من راقب النَّاس مات همًّا- د. خالد تركي – حيفا

مراسل حيفا نت | 27/08/2010

تعوَّدتُ أن أحمل متاعب كلِّ سنة ومشاكلها على ظهري، مسافرًا بعيدًا عن مدينتي حيفا لأحطَّها مرهَقًا وسعيدًا بين رمال صحراء سيناء المُلتهبة وماء بحرها الأحمر المُنعش ببرودته، لأنساها بين سباحتي في يمِّها المُميَّز وتأمُّلي في سمائها الصَّافية كعين الدِّيك البلديِّ، وليكشفَ الأزرقان ما في عُبِّي من عيوبِ وإرهاقِ ونجاحِ وإنجازِ السَّنة الغابرة وأسبر عميقًا أدغال وغابات شُعَبِ المرجان البحريَّة الهائلة والكثيفة لأرى جمال الطَّبيعة البحريَّة من أصدافٍ وأسماكٍ وشُعبٍ وأشجارٍ وأعشابٍ وحيوانات مائيَّةٍ على اختلاف ألوانها الزَّهيَّة والزَّاهية، أنتقل بين صدفة وأخرى وبين الشُّعيرات المرجانيَّة وأخواتها، أحكي لها أسراري بعد أن كَشَفَتها لِوحدها من خلال سباحتي واغتسالي بماء البحر، تمامًا كأنَّها دخلت في جلدي وفي خلدي أو كأنِّي جالسٌ على كرسيِّ الاعتراف.

 
أسبحُ على وجه الماء ناظرًا إلى قعر البحر فأظنُّ نفسي هائمًا وطائرًا ومُحلِّقًا في السَّماء، ينظر إلى الأرضِ وتدور الأسماك والحيوانات البحريَّة سابحةً من حولي متنقِّلةً بين هذا المكان وذاك، تمامًا كما تتنقَّلُ الطُّيور مغرِّدةً في الفضاء وفرحةً بين الأشجار، تبني أعشاشها وبين الأزهار تشمُّ رائحتها وتمتصُّ رحيقها وترتاح بعدها بين أعشاب اليابسة مختبئةً وخائفةً من الصَّيَّادين.
نأتي المكانَ للرَّاحة والسِّباحة والاستجمام والاستحمام حيث نعيشُ وننتعشُ هناك لبضعة أيَّامٍ، ما بين الماء والخضراء والوجه الحسن وطيبة أهل ذلك البلد الأمين بأهله وشعبه وتاريخه العريق، مصر أرض الكنانة، بعد أن ننسى كذلك، عناء معبر الحدود بين طرفيْ طابا.
نأتي المكانَ ونحلُّ ضيوفًا أعِزَّاء على أهله ومحلاته السِّياحيَّة ومنتجعاته الجميلة.
نأتي المكانَ المضياف لنكون سفراء بلدنا هناك، كما نحلُّ في بلاد أخرى في آسيا أو أوروبا..، نتصرَّفُ مع أهل ذلك البلد بحسبِ أخلاقنا وآدابنا الحميدة التي كبرنا عليها ورضعناها في بيوتنا، بتواضعٍ، بعيدًا عن الاستعلاء على غيرنا والنَّظرة الدُّونيَّة لغيرنا، وبعيدًا عن أخلاق "البلد إللي بتعرفش حدا فيه شَمِّرَ و..فيه"، نأتي المكانَ للنَّقاهة والرَّفاهة ولم نأتِهِ لنعلِّمَ أهله الأخلاق والآداب وننتقد تصرُّفات هذا وذاك من أهل البلد المُضيف، فكم هو جميل أن يراقب الإنسان نفسه وينتقدها، إن شاءت الحاجة، فالانتقاد الذَّاتيُّ هو أساس تطوُّر المجتمع واستقامته وسلامته، وكم هو قبيح أن يراقب الإنسان النَّاس وكأنَّه عصيٌّ على الأخطاء والمعاصي، فقد جاء في الأمثال الشَّعبيَّة "من راقب النَّاس مات همًّا" وغمًّا أيضًا، لذلك كتبتُ عمَّا رأيتُه وشعرتُ بحاجة أن أضع بعض الأمور في مكانها، على الأقلِّ من وجهة نظري، بعيدًا عن الأمور التي يجب أن تُقال وتُكتب عن الطَّرف الثَّاني فهذا شأنهم وعملهم "ورحمَ الله امرءًا عرف قدرَ نفسِهِ". فقد قال الإمام الشَّافعي:
لِسَانُكَ لا تَذْكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ فَكُلُّكَ عَورَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسُنُ
وَعَيْنُكَ إِنْ أَبْدَتْ إِلَيْكَ مَعَايبًا فَدَعْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْيُنُ
ولإخواننا/تنا العاملين/ات في منتجعات سيناء المصريَّة نستميحكم عذرًا، إن بدر، من بعض ضيوفكم من بلادنا، خطأٌ أو زلَّةٌ، فهذه العيِّنة لا تمثِّلُ شعبنا، وما من إنسانٍ معصومٌ عن الخطاء. واحترام الغير واجب ومردود على احترام الذَّات لأنَّه يزيد من الثِّقة بالنَّفسِ، فمن لا يحترم غيره لا يحترم نفسه أو ذاته وتكون ثقته بنفسه منقوصة.
سنعود إليكم ونحطُّ ثانيةً وثالثةً، مرَّةً تلو الأخرى..في دياركم، أرض الكنانة المعطاءة والعامرة، آملين من أهلنا الزَّائرين أن يكونوا عند حسن ظنِّكم. لأنَّ جميعنا "سواسية كأسنان المشط".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *