يُجمع علماء التربية والعلوم الاجتماعية كافةً على اعتبار أن التعليم هو أساس التنشئة المجتمعية. إذ إننا نعتبر أن عملية التنشئة السليمة تبدأ في جهاز التربية والتعليم من مراحله الأولى، منذ الحضانة فصاعداً. فإن المدرسة كما هو معروف، أهم آلية تملكها المجتمعات لتجمعة الأجيال والمواطنين. ومن هنا مراهنة المجتمعات على العملية التربوية وعلى المدرسة كفضاء لبلورة شخصية المتعلَمة. وتكتسب العملية التربوية أهمية إضافية في المجتمعات المستضعفة باعتبارها طريقه الرئيسية لإحداث التغيير في أوضاعها وأوضاع أفرادها. وقد أكَد الفيلسوف والمربي البرازيلي "باولو فريري" في كتابه تربية المقهورين ان التربية هي السبيل للتحرر بمعنى تحقيق الإنسان لذاته والمجتمع لطاقاته.
ليس خافيا على أحد ان جهاز التعليم العربي في حيفا يتألف من عدة "منظومات" تعليمية وهي: التعليم الأهلي والتعليم الرسمي والتعليم المكمَل (جمعيات). وهو تعليم للطلبة العرب في حيفا وللطلبة العرب من خارج حيفا. وهذا يعني ان جزءا كبيرا من المدارس العربية في حيفا تقدم خدماتها مقابل رسوم وأقساط مالية تجبى عادة مباشرة من أولياء الأمور.
وهذا ما يقودنا إلى الاستنتاج الواضح كأساس للتداول في قضية التربية والتعليم وهو الحوار الهادئ والصراحة ومناقشة كل ما يتعلق بعوامل النهوض في العملية التربوية كأساس للتنشئة المجتمعية السليمة.
وهي نقطة الارتكاز لمكاشفة مجتمعنا والهيئات التي تشرف على المدارس الأهلية والرسمية وعلى الناشطين في مجال التعليم من داخل الجهاز وخارجه.
وعلى النسق ذاته فإننا لن نقيس انجازات او إخفاقات كل مدرسة على حدة لأننا لا نريد الانشغال بالتفاصيل الصغيرة. ولا تقلل من أهميتها التي تحرفنا في العادة عن رؤية السيرورة العامة والتعامل معها على أساس استراتيجي برؤية شمولية.
نحو رؤية مجتمعية شمولية
من الملاحظ أن العملية التربوية التعليمية في حيفا مفككة من حيث الرؤية والمسؤولية والإشراف عليها. فكل مدرسة تتصرف كجهاز مستقل محكوم لأمرين اثنين، لمفهوم مدرسي محدد للنجاح في التحصيل التعلَمي والبجروت ولسياسة الجهة التي تشرف على المدرسة. بمعنى ان المساءلة غير قائمة بين المجتمع وبين المدارس الأهلية والرسمية الا فيما هو عام يتلخص في نشر إعلامي موسمي وغير دقيق او في طفرات نقاش حول هذه المسالة او تلك تبدأ لأسباب غريبة وتتلاشى لأسباب غريبة.
لم يحدث حتى الآن ان شارك المجتمع العربي الحيفاوي في صياغة رؤية تعليمية- تربوية شاملة لا بمبادرة أهلية او بلدية رسمية. ورؤية كهذه لازمة لاشتقاق معايير النجاح والإخفاق ومتطلبات المجتمع من المدارس. وقد جاءت هذه المتطلبات حتى الآن فردية، من كل أسرة مقابل المدرسة دون ان تتحول الى جماعية متعارف عليها ومعلنة.
يزيد من حدَة هذا القصور البنيوي كون العملية التربوية تحصل بدون إشراك للأهالي من خلال لجان أولياء الأمور ونشطائها. ورغم وجود لجان كهذه في بعض المدارس إلا أننا لا نستطيع اعتبار مجرَد وجودها مشاركة حقيقية.
ومن هنا أهمية ان يُصار الى بناء تصوّرَ جماعي للتعليم العربي من خلال سلسلة من الخطوات التنظيمية والتربوية.
وبما أن هذا الجهاز– في جزء كبير منه- هو نتاج قراراتنا، فأننا نرجو أن نستطيع النهوض بأعبائه ليس في مستوى المقرر لكل صف أو شعبة فحسب، بل في مستوى توقعات المجتمع وتطلعاته واحتياجاته، أيضا، في المستوى ألتحصيلي المباشر وفي المستوى التربوي الذي يُستمد من هُوية المجتمع العربي وثقافته وتطلعاته.
يظل جهاز التعليم في ظروفنا مكلَفاً مهمَة مساعدة المجتمع على إحداث عملية النهوض والتحديث في واقع سياسي اقتصادي يفرض شروطاً وقيوداً على الجهاز بكل أطرافة، على المتعلَمين والمعلَمين والأهالي والمسؤولين. وهي شروط ضاغطة جداً تُخضع العملية التربوية الى جملة اعتبارات لا تمتَ بصلة إلى التربية أو التعليم.
وجهة نظر- حسين اغبارية-مدير جمعية التطوير الاجتماعي-حيفا ”التعليم عامل أساس للتنشئة”
مراسل حيفا نت | 04/09/2010




