموحاتي وأمنيتي كانت أكبر وهو أن أصبح بطل العالم في رفع الأثقال في وزني. ولكن الظروف منعتني من مواصلة ممارسة هذه الرياضة. فأشكر الله على وقوف زوجتي وأولادي الى جانبي في محنتي.  

لماذا أنت غاضب على وسائل الإعلام العربية الرياضية؟

أتساءل لماذا لم يسأل عني أحد ولم تهتم بوضعي وسائل الإعلام العربية الرياضية وتجاهلونني. ولكن رغم تأخر اللجنة الأولمبية الإسرائيلية بمساعدتي إلا أنها وصلتني وقدمت لي المساعدة فأنا غير نادم 

ولم أندم على تمثيل دولة اسرائيل في الأولمبيادة. لأنني لا أفرق بين عربي ويهودي وهكذا كان شعوري مع زملائي اليهود في تلك افترة.

كيف تقضي نهارك؟

أمارس الرياضة في البيت يوميا فالرياضة تجري في عروقي وأشاهد الرياضة على جميع أنواعها عبر التلفزيون ومنها مباريات كرة القدم . وأحيانا يأخذني ابني ألفرد  الى شاطيء بحر حيفا التي حرمت رؤيته منذ سنين طويلة، كما يأخذني للتجول في حيفا فأريد ان أرى حيفا وأستمتع بهوائها وبحرها.

ما رأيك بشباب اليوم والرياضة؟

كما ألاحظ فإن شباب اليوم بعيدون عن الرياضة إلا قلة قليلة يحبون كرة القدم، فالرياضة هامة تنشط العقل وصحة للجسم.  

ولكن الرياضة سببت لك أضرارا جسمانية أفقدتك ساقك؟

لقد تم بتر ساقي بعد فشل عملية جراحية أجريت في رجلي بسبب الضرر الناجم عن رفع الأثقال ولكن هذا لا يعني من عدم ممارسة الرياضة. فيمكن بحضور مدرب أن تتدرب على الأصول دون أضرار ويمكن أن تصل الى أعلى الدرجات محليا وعالميا. والجدير ذكره أن ادوار مارون تلقى دعوة عام 1996 للمشاركة في أولمبيادة البالغين في فيينا ولكن بسبب بتر ساقه قبل أيام من تلقيه الدعوة حال دون مشاركته.