لا شكّ بأنّ حياتها تختلف عن حياة الكثيرين.. عاشت بشكل مغاير عن باقي أفراد عائلتها ولم تتأقلم مع محيطها.. بحثت دائمًا عن الآخر.. كانت تبحث، وما زالت عن الانتماء.. حاولَت الابتعاد قدر المستطاع عن السياسة.. تعرّفت على الحزب الشيوعي في عصره الذهبي.. لم تستطع العمل مع جهاز الاستخبارات.. اتُّهِمت بالجنون.. بالخيانة.. إنسانة مشاكسة.. تعشق السيدة فيروز، وتسمع كلاسيكيّات أسمهان.. متابعة للحركة الثقافيّة والفنيّة العربية في البلاد.. عربية؟!.. يهوديّة؟!.. وما الذي دفعها لاعتناق المسيحية؟!.. رفضها المجتمع اليهودي ولم يقبلها المجتمع العربي..!
تقضي معظم أوقاتها في حيفا، بين أزقّتها وأحيائها العربيّة القديمة، تعرف عددًا كبيرًا من العائلات العربية الحيفاويّة، لها علاقات صداقة أيضًا مع عائلات عربيّة كثيرة ابتداءً من الجنوب وحتى أقاصي الشمال، عدا أصدقائها الكثيرين في الضفة والقطاع.
حاولت من خلال لقائي بها إلقاء الضوء على بعض الجوانب من حياتها..
فلسطينية أكثر منك!
«والدي يهوديّ الأصل من أوكراينا، ووالدتي يهوديّة من تشيكوسلوڤاكيا (سابقًا)، وعلى الرّغم من أنّي من أصول يهوديّة 100%، لكنّي فلسطينيّة أكثر منّك!» – هكذا استهلّت حديثها معي، عند لقائي بها في أحد مقاهي حيفا.
هي من مواليد 1946، وصل والداها إلى البلاد في أوائل العشرينات من القرن الماضي، واستقرا في «كريات حاييم».. ومنذ ذلك الوقت وهي ما زالت تقطن في بيت العائلة في «كريات حاييم».
«قلت لك بأنّي فلسطينيّة أكثر منك..! ولدت قبل ولادة دولة إسرائيل، حيث لم تكن هناك دولة تُعرف باسم إسرائيل بعد.. أنا من مواليد فلسطين..»! – أكّدت لي مجددًا.
واستطردت دڤورا في حديثها قائلةً: «عشنا في «كريات حاييم» – كانت في حينه بمثابة «كيبوتس» – حياة أشبه ما تكون بالاشتراكية؛ فعليًّا لا يوجد حياة إشتراكيّة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. عشت في بيت، بعيدًا نوعًا ما عن الحياة السياسيّة؛ بما معناه لم تشغلنا السياسة بشكل خاصّ، إلاّ أننا تربّينا على احترام الغير، والعمل على مساعدة كل مَن هو محتاج بقدر المستطاع. لقد جاء والدي حاملاً المبادئ الصهيونيّة، بهدف فلاحة الأرض وبنائها.. وكذلك والدتي أتت مع مبادئ صهيونيّة، على الرغم من أنها كانت تؤمن بالإشتراكيّة؛ أمّا أنا فكنت أشعر بأنّي أحمل مبادئ أخرى مختلفة..».
فهل كنت مختلفة عن باقي أفراد العائلة، فعلاً؟
لم أعش حياة سهلة بتاتًا. نعم، شعرت دائمًا بأنّي مختلفة! لم أجد نفسي، ولم أجد راحةً ولا استقرارًا في كنف العائلة. شعرت بأنّي أنتمي إلى عالم آخر، كنت أبحث عن عائلة أخرى، أبحث عن بيت دافىء، بعيدًا عن هذا البيت الذي أسكنه، لم أشعر بالانتماء إلى البيت الذي وُلدت فيه! كنت أبحث دائمًا عن أم أخرى! حيث لم تكن علاقتي بعائلتي وطيدة.. عانيت من مشاكل كثيرة داخل العائلة. ونتيجة بحثي عن بيت آخر، وأم أخرى، اتهمني البعض بالجنون.. وكل ذلك كان وأنا ما زلت طفلة، لم أتجاوز العاشرة بعد!
رحلة البحث عن الآخر..
بدأت رحلتها مع الجانب الآخر في جيل الـ 14.. كل ذلك بدأ صدفة عندما قامت بمرافقة والدتها إلى مكتب محامين لرفع دعوى والمطالبة بتعويض من الجيش الإسرائيلي لأخيها، والذي يكبرها بتسع سنوات تقريبًا، والذي عانى من التوحّد (אוטיזם)، وعلى الرغم من ذلك أُجبر في حينه على الالتحاق بالجيش الإسرائيلي (צה"ל) لوحدة «ناحل».. فالتقَت هناك بصبري جريس (من فسوطة)، وكان في حينه تلميذًا في المحاماة يعمل «ستاجيرًا» في مكتب المحاماة.
«شدّني جدًا التعرّف على الآخر.. من خلال لقائي ومحادثاتي مع صبري، والذي كان ينتمي إلى حركة «الأرض» (اليوم هي خارج القانون)، من خلاله علمت بأن هنالك شعب آخر يسكن هذه البلاد. شعب مهضوم الحقوق، شعب نهبوا أراضيه واستولوا على بيوته.. وبما أنّي صاحبة مبادئ، فضميريًا كان يجب عليّ الوقوف إلى جانب مهضومي الحقوق، فبدأت أهتمّ بكل هذه الأمور، وأتابع الموضوع.. إلاّ أن والدتي منعتني لاحقًا من مرافقتها إلى مكتب المحامين، ومن محادثة ولقاء صبري» – أردفت دڤورا.
إلاّ أنها أصرّت على عدم الانصياع لأوامر والدتها، وقررت بشكل شخصي متابعة الموضوع.. فعلمَت من خلال متابعتها للموضوع بأنّ هنالك قرى مهجّرة كثيرة. تعرّفت على البروة، إقرث وبرعم.. وغيرها من القرى، وسمعت قصصًا عديدة عن معاناة بعض العائلات المهجّرة؛ وخلال فترة الدراسة الثانويّة، بدأت تُخبر صديقاتها وأصدقائها عن «الآخر» وعن معاناة الشعب الآخر، وعن صداقتها مع العرب.. فما كان منهم إلاّ أن اتهموها بالجنون، والبعض الآخر اتهمها بالخيانة، وبـ«عاشقة» العرب. حتّى أن أفراد عائلتها وأقرب المقرّبين منها عاداها وقطع علاقته بها.. إلاّ أن كل ذلك لم يثنيها ولم يمنعها من العدول عن هدفها!
«أردت الوصول إلى هدفي، أردت تحقيق حلمي.. أردت العبور إلى الجانب الآخر! فكلما زاد الرفض كلما شعرت بدافع أقوى إلى الانتقال إلى الجانب الآخر، وجدت بأن هنالك حاجة ملحّة وضروريّة للانتقال.. لقد وجدت نفسي أخيرًا» – تقول دڤورا.
وتضيف: «في نهاية الثانويّة تعرّفت على عائلات مسيحيّة من إقرث وبرعم. تعلّمت منهم ما معنى الانتماء، ما معنى الأرض والوطن والإيمان.. وأهمّ ما كان في الموضوع هو الأيقونات الدينيّة التي كانت تزيّن جدران البيوت المسيحيّة، والتي شدّتني كثيرًا، وأثارت اهتمامي، وكنت كلّما أراها أشعر براحة نفسيّة وروحيّة».
أخاف أن أشرب!
وتذكر دڤورا حادثة حصلت لها في نهاية الثانوية، حين دعت صديقة مقرّبة جدًا، إلى زيارة حي وادي النسناس، والتعرّف على عرب حيفا. فتقول: «اصطحبت معي إلى وادي النسناس صديقتي المقرّبة، لأعرّفها على عرب حيفا.. وما كان منهم إلاّ أن رحّبوا بنا وسكبوا لنا العصير، فانتفضت صديقتي وصاحت بي وحاولت منعي من شرب العصير مدّعيةً بأن العرب يسمّمون اليهود من خلال دسّ السم في العصير.. تفاجأت من ردّة فعلها وشرحت لها بأن العرب يرحّبون بالضيوف، ومن عاداتهم استقبال الضيوف بالشراب والطعام. فكيف لفتاة منتمية لحركة «هشومير هتسعير» أن تفكر بمثل هذه الأفكار. ويومها وصلت صديقتي إلى بيت العائلة وافتعلت قصة وفضيحة بأنّي أتجوّل بين العرب وقد يحاولون قتلي! وليلتها تركت البيت ونمت عند إحدى الصديقات، ومنذ ذلك الحين قطعت علاقتي بها»!
وتضيف: «لقد كان الحدث مريبًا، تنقصنا تربية سليمة، علينا التعامل مع العرب كسواسية، العرب يعلّموننا معنى المحبّة وتقبّل الآخر، وبالمقابل نعمل على عكس ذلك»!
بعد إنهائها الثانوية التحقت في وحدة تحضيرية في صفوف الجيش الإسرائيلي لفترة شهرين، ومن ثمّ قررت ترك الجيش وعدم الاستمرار في الخدمة من منطلق مبدئي، وعدم الشعور بالانتماء إلى هذه «المؤسسة».
الاستخبارات الإسرائيليّة
درسَت اللغة العربية والعبرية في الجامعة العبرية في القدس، وعندما أنهت دراستها الجامعيّة، وبما أنها ملمّة باللغة العربية، حاولت وحدة الاستخبارات الإسرائيلية إقناعها بالعمل معهم، إلاّ أنها رفضت من منطلق مبدئي وضميريّ ذلك العرض، ممّا عرّضها لاحقًا إلى بعض المشاكل والمضايقات.
تعرّفت على الحزب الشيوعي، فوجدت فيه أقرب ما يكون إلى آرائها ومبادئها السياسيّة، إلاّ أنها لم تنتمِ يومًا إلى أي حزب، ولم تكن عضوًا فعّالاً في أي حزب كان.
وتذكر دڤورا: «استُدعيت في سنوات السبعين الأولى من قبل المخابرات الإسرائيلية، بصفتي مقرّبة من بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى الحزب الشيوعي وملمّة باللغة العربية، لترجمة بعض رسائل الرفاق التي كانت تُرسل فيما بينهم، أمثال: توفيق طوبي، زاهي كركبي، وصليبا خميس.. وغيرهم، إلاّ أنّي لم أكن أعرفهم بشكل شخصيّ كنت أسمع بهذه الأسماء، وأعلم بأنهم ينتمون إلى الحزب الشيوعي فقط، ولاحقًا تعرّفت على صليبا خميس؛ لكنّي لم أستطع ترجمة تلك الرسائل.. فضميري أنّبني! فكيف يمكنني أن أخون هؤلاء الأشخاص الذين احتضنوني وآمنوا بي؟! ومن هنا، وبعد أن كنت قد رفضت ولم أستطع العمل مع «المخابرات» ضاعت منّي العديد من فرص العمل، ونتيجة ذلك لم أستطع إيجاد أي مكان عمل، وخصوصًا في مجال السلك التعليمي، بعد أن كنت محاضرة في السنة التحضيريّة في جامعة حيفا! أُقفلت أمامي غالبية الأبواب»!
لا مكان لأمثالك بيننا!
كيف نظر إليك المجتمع اليهودي حينها، وكيف ينظر إليك اليوم؟
من الصعب جدًا الحديث عن هذا الموضوع. لا ينظر إليّ اليهودي نظرة عاديّة، ونظرته لم تتغيّر!.. أنا بنظر اليهودي خائنة! طابور خامس! جاسوسة! مجنونة! ومما قيل لي: «إذهبي إلى غزة أو إلى جنين أيتها الخائنة، فلا مكان لأمثالك بيننا!». هنالك مفهوم خاطئ لكل من يحاول الدفاع عن قضايا الآخر، حتّى وإن كان دفاعه نابعًا من منطلق صحوة الضمير! ما زال التطرّف يستشري في المجتمعين اليهودي والعربي، مما يزيد الهوة بين الطرفين.. لم نقبل الآخر بَعد!!
من الطبيعي أن تكوني محطّ شكوك؛ فما الذي يضمن لي بأنك لست «مزروعة» بيننا من قبل الاستخبارات الإسرائيليّة.. و«عَم تلعبي ع الحَبلين»؟
تضحك: أؤكد لك بأنّي لم أخُن الدولة في حياتي، ولن أعمل ضدها.. كما أنّي لم ولن أخون الفلسطينيين؛ فأنا لا أخون العشرة والأمانة، ولن أتخلّى عن العرب، قضيتهم تعنيني. لقد واجهت هذا السؤال، أو لنقل هذا الاتهام كثيرًا؛ فحتّى هذه اللحظات كثيرون يشكّكون بمدى مصداقيّتي، حتّى أن الكثيرين «يخافون» التقرّب منّي أو التعامل معي. نعم.. الوسط اليهودي رفضني، والوسط العربي لم يقبلني كما يجب بعد..!
ناشطة, فعّالة.. ومتعدّدة المواهب
حديثنا يدور في اللغتين العربية والعبرية، وفي بعض الأحيان كانت تحادثني ببعض الجمل الإنچليزيّة، ثم تعود إلى العربيّة.. ملمّة باللغة العربية، تعرف أسماء شوارع حيفا العربية القديمة جميعها تقريبًا، تعشق أزقّة حيفا القديمة والبيوت العربية.. تعرف مئات العائلات العربية، وفي علاقة وطيدة مع العشرات منهم.
لقد كانت فعّالة جدًا ونشيطة اجتماعيًا، اشتركت في العديد من الدورات التطوعيّة والتعليميّة وغيرها في الوسطين العربي واليهودي، وتعرفت خلال الدورات على عائلات عربيّة عديدة، واستطاعت من خلال علاقتها من تحسين لغتها العربية وعلاقاتها مع العرب من خلال المخالطة.. جالت العديد من القرى العربيّة، والمهجّرة منها أيضًا، واستطاعت التعرّف على معنى التشريد والتهجير، فزارت إقرث وبرعم ودير ياسين وغيرها من القرى.. وعاشت القضية الفلسطينية على أرض الواقع.
تعشق دڤورا كذلك الفن والنحت، مما دفعها إلى ممارسة وتنمية هوايتها. وخلال تواجدها في القدس وعلاقاتها مع الفلسطينيين، تعرّفت على النحات الفلسطيني جورج سعادة (أبو خليل)، وكان لها بمثابة أب، وجدت فيه حنان وعطف الأب. ومن هنا بدأت تشعر بالقرب أكثر إلى المسيحيّة وإلى البيت الدافئ الذي كانت تبحث عنه دائمًا؛ ومن خلال العمل المشترك والنحت وصلت إلى الضفة وتعرّفت عن قرب على الشعب الفلسطيني المحتَلّ.
تقول دڤورا: «تعرّفت على الشعب الفلسطيني المتواجد وراء الخط الأخضر.. فاجأني جدًا! شعب يحمل طاقة كبيرة وعنفوانًا، وحبًا للحياة!».
ما الفرق بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الضفة؟
لم أجد فرقًا يُذكر، فكلاهما شعب واحد، كلاهما صاحب قضية واحدة وهدف واحد، لكن لدى فلسطينيي الضفة إصرار وتحدّي. أحيانًا كنت أجد انفتاحًا أكثر لدى فلسطينيي الضفّة.
وهنا انتقلت إلى الجانب الديني، وقالت: «بهرتني كنيستا «المهد» و«القيامة». من كنيسة «المهد» ابتدأت رسالة المسيح، بيت لحم تعني لي الكثير فهي أرض المسيح، الأرض المقدّسة.. لديّ أصدقاء كثر في بيت لحم والقدس وبيت ساحور ورام الله.. وغيرها من القرى والمدن الفلسطينية».
الديانة المسيحيّة
نعود لبداية الثمانينات حين وجدت دڤورا دافعًا قويًا بالانتقال إلى الجانب الآخر بشكل فعليّ، فاختارت أن تعتنق المسيحية؛ وذلك بعد اقتناع تام وشعور بأنها تنتمي أكثر إلى المسيحية منها إلى اليهوديّة، وتجد الراحة النفسيّة كلّما رأت أيقونة للسيد المسيح أو للسيدة العذراء.. هذه الرغبة باعتناق المسيحية لطالما راودتها وحلمت كثيرًا على تحقيقها.
وتقول دڤورا في هذا الصدد: «إن المسيحية هي البيت الدافئ الذي كنت أبحث عنه دائمًا. لم تكن الظروف مؤاتية بعد، لقد واجهت الكثير من الصعوبات، ولم يصدقني أو يؤمن بي حينها أحد – لا الكهنة ولا الطوائف المسيحيّة – على أنّي جادّة وأريد اعتناق المسيحيّة، ولم يكن هنالك تجاوبًا كافيًا من قبل بعض الطوائف والكهنة».
لم تيأس دڤورا وحاولت مرارًا وتكرارًا التوجّه إلى الكهنة بهدف اعتناق المسيحيّة، إلى أن تحقق هدفها قبل حوالي الـ 6 سنوات عندما توجّهت إلى كنيسة «المهد»، بهدف تعليم الكهنة اللغة العبرية، وبالمقابل كانت تتقرّب أكثر إلى الدين المسيحي.. وقد تمّ ذلك وتحقّق حلمها، وتعمّدت على يد أحد كهنة الروم الأرثوذكس في كنيسة «المهد»، وقامت بتغيير اسمها من دڤورا إلى مَكَرينا؛ ومنذ ذلك الحين وهي مواظبة على حضور القدّاس الإلهي في كنيسة «يوحنا المعمدان» للروم الأرثوذكس في حيفا، أو في كنيسة «جوارجيوس» للروم الأرثوذكس في عكا. تحمل في حقيبتها العهد الجديد، وتواظب على القراءة من الإنجيل والصلاة بشكل يوميّ.
ألاحظ بأن غالبية أصدقائك ومعارفك العرب هم من المسيحيين.. ألا يوجد لديك أصدقاء مسلمون؟!
بحكم بحثي عن الديانة المسيحية، واقترابي من الكهنة والمطارنة، فإن غالبية معارفي وأصدقائي كانوا من المسيحيين، إلاّ أنّ لديّ أصدقاء كثر من المسلمين كذلك، من: سخنين والمثلث وعرابة وغيرها من القرى. صدّقني أشعر بأنّي أقرب إلى المسلم من اليهودي المتديّن («الحريدي»)، لأنّ المسلم أقرب منّي فكرًا وثقافةً من ذلك المتديّن اليهودي أو المستوطن المتطرّف.
كيف تقضين أوقاتك؟
أعمل في جمعيّة تُعنى في الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتهتم بجمع التبرّعات، وللأسف هذه الجمعية تعمل مع الوسط اليهودي فقط، وأحاول التجنّد كذلك للاهتمام في الوسط العربي. أجول في بعض القرى والمدن العربية وأزور أصدقائي ومعارفي، أقوم أحيانًا بافتتاح دورات في فن النحت، وأقوم بأعمال تطوعيّة عديدة، وأواظب على الصلاة وحضور الاحتفالات الدينية والقداديس.
الحركة الثقافيّة
تواظب دڤورا (مََكَرينا)، أيضًا، على المطالعة والقراءة باللغتين العربية والعبرية، فأحيانًا تقرأ الكتاب أو القصة ذاتها مرّتين، مرّة بالعبرية ومرّة أخرى بالعربية للمقارنة بينهما، ولفحص مدى صحّة ودقّة الترجمة.
«لقد قرأت «المتشائل» لإميل حبيبي باللغتين، العبرية والعربية. أواظب على قراءة القصص والكتب الأدبيّة، ابتعد عن الكتب السياسيّة. كما أحرص على مواكبة الأخبار، ومتابعة بعض الصحف العربيّة الأسبوعيّة» – تقول دڤورا.
وتضيف: «منذ أن تعرّفت على صحيفة «حيفا» أحاول الحصول عليها لمتابعة الأخبار والتقارير فيها.. أذكر أنه كانت هنالك صحيفة حيفاوية أخرى باسم «حيفانا». كانت صحيفة من نوع آخر، تحمل لغة خاصّة.. واليوم لدينا «حيفا». وجدت في صحيفة «حيفا» شيئًا مختلفًا، وخصوصًا – «ومش توجهن، ومش عشان إنتِ قبالي» – الزاوية الأسبوعية التي تكتبها، فهي تحمل نوعًا من النقد والسخرية معًا، زاوية بقلم جريء لم نعتاد على قراءتها عبر صحفنا من قبل، لقد اتخذتَ خطًا جريئًا لكنه صعب جدًا، كما يعجبني أسلوب كتابتك وسردك للأحداث؛ أقولها صراحةً ودون تلوّن».
أشكرك على هذا الإطراء.. هل تواكبين الحركة الثقافيّة المحليّة؟
أتابع الحركة الثقافيّة. فأنا كما ذكرت لك أعشق الفنّ؛ لذا فكل عمل مسرحيّ فنّي جميل، أو أمسية موسيقيّة راقية أحاول متابعتها وحضور العرض. لا شك بأن هنالك نهضة فنيّة وأعمال تستحق الوقوف عندها. لست ملمّة بجميع المطربين والمطربات المحليين لكنني أعرف عددًا لا بأس به.
أي نوع من الموسيقى أو المطربين تفضّلين؟
أعشق السيّدة فيروز، فأنا من المعجبات بها، وقبل أيام معدودة فقط استمعت لأغنية «القدس»، كما أني أستمع للعملاق وديع الصافي، وأعشق صوت أسمهان وأغانيها الكلاسيكيّة. ومؤخرًا، وبعد اعتناقي المسيحيّة وزيارتي لكنائس الروم الأرثوذكس أتقرّب أكثر إلى الموسيقى اليونانيّة، فأجد فيها لغةً تحاكي العقل والروح. أما الأغاني والموسيقى العبرية فلا تعنيني كثيرًا.
كلمة أخيرة..
أتمنى أن أسكن مدينة حيفا أو مدينة عكا يومًا ما، لأنهما تعنيان لي الكثير وتمثّلان نوعًا من الحياة المشتركة.
أودّ أن أؤكد لك بأن كلّ ما قمت به، لم يكن من منطلق أو دافع سياسيّ، بل نابع من ضمير حيّ والرغبة القصوى بالشعور بالإنتماء.. ولكن للأسف حتى كتابة هذه السطور لم أشعر بالإنتماء الفعليّ، المجتمع اليهودي رفضني، والمجتمع العربي عامةً، والمسيحي كذلك، لم يقبلني كما يجب؛ ما زالت تساورهم الشكوك.. وأنا ما زلت لا أنتمي!!