طبيب الآلام وطبيب الكلام إنه د. خالد تركي : أعدّ التقرير- رزق ساحوري صحيفة حيفا وموقع حيفانت

مراسل حيفا نت | 13/10/2010

لقد عرفتُ د. خالد تركي (داود) منذ سنوات طبيبا ماهرا مثقفا، مطلّعا على الأحوال السياسية، الثقافية، التاريخية في البلاد والعالم. نشيطا في الحزب الشيوعي في حيفا لا يمكن أن نفصل عمله كطبيب عن مبادئه وفكره السياسي الذي تربّى عليه في بيته. فوالده ابراهيم تركي (أبو خالد) وعمه داود تركي(أبو عائدة) الشاعر والمناضل وعمّه بطرس الذي يعيش مغتربا في استراليا مع عائلته وهو من أول فوج من خريجي الكلية الأورثوذكسية العربية في حيفا. ولكن مفاجأة هذا الطبيب الماهر والمحبوب هو عشقه للغة العربية، وآدابها،
فقد بدأ يكتب المقالات الإجتماعية، السياسية، النقدية الهادفة، بأجمل لغة وتعابير ولهذا يمكن أن نطلق عليه الطبيب الذي يعالج آلام الناس وطبيب في أجمل الكلام. فقلما نرى ونسمع طبيبا يزاول مهنته التي تعتمد على لغات أجنبية يكتب النثر والمقالات بلغته الأم فنحن سنكشف عن هذا السرّ لاحقا.

لم تقتصر كلمة هذا الطبيب في الصحف ومواقع الإنترنت على المقالات انما توجه الى السرد التاريخي لشخصيات من رفاق الحزب الشيوعي عاشت فترة النكبة والحكم العسكري. وعلى هذا الأساس أصدر كتابه الأول" يوميات برهوم البُلشفي" عام 2008 وقبل نحو شهر (في عام 2010) أصدر كتابه الثاني " حُماة الديار"- حقائق محكية. ففي هذين الكتابين عدا عن السرد التاريخي لعدد من الشخصيات الشيوعية فهو ينشر صورا تاريخية لأحداث تاريخية سمعنا عنها. كما أنه ينشر صورة زنكوغرفية عن التصريح الذي كان يصدره الحاكم العسكري، صورة زنكوغرافية عن كواشين للأراضي، صورة زنكوغرافية من شهادة تسجيل من قبل حكومة فلسطين وغيرها. فالتشجيع من قبل رفاقه د. عصام زين الدين والأستاذ اسكندر عمل ومن والده ووالدته ومن أخواله وحتى عائلته  زوجته وأولاده دفعه الى عالم الكتابة والتوثيق التاريخي لفترة تاريخية  قاسية وهي فترة الحكم العسكري وما بعد النكبة. 
د. خالد تركي (داود) هو خالد ابراهيم سمعان تركي داود حيث نودي وعُرف  في الكلية الأورثوذكسية في حيفا خلال تعليمه الثانوي خالد تركي. أما أخته وضحى فقد نوديت وعُرفت وضحى داود. ففي الكلية لم يصدقوا انهما أخوة  حيث كانا يذهبان ويعودان الى الكلية معا.
 تعود جذور د. خالد تركي الى قرية المغار الجليلية، حيث رحل جده سمعان تركي من قرية المغار عام 1932 نتيجة الضائقة وبدأ العمل في بلدية حيفا في الحفريات، فوالد  ابراهيم تركي ولد عام 1933 في حيفا أما د. تركي فهو من مواليد 1958. نشأت عائلة د. خالد تركي في حي وادي النسناس في حيفا في شارع ياقوت. أنهى والده ابراهيم تعليمه في المدرسة الأسقفية في حيفا للروم الكاثوليك وفي عام 48 توقف عن التعليم بسبب ظروف الحرب،والحكم العسكري. تزوج والده أطال الله في عمره عام 1956 من ابنة عمه سعدى تركي. . جدي سمعان مقبور في مقبرة الروم الكاثوليك في شارع يافا في حيفا. شارك جدي سمعان في ثورة 1936 وفي سنوات ألأربعين أصيب برصاصة  وعاش معاق وتوفي في خميس الأسرار في أسبوع الآلام عام 1946. ودائما والدي يذكرني في خميس الأسرار بوفاة جدي.

 وهنا يستذكر د. خالد تركي" قبل عقد القران أراد الكاهن من والدي أن يعترف وهذا ما حصل.إلا أنّ الكاهن قال له "أن هناك خطيئة لم تعترف بها". فقال والدي كل ما عندي قلته". فقال الكاهن" هناك خطيئة لم تعترف بها وهي أنك شيوعي". فقال والدي وهل الشيوعية خطيئة؟ فقال له الكاهن نعم! ولكن والدي بدأ بمحاولة اقناع الكاهن وتوضيح الأمور بأن الشيوعية  حافظت على وجود الفلسطينيين الباقين في وطنهم. واقتنع الكاهن في النهاية ووافق على عقد القران.
للدكتور تركي 4 أخوات يحملن أسماء عربية لها معاني عميقة وهنّ وضحى، رفيقة، أميّة، رُلى وكما قال أطلق والدي عليّ اسم خالد تيمنا بالقائد العربي الإسلامي خالد بن الوليد.
 ولد د. خالد تركي (داود)  ولدت في حي وادي النسناس في مستشفى روتشيلد ومع أنه يسكن في 2 نوفمبر إلا أن كل من يسأله أين تسكن يجيب "أنا من وادي النسناس". فهذا الحيّ يقول تركي" الذي أعتز به، خرّج رجال قياديين، مثقفين ووطنيين".
حدّثنا كيف ولماذا درست مهنة الطب؟
د. تركي: تعلمت المرحلة الإبتدائية في مدرسة مار يوحنا ولضيق الأحوال المادية انتقلت للتعلم في مدرسة الأخوة. ولكن ذكرياتي منحوتة من فترة مار يوحنا ولا أعرف السبب! وبعدها انتقلت للتعلم في الكلية الأورثوذكسية العربية حيث أخذني عمي الراحل الشاعر والمناضل داود تركي.
 كما تسجلت في الكلية أختي وضحى حيث أراد عمي داود ان نتعلم في مدرسة عربية مستوى عالي وتحمل راية الوطنية. تخرّجت عام 1977 وبعدها عملت مع والدي في الحدادة لمدة عامين. وبعدها حصلت على منحة تعلّم الطب من قبل الحزب الشيوعي في جمهورية تشيكسلوفاكيا الإشتراكية ما بين أعوام 1978 حتى 1985. فدرست الطب العام في جامعة كومنسكي في براتسلافا عاصمة سلوفاكيا اليوم. درست لمدة 7 سنين وكنت كل عامين  آتي الى أرض الوطن في  حيفا لزيارة الأهل والأصدقاء.تزوجت عام 1982 من زوجتي السلوفانية واسمها اديتا كيشينوفا التي شجعتني ودعمتني معنويا.

وفي عام 1984 ولدت ابنتي صابرين في تشيكسلوفاكيا(آنذاك) فالإسم أعجب زوجتي رغم كونه اسما عربيا فاستغرب الناس لماذا هذا الإسم العربي فكانت زوجتي تجيب بأننا سنعود الى مدينة حيفا لنعيش هناك. حيث كان متفق مع زوجتي أن نتزوج ونعيش في حيفا في أرض الوطن وكانت مساندة لقضايا شعبنا حيث درست علم المكتبات. وأذكر أنه في عام 1982 وصل جرحى فلسطينيين من لبنان الى مستشفيات تشكسلوفاكيا وبضمنه المستشفى الذي أعمل فيه حيث كانت زوجتي تحضرُ الطلاب التي تعلمهم لزيارة الجرحى وتقدم محاضرات عن القضية الفلسطينية.
 تخرّجت عام 1985 وفي عام 1986 ولدت ابنتي ميّ في حيفا، حيث كنت قد قدمت طلبا للعمل في رمبام(طبيب متمرّن)  حيث كنت أعمل مع خالي وأبي.
هذا وقد عملت في عدة أقسام في رمبام منها جراحة الصدر وكان بالإمكانية أن أتخصص. ولكن لسبب ما رفضوا تخصصي مع أن البروفسور "بيست" قد استغرب لماذا لم يوافقوا على تخصصي في رمبام!
فأجبته لأن عمي هو داود تركي!! فاستغرب البروفسور بيست استغرب العقاب على ما لم أفعله.
 فعمي داود تركي قد تحرر في "عملية النورس" في تموز عام 1985 حيث كان معتقلا في قضية أمنية منذ عام 1972 في سجن الرملة حيث قضى 13 عاما وراء القضبان حيث تبادلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة- يقيادة أحمد جبريل أسرى فلسطينيين بجنود اسرائيليين
 بين الجبهة الشعبية القيادة العامة مقابل 3 جنود اسرائيليين.
وهنا يكمل د. تركي حديثه حول أمله في أن يعمل طبيبا المهنة التي أحبها
" إلا أن العمل في المستشفيات لم يغلق أمامي فرويت للبروفسور الياس طوبي القصة فهو صديق ورفيق. فقال لي المستشفى الإيطالي( الطلياني)  يرحب بك. وفي عام 1987 انضممت الى هذا المستشفى العريق فتعرفت خلال عملي على البروفسور كوتن مدير قسم الأمراض السرطانية في رمبام. فكان المستشار للأورام السرطانية في المستشفى لأن هذا القسم هو فرع من فروع الأمراض السرطانية في رمبام.
 فنتيجة رؤيته عملي ومهنيتي في المستشفى اقترح أن اعمل في رمبام ولكنه فشل في استيعابي في رمبام. ولكنه استغرب وقال لا أعرف ما هي المشكلة؟ فقلت له أنا أوضح لك الأمور، بسبب عمي داود تركي. فمن أراد أن يسير في هذه الطريق سيدفع الثمن وأنا جزء من هذا الثمن وما زلت أدفعه ولكن تقدمي في الطب وخدمة الناس ومحبتي لأبناء شعبي كانوا الدافع وراء تمسكي وعدم التفكير باليأس. وبعدها بدأت أعمل في صندوق المرضى لئوميت فدرست طب العائلة في التخنيون لمدة 4 سنوات عدا عن الطب العام. هذا وكنت اشارك في دورات دراسية وتثقيفية ومؤتمرات حيث أعالج في قسم الأورام السرطانية.
ماذا أعطيتك الشيوعية ومن هو المؤثر على انتمائك للحزب؟
 نشأنا في بيت شيوعي حيث كان عمي داود في "عصبة التحرر الوطني" أبي ابراهيم وعمي بطرس في الشبيبة الشيوعية. وبعد حرب 48 وجدوا أنفسهم في الحزب الشيوعي الإسرائيلي. لقد ورثت الشيوعية عن عائلتي وأكملت الطريق. كما أن أخوالي فوزي داود وفايز داود نشأوا في الحزب الشيوعي.
ولكن السبب في تمسكي في الحزب لأنني رأيت أن هذه الطريق الصحيحة
فالفكر الشيوعي يحل القضايا القومية،يناصر العمال والفلاحين يدافع عن الحقوق الإجتماعية. كما أن الحزب الشيوعي هو حزب عربي يهودي وحتى اليوم هذا الحزب الذي يمثلني. .

من أين لك هذه اللغة العربية،طبيب يجيد عدة لغات تكتب المقالات وتصدر كتابين خلال عامين؟
كانت مكتبة اهلي في البيت عامرة، من أدب وأشعار وتاريخ، وكان والدي ووالدتي يشجعانني على القراءة والمطالعة. فوالدي عام 1948 حال دون استمراره في الدراسة حيث كان حكم عسكري، ضيق. كان جدي يحب البلشفية( الشيوعية) في فترة الإتحاد السوفييتي. لهذا أطلقت على كتابي الأول "يوميات برهوم البلشفي". والدي يمثل شريحة من الناس ضحوا من اجل المبدأ والفكر. لهذا برهوم البُلشفي هو كل انسان رفيق عاصر تلك الفترة من اجل المبدأ.
وزيادة على الثقافة في البيت والنقاش مع والدي في الأمور الشعرية والأدبية. كما أنني كنت اساعد عمي داود تركي في المكتبة التي تقع في زاوية شارع الخوري- صهيون وحين كان يسافر عمي لإحضار الكتب. كنت أجلس في المكتبة وأقرأ اشعار وروايات مترجمة. فأنا استمريت في التثقيف الذاتي أطالع روايات وأشعار وادب مترجم بالعربية.
كيف يستطيع طبيب تعلّم بلغات عدة أن يكتب مقالات ويصدر كتابين بلغة الأم؟
أنا قليلا ما اشاهد المرناة(التلفزيون) فالكتاب خير جليس ولكنني أحب سماع الراديو( المذياع) في البيت أو في العيادة. فأنا أكرّس وقتا كبيرا في المطالعة في الكتب العربية والطبية. فأنا أجد في القراءة والمطالعة والكتابة قسطا كبيرا من الرااحة، فقد بدأت أكتب منذ عدة سنوات وقد شجعني الأصدقاء والعائلة على ذلك. فموضوع المقالات إما سياسية أو اجتماعية أو  أدبية. فمثلا ملاحظات عن كتاب قرأته، أو مسرحية شاهدتها، أو ظاهرة في المجتمع أنتقدها. كما انني أفتبس أبيات شعرية، وحتى آيات قرآنية، أو حديث نبوي شريف. فنحن ثقافتنا عربية اسلامية والتاريخ العربي الإسلامي هو تاريخنا. فنحن من بيت مثقف ويعتز بتاريخه العربي والقومية العربية وأمميته.
 لماذا اخترت هذه الشخصيات بالذات في كتابيك؟
والدي كان يحدثنا فحين نذهب الى يافا كان يقول لي هذه الطنطورة وهذه عين غزال وهذه كفرلام، هوشة والكساير. وكنا ننشد في الطريق أغاني وطنية وأممية. هذه القصص من والدي يسردها لنا فمثلا  في سنة كذا وقعت مظاهرة أ معركة و…. فقلت لا أريد أن يذهب هذا التاريخ سدى.
 لهذا قررت ان يكون كتابي الأول "برهوم البلشفي" فبرهوم هو ابراهيم الوالد والبلشفي هو الشيوعي الذي أطلقه جدي على الشيوعية. كما أن اسكندر عمل شجع وراجع النصوص وشجعني زميلي د. عصام زين الدين على كتابة اليوميات واصدار كتاب "حماة الديار" فتابعت الكتاب الأول  الذي يحوي ذكريات سردها والدي وعرضت صورا تاريخية لأشخاص
 رفاق برهوم البلشفي.
أما الكتاب الثاني "حُماة الديار"… ففي المقدمة ذكرت لأن الهدف من كتاب هذا أن يكون مرجعا للأجيال الناشئة حيث عانى الشيوعيون ونفوا. وبدأت  الفكرة بسبب مقالة كتبها د.عادل مناع الذي تجنّى على الشيوعيين والحزب الشيوعي. فوجدت كيفية الرد عليه بالحقائق لشخصيات عاشوا وحافظوا على بقاء شعبنا وهذه الشخصيات من قاعدة الشعب.
فأنا أوثّق المنشور الذي وزع حين سقوط حيفا" البقاء في حيفا" 1948 كتبه توفي طوبي وعصام العباسي ويوسف عبدو بخط عصام العباسي الذي يدعو الجماهير العربية الى البقاء في حيفا" من أجل حرية فلسطين استقلالها ووحدتها". كما أنني أوثق فيه اصدار منشور الأحزاب الشيوعية العربية في البلدان العربية وبضمنها "عصبة التحرر" وقد تم توزيع المنشور في حيفا وعلى مايبدو وصل فلسطين من لبنان.إذ وصل المنشور مهربا من يد الى يد وقام بتهريبه نظلة خوري. حيث وضعوه في أنبوب صغير يسهل بلعه ووصلت به الى حيفا.
 كما أن رمزي خوري وضع منشورا في حزامه أحضره من بيروت فكان المنشور مخبأ في الحزام.
لماذا اخترت هذه الشخصيات بالذات؟
فالشخصيات منهم: عباس زين الدين، بطرس سمعان، علي عاشور، داود تركي، موسى ناصيف، علي خمرة، ابراهيم تركي ووالدي ابراهيم ، فؤاد خوري، وشخصيات من ام الفحم والجليل. فهؤلاء عيّنة من رفاق عاشوا ما قبل وبعد الإحتلال حتى سنوات الستينيات. كما أنني أروي عن" السفربرلك" الذي حدثنا عنه جدي عنه وهي عملية تتريك العرب ولكن اللغة العربية بقيت وحافظ هؤاء على لغتهم ووطنهم وقوميتهم.  فأنا ساهمت في الرد على المتطاولين على الحزب الشيوعي والشيوعية فكتبت.. فهو متطاول مية في المية….
من هو داود تركي(عمك) بالنسبة لك؟
داود تركي عمي عشت رافقته في حياته الى أن توفي فهو له الفضل في تثقيفي. فهو مناضل كبير دفع ثمن نضاله أما جملته الهامة "ليس المهم كيف دخلت السجن انما كيف خرجت من السجن" فهو خرج كالطود دفع ثمن حرية فلسطين لم يحصل على وزنه من قبل المؤسسات المحلية والداخلية. لقد فقد عزيزا وكأنني فقدت قلبي.
آخر كتاب قرأته؟
أقرأ حاليا "عزبة الدجاني" لألون حلو يتحدث عن مستوطن من بولونيا سيطر على عزبة الدجاني في يافا، وأقيم عليها ناطحات السحاب. حيث انتقلت الأرض العربية من اليافيين من عائلة دجاني الى عائلة يهودية في اوائل القرن العشرين. آخر كتاب فلسطيني قرأته للكاتب ناجي فرح ابن شفاعمرو فقد كان معلمي في مدرسة مار يوحنا بعنوان " ذكريات مهاجر"  حيث استعمل كلمة النكبة اليوم الآخر للفلسطينيين في بلادنا، وهذا اليوم الآخر سيعيد بدايته بعودة اللاجئين.
أجمل كتاب قرأته؟
 هو باب الشمس للكاتب الياس خوري لأنه يوثق مأساتنا ومأساة اللاجئين في لبنان مرورا بصبرا وشاتيلا.
الحزب الشيوعي اليوم ما هو وضعه؟
نحن نطمح الى الأفضل وسيبقى حزبنا وجبهتنا الى الأفضل من اجل بناء وطن سعيد وطن لشعبين كتب أن نعيش معا. 
آخر كتاب فلسطيني قرأته للكاتب ناجي فرح وهو معلمي في مار يوحنا " ذكريات مهاجر" وقد استشهدت عن سقوط حيف حيث استعمل كلمة النكبة اليوم الآخر للفلسطينيين في بلادنا. وهذا الآخر سيعيد بدايته وسوف يعود اللاجؤن.

يقول د. خالد تركي في مقدمة كتاب يوميات ابراهيم البُلشفي" أردْتُ من هذه اليوميّات أن أكتب كلمة وفاء وعهد لبرهوم البُلْشُفيّ، وحزبه وجبهته، شاكرهم جميعًا على هَدْيهم لي ولغيري من الرّفاق على هذا الطّريق الّذي لولاهم ما كُنّا لِنهتَدي إليه وما كُنّا أقوياء.
أردْتُها كلمة تقدير وشرف وعزّ وشُكر للسّالفين وكلمة تثقيف وتعريف للنّاشئين على الّذين حافظوا على الكرامة والإباء وعِزّة النّفس لشعبٍ بقي في وطنه بعد احتلاله ولم تُرهِبْهُ يد البطش والإرهاب والمصادرة

ما بعد المُقَدِّمة
د. خالد تركي – حيفا    
لا أدري كيف بدأتُ كتابة اليوميّات ولم أدرِ أيّ حافز قام بتحريضي على كتابة ذكريات قصّها عليّ والدي أبو خالد مرارًا. لكنّي أدري أنّني أردْتُ من خلال كتابتي لليوميّات أن ابتعِد عن كتابة مُجرّدة لذكريات إنسان ورفيق وأخ وصديق وعزيز ومهجة قلبٍ، ألا وهي ذكريات والدي.
لم أرِدْها لوالدي فقط، ولم أضعْها تحت عنوان يوميّات إبراهيم تركي، حتّى لا يكون الاسم محصورًا بوالدي وحسرًا لوالدي. أردْتُ أن يكون اسم برهوم مجازيًّا، لأنّ برهوم يمكنه أن يكون أيّ رفيق من رفاق الحزب الشّيوعي، أيّ رفيقٍ من رفاق الكدح والعمل والدّفاع عن العامل والمرأة والأرض  والعرض والمسكن والبيت وأيّ رفيق من رفاق  الحزب الّذين ناضلوا ضدّ الاحتلال أينما كان وفي أيّ وقت كان، وأيّ رفيق من رفاق الحزب الّذين اشتركوا في توزيع أدبيّات وكلمة الحزب".

ويقول في مقدمة كتابه "حُماة الديار"
من أيّة طينة جُبِلوا، ومن أيّ ماء شربوا، ومن أيّ نبع نهلوا، حتّى خرجت هذه الخلطة المقدّسة من الطّين الخصب والماء العذب في اليوم السّادس دون أن يعرفوا ما معنى راحة اليوم السّابع، يومَ يرتاح باقي البشر، فقد واصلوا عملهم على مدار أيّام الأسبوع ما بين السُّهُبِ والشُّهُبِ ليبنوا بنيانًا متراصًّا ومُشيَّدًا وعميقًا في باطن الأرض تمتدّ جذوره إلى نواتها..
لقد خرج من هذه الطّينة الحمراء أناس أشدّاء وأقوياء وأشاوس، لا يعرفون أيّ نوع للكسل، بعد أن نُفِحت فيهم روح العمل والمثابرة والكدّ والجدّ والتّضحية والفداء،
لقد واصل رفاقنا عملهم اليوميّ من أجل لُقمة العيش بشرف وكبرياء بعملهم
النّضالي المثابر طيلة أيّام الأسبوع خاصّة أيّام الثّلاثاء والجمعة بعد يوم عمل مُضنٍ وفي يوم راحتهم، اليوم السّابع، كانوا يخرجون إلى القرى المجاورة والمتاخمة لبلدتهم من أجل نشر فكرهم، فكر الوعي الطّبقي والوطني والعدالة الاجتماعيّة والسّلام
لقد فرضت عليهم الرّجعيّة المحليّة الحرمان الدّيني، وحاربتهم وحرّضت عليهم
باسم الدين نزولاً عند رغبة نفر من رجال الدّين الرّجعيّين ورغبة الحكومات الصّهيونيّة المتعاقبة في دحر الخطر الذي منحوه اسم "الخطر الشّيوعي"، ليكونوا غرباء بين أهلهم، لكنّهم فشلوا.
لقد فُرض على الرّفاق السّجن والنّفي والإبعاد والملاحقات والتّهديد والطّرد من العمل لتضيق الدّنيا في وجوههم حتّى لا يجدوا منفذًا لأزمتهم أو منقذًا لحياتهم غير ذلك الذي قد رسموه لهم حتّى يسير الرّفاق في طريقهم إلى العمالة وبيع الضّمير، لكنّ سياسة العصا والجزرة التي اتّبعوها هي الأخرى قد فشِلت.
الإهداء:
إلى الذين شقّوا لنا الطّريق بعرقهم وكدّهم وأناروا دربنا بنور عطائهم وتفانيهم وفكرهم ليحافظوا على وجودنا فوق أرضنا وبقائنا في وطننا الذي ليس لنا وطن سواه ولنسير، من بعدهم، بخطى ثابتة وأكيدة نحو السّلام العادل وعودة اللاجئين وبناء العدالة الاجتماعيّة.
إلى روح المناضل داود تركي أبي عائدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *