الطنطورة – الحفريات الأثرية إعداد: كميل ساري – مدير قسم الرقابة، الأبحاث وسياسة صيانة الآثار

مراسل حيفا نت | 12/10/2010

كميل ساري

لمحة عامة
التل الأثري المعروف باسم "تل دور" ذكر بالمصادر التاريخية من الفترة الهيلانية, وينسبه الباحثون إلى الموقع المعروف أيضا باسم "خربة البرج" على شاطئ الكرمل بالمنطقة المتواجدة إلى الجنوب من كيبوتس ناحشوليم والمعروفة باسم الطنطورة: المصادر اليونانية والرومانية القديمة وصفت مكان الموقع ما بين "جبل الكرمل" وبين "برج شرشون" أي قيسارية الأثرية. أحدى المصادر ذكرت الموقع 8 أميال إلى الشمال من قيسارية بينما ذكر المؤرخ اليوناني يوسبيوس ان المكان 9 اميال الى الشمال من قيسارية. استنادا إلى ذلك يمكننا أن نحدد مكان "دور" الأثرية بالمكان المعروف لنا "خربة البرج".

 تذكر المدينة بالمصادر المصرية بسجل المدن من أيام الفرعون "رعمسيس 2" أي القرن 13 ق.م. ضمن المدن المتواجدة على طري البحر والطرق المتفرعة من ساحل عكا إلى الغرب نحو منطقة الشارون. كذلك فأن الكاهن المصري "فان آمون", بسجل رحلته من عام 1100 ق.م, يذكر ميناء المدينة وحاكمها بأسم "بدر". أيام سليمان الملك كانت "دور" ضمن المقاطعة الرابعة وحاكمها "أفي نداف" زوج بنت سليمان الملك.
عام 732 ق.م احتلها الآشوريون وكانت مركزا للمقاطعة الآشورية التي امتدت من جبل الكرمل وحتى يافا (تل ابيب).  أما خلال الفترة الفارسية فكانت تحت حكم مدينة صيدا. اما خلال الفترة الهيلانية فكانت مدينة محصنة جدا. فالمؤرخ بوليبيوس يقول بان الحاكم انطيوخوس ميناس حاول احتلالها عام 219 ق.م ولم ينجح بذلك. وهذا المؤرخ يوسف بن متتياهو يصفها مدينة محصنة يصعب احتلالها.
خلال الفترة الرومانية نالت استقلالها وبدأت صك النقود. من خلال نقود المدينة يمكننا ان نتعرف على هوية الآلهة التي عبدها سكان مدينة دور: عشتار وزفس. هيرونيموس يصف الموقع مهجورا خلال القرن الرابع الا اننا نعلم بان الموقع كان مأهولا بفترة لاحقة حيث تواجدت بالموقع كنيسة حتى القرن السابع ميلادي. منذ ذلك الحين كان الموقع مهجورا حتى أيامنا

البحث الأثري
بدا البحث الأثري بين الأعوام 1923-1924 بأبحاث المدرسة البريطانية للآثار في القدس حيث أجريت الحفريات على مدى عامين. قسم الآثار الإسرائيلي أدار الحفريات عام 1950 الى الشمال من التل الأثري.
الحفريات من العام 1923 – 1924 أجريت خلال الفترة التي كان علم الآثار لا يزال يشق بداية طريقه في البلاد. لذلك فان التقارير وسجلات الحفريات الأثرية ناقصة وليست دقيقة. إلا إنها تصف طبقات استيطان من عصر البرونز الأخير وحتى الفترة الرومانية. كذلك يصف الباحثون منصات بالقسم الشمالي من التل, كانت وفقا لاعتقادهم تحمل المعابد المشابهة للمعابد من الفترة الهيلانية في سوريا. اما الحفريات من عام 1952 كشفت عن آثار الكنيسة البيزنطية في الجهة الشرقية من التل.
الحفريات الحديثة في التل الأثري, التي من خلالها نستدل القسم الأكبر من المعلومات عن الموقع, بدأت عام 1980 بأدارة جامعة القدس وبمشاركة العديد من جامعات من أنحاء العالم. تلك الحفريات لا زالت جارية حتى اليوم بأدارة الباحثة أيليت جلبوع من جامعة حيفا وأيلان شارون من جامعة القدس.

نتائج الحفريات الأثرية
الآثار من عصر البرونز المتوسط والأخير, تم الكشف عنها في القسم الجنوبي من التل, إذ أن أمواج البحر دمرت قسما من الموقع ولم يتبقى الكثير من الآثار بتلك المنطقة. وشملت المكتشفات آثار منازل سكنية قريبة من المياه. أما المكتشفات الصغيرة فاحتوت على أدوات الفخار المحلية والمستوردة من قبرص, إلى جانب أدوات "الفايانس" المستورد من مصر.
اما للعصر الحديدي (الذي يبدا 1200 ق.م) فيمكننا أن نشاهد آثار السور الكبير الذي حصن المدينة من الجهة الشرقية, وصل سمكها أكثر من 2.5 م. هذه السور بنيت من الطين على أساس من الحجر ارتفاعه ما يقارب 3 أمتار. أما داخل الأسوار فشملت المكتشفات أدوات الفخار المماثلة للأدوات الفينيقية التي عثر عليها على امتداد الشاطئ السوري – الفينيقي, والتي تعود للشعوب التي قدمت من عبر البحار واستوطنت الشاطئ, تاريخها القرن 12-11 ق.م.
من على أنقاض تلك السور الحصينة برزت آثار الاستيطان الجديد والذي يعود للقرن العاشر ق.م. حيث يمكننا أن نحدد بأنه استيطان فينيقي, استنادا إلى أدوات الفخار المزخرفة بلونين فقط وهي مميزة للفينيقيين. إضافة إلى أدوات الفخار فقد كشف الباحثون على قسم من المباني التي كانت بمحاذاة السور وبالقرب منها بقايا شارع المدينة الذي امتد من الشمال إلى الجنوب موازيا للسور تماما.
أما من فترة الاحتلال الآشوري والبابلي فالآثار قليلة جدا وأبرزها حجرا منقوش عليه ثلاث مذابح وتمثال للآلهة عشتار. وكانت المفاجأة خلال الحفريات عند العثور على قالب مميز ونادر جدا من الطين استعمل لصب التماثيل وهو يعود للاستيطان الفينيقي بالموقع.
اما الفترة الفارسية فشملت طبقتان من المكتشفات الأثرية: بالقسم الشرقي من التل كانت المنازل السكنية التي بنيت وفقا لتخطيط مسبق وبانتظام تام مع شوارع المدينة, حيث قسمت إلى أحياء سكنية صغيرة تفصلها الشوارع الرئيسية. أما بالقسم الغربي من التل تم الكشف عن بعض المباني الكبيرة التي قسمت إلى غرف صغيرة جدا. وفقا لأدوات الفخار كبيرة الحجم التي عثر عليها داخل المباني, يمكننا أن نخمن بان تلك المباني استعملت كمخازن المدينة ومن المحتمل ان جزأ كبيرا منها استعمل كمخازن لميناء الموقع.

إلى الجنوب من تلك المباني تم العثور على بقايا موقع استعمل لاستخراج الألوان من أصداف البحر والتي استعملت بدورها لصبغ النسيج.
أما خلال الفترة الهيلانية فقد استمر استعمال المباني السكنية التي كانت بالقسم الشرقي من الموقع دون إحداث أي تغير يذكر, لا بل استمر استعمال المباني على النمط والفن المعماري الفينيقي. أما بالقسم الغربي من الموقع فقد تم العثور على آثار المعابد من الفترة الهيلانية والتي تعتبر من اكبر المعابد التي عثر عليها حتى الآن في بلادنا.
للفترة الرومانية يجدر ذكر الشارع الرئيسي الذي أدى من المدخل الشرقي للمدينة. إلى جانبه وبالقرب من المدخل كانت المباني العامة. آثار المدخل الشرقي لم تحفظ كاملة إلا أننا نشاهد من القليل المتبقي آثار قناة المياه التي جلبت المياه للمدينة خلال الفترة الرومانية
عام 2005 قامت سلطة الآثار بمسح أثري تحت الماء في القسم الجنوبي من الميناء القديم بالموقع. المكتشفات الأثرية كانت منتشرة تحت الماء بمساحة 2 دونم. بعد أخراجها من الماء تبين انها قسم من حمولة سفينة تاريخها القرن السابع ميلادي. الى جانب تلك الحمولة عثر على مكتشفات من فترات مختلفة: من بينها 27 عملة نقدية من البرونز تاريخها القرن 7 م. إضافة لها تم العثور على 58 عملة نقدية على شكل كتلة واحدة وهي أيضا من القرن 7 م.
اما من أبرز المكتشفات من عام 2010 فكان خاتما من الفترة الهيلانية يحمل زخرفة لوجه الآه الشمس اليوناني "ابولو".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *