تهنئة قلبيَّة بحلول عيد الفطر السَّعيد- الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى رئيس طائفة الروم الملكيّين الكاثوليك في حيفا

مراسل حيفا نت | 11/09/2010

إخوتي المسلمون والمسيحيّون أبناء مدينة حيفا الكِرام
    أودّ، في هذه الليلةِ المباركةِ والمقدّسة، باسمي وباسم إخوتي الكهنة وجميع أبناء الرعيّة الملكيّة الكاثوليكيّة في حيفا، تقديمَ تهانيَّ القلبيَّة لأبناءِ شعبِنا العربي أجمع، بشقَّيه الإسلامي والمسيحيّ، بحلولِ عيد الفطرِ السَّعيد، ألا أعادَه اللهُ عزّ وجلّ على جميعِنا بالخيرِ والبركات والسّلام. إنّ هذا العيدَ المبارك هو مَدعاةٌ لنا جميعًا، مسيحيّين كنّا أم مسلمين إلى أن نَختبِرَ محبَّةَ الله تعالى الذي يُعلِّمُنا العطاءَ ومشاركةَ الآخر والانفتاحَ عليه، إنّه الخيرُ الأسمى والمحبَّةُ اللامتناهيّة. 

     وإنّي، إذ أنتهِزُ هذه المناسبة، أشجُبُ بكلماتٍ قاسية المُخطَّطَ الشيطانيّ الأسوأَ على الإطلاق، والذي دَعَتْ من خلاله كنيسةٌ معمدانيّةٌ صغيرة في فلوريدا لا يزيدُ عددُ أعضائها عن الخمسين عضوًا، إلى إحراقِ القرآن الكريم في الذكرى التّاسعة لهجماتِ 11 أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن. وقد جاءت ردودُ فعلِ المسؤولين الأميركيّين مُخيِّبةً للآمال والتوقّعات، إذ أعلنوا أنّ هذه الدّعوةَ تأتي بالخطر على جنودِ بلادِهم العاملينَ في أفغانستان والمناطق الأخرى من العالم حيث الوجود الأميركي، ولم نَسمَعْ منهم أنّ حدثًا كهذا يُعتبَرُ جريمةً في حقّ الدياناتِ السّماويّة الثلاث على حدٍّ سواء. إلا أنّ موقفًا صريحًا جاء من حاضرةِ الفاتيكان الذي أعلنَ "أنْ لا أحدًا يَحرِقُ القرآن الكريم احترامًا لتعاليم الدين الإسلاميّ ولنبيّه الكريم".
     إنّنا نَعتبرُ هذه الدّعوةَ شيطانيّةً إذ إنّها بعيدةٌ كلَّ البُعد عن تعاليمِ السيّدِ المسيح له المجد والإكرام الذي دعا جميعَ أتباعِه في كلّ مكانٍ من هذا العالم الواسع إلى المحبّة التي هي انطلاقةٌ نحو الآخر المتنوّع والمختلف عني دينيًّا، اجتماعيًّا، ثقافيًّا… وقد أعلنَ مرارًا وتكرارًا في الإنجيل المقدّس أنّ كبرى الوصايا في الشّريعةِ والنّاموس هي "المحبّة": "أحبِب الرَّبَّ إلهَكَ بكلّ قلبِك وكلِّ نفسِك وكلّ ذهنِك… وقريبَك حبَّكَ لنفسِك" (متى 22: 35-40). مَن هو القريبُ الذي يتكلّمُ عنه المعلِّمُ الإلهيّ في هذا الإنجيل: إنّه الإنسانُ الآخر، وليس فقط الإنسانَ المسيحيّ، بل الإنسان المخلوقِ على صورةِ الله ومثاله (تكوين 1: 26).
     إنّ مثلَ هؤلاء المُدَّعين والمرتزقة لا يعلَمونَ حقَّ العلم التّاريخَ المشترك الذي جَمَعَنا كمسيحيّين عرب مع إخوتِنا المسلمين على مدارِ ألفٍ وأربعمائة عامّ من الجهادِ اليوميّ بعرقِ جبينِنا والدّفاعِ المستميتِ عن أرضنا ومقدّساتِنا بقطراتِ دمائنا، ونحن نعيشُ جنبًا إلى جنب، حيث تُنشِدُ أجراسُ الكنائس ومآذِنُ الجوامع ألحانَ المحبّة والتّعايش المشترك والأخوّة. أدعوكم أيُّها المسيحيّون والمسلمون وأُناشدكم باسم مسيحِنا له المجد والإكرام وباسم نبيّكم الكريم، أن تبقَوا موحَّدين إلى أبدِ الآبدين، دفاعًا عن حُرمة مقدّساتِنا كنيسة القيامة، كنيسة المهد وكنيسة البشارة والمسجد الأقصى وقبّة الصّخرة، لأعودَ وأكرِّرَ ما قلتُه سابقًا، أنّ على المسلمين أن يُحافظوا على الوجودِ العربيّ المسيحيّ  الذي كان وسيبقى جزءًا أساسيًّا وجوهريًّا من النّسيج العربيّ واللحمةِ القوميّة العربيّة، إذ إنّهم مواطنون أصليّون ومتجذرون في أرضِهم التي روَتها قطراتُ دمّ المسيح الذي ما تَرَكَ شبرًا واحدًا من أرضِنا إلاّ وآثار قدميه هناك إلى اليوم.
     أدعوكم وقلبي مفعَمٌ بالأمل والرجاء، إلى أن تعيشوا فرحةَ العيد معًا، المسلم يدعو المسيحيّ، والمسيحيّ بدوره يدعو المسلم، لا تخافوا من الانفتاح على بعضكم البعض، إذ إنّ الانفتاح يُلغي فَرَضيَّةَ الخوف من الآخر، التعصّب الأعمى، الانغلاق والانكفاء مهما كان انتماؤه الدينيّ والأيديولوجيّ.
     فعلى أملِ اللقاء بكم دائمًا، أستودعكم بركات الله تعالى، وإلهُ السّلام والمحبّة يكون معكم أجمعين. آمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *